الموضوع
:
قصة من الواقع العربي / ضحكة في وسط الحريق
عرض مشاركة واحدة
احصائيات
الردود
4
المشاهدات
5170
عبدالأمير البكاء
من آل منابر ثقافية
المشاركات
342
+
التقييم
0.06
تاريخ التسجيل
Mar 2010
الاقامة
العراق / النجف الأشرف
رقم العضوية
8844
08-28-2010, 01:25 PM
المشاركة
1
08-28-2010, 01:25 PM
المشاركة
1
Tweet
قصة من الواقع العربي / ضحكة في وسط الحريق
كانت تعرف أنها جميلة جدا ، فلم يكن إطراء جاراتها في ذلك اليوم ، قد أضاف لها عُجبا أو اعتدادا
بنفسها ، بل أشاحت بوجهها عنهن لتنطلق مخيلتها بعيدا ، تستعرض محطات متتابعة في حياتها ، ماتت بها بذور
أمانيها وآمالها قبل أن تـُزرع ... عادت إلى بيتها بخطى وئيدة وهي تزمُّ شفتيها متمتمة بتهكم : جميلة ..وما نفع
الجمال الباهر من دون زوج يرعاه ؟! أغمضت عينيها عند الباب متنهدة ،فتقاطرت فوق خديها الفضيين دمعات
لؤلؤية حرى ، صارت تخفي كثيرا من مثيلاتها ندما على زملاء لها في كلية الآداب ، طلبوا يدها جاهدين ،
فرفضتهم ، لأنها كانت تكره البداية من الصفر مع قرين يأخذ ( المصروف ) من أبيه .. فاجأها صغيرها عند
الباب صارخا بوجهها : إذا أنتِ صائمة ، فما ذنبي أن أبقى جائعا منذ البارحة ؟! أمسكت بيده الغضة الناعمة
تضغطها بشدة ، فيعلو صراخه ألما وجزعا ، بينما هي تمعن بالضغط عليها بما تستطيع ! كسكّير مفلس شرب
كأسه الأخيرة التي لا يملك ثمنها ، فأفرغ غضبه بالكأس الفارغة ! ... إنتبهت لسوء فعلتها ، فأرسلت يد الصغير
الباكي ، لتقبع باكية في زاوية من غرفتها الفارغة إلا من مصادر الأدب والنحو وكراريس طلابها المبعثرة ...
دخل عليها صغيرها ، ووقف بجانبها بهدوء ، وقد أنهكه الجوع والنشيج ، يداعب خصلات من شعرها الذهبي
معتذرا لها : ماما أعدك ألا أطلب منك أكلا مرة أخرى ، حتى وإن متُّ جوعا ! رفعت رأسها الملقى على ركبتيها
لتعانقه وتمطره بقبلات سريعة متتابعة ، سال من خلالها كثير من الدمع والعرق المالح ... صمتت برهة ثم
سحبت صغيرها من يده إلى صنبور الماء ، وغسلت وجهيهما وخرجت مسرعة بخطىً لا تناسب خطى صغيرها
السريعة المتقاربة .. سألها لاهثا : إلى أين نحن ذاهبان ياماما ؟! كانت تتوقع هذا السؤال منه وهي في البيت ،
لكنها لم تدرِ ما الكلمات المناسبة التي ستختارها لإفهامه ، لأنه لن يفهم جُلها ، فاعتمدت أسلوب مخاطبة النفس
للنفس لإدانة نفسها في استرجاع ماض ٍ خاطئ الإختيار والتصرف : نحن ذاهبان إلى فِيلا أبيك الثري الذي
هجرنا منذ ولادتك ، ليتقترن بامرأة أمية جاهلة مثله يفهم قولها حين تخاطبه ، أما أنا فكان البون شاسعا بيننا في
الثقافة والمعرفة ، فصارحديث الطرشان مثلا منطقيا ينطبق على جلِّ الأحاديث فيما بيننا ، وإذا سألتني عن سبب
اقتراني به مادام الفرق معروفا منذ البداية ، اجيبك : لأن كلانا كان يريد إكمال نقصه في الآخر من دون حب ،
أو عاطفة أنا أعاني من عضة الفقر التي آلمتني وأنا بين أبويَّ وإخوتي ، فقررت حذف هذه الفقرة من حياتي الى
الأبد ،أما هو فكان يعاني من وطأة جهله وأمّيته التي لاتتناسب ومركزه المالي بين كبار التجار والمسؤولين ،
فصار ينشد التعويض في امرأة متعلمة ،واعية ، تحمل شهادة علمية متميزة تسد ثـُغرة في حياته أقضّت مضجعه !
لكن الحال لم تدم كثيرا ، إذ بدت الغيرة تعتلج في ذاته بعد أن تبوأتُ مكانة اجتماعية متميزة بين أقراني من الأساتذة والأدباء
، وصار الناس يحيطونني بهالة من الإعجاب والتقدير، خلال محاضراتي وندواتي الأدبية في وسائل الإعلام
الكثيرة والمتنوعة ، فصار زوجي يحد من حركتي وانتشاري بحجة إهمالي واجباتي البيتية والزوجية التي خُلقتُ
من أجلها كامرأة ، ولما لم تفده هذه الأعذار بعد الإذعان لكل ما يطلب ويريد ، صار يسهب في شتمي وإهانتي
وتهديدي بالضرب أمام المعارف والأصدقاء ، كوسيلة لإذلالي وتحجيم قدراتي التي خبروها منذ حين ،
وحين أصابه اليأس من تحقيق مأربه ، عمد إلى التخيير بين الشهادة والكتب التي كان يسميها ( ضرته )
والندوات والمهرجانات ، وبين وجوده معي كزوج يوفر لي كل متطلبات الحياة تحت سقف واحد ، لم أدرك مدى
جديته في الخيارين ، كما لم أكن أفكر يوما بترك الحال التي وصلتُ اليها في مجتمعي الذي أحاطني بحب
افتقدته منذ اقتراني به ، ففضلتُ حينها الخيار الأول على الثاني ، رغم حاجتي الماسة لرجل يغطي نفقاتي
ونفقات طفلي الرضيع الذي بات راتبي المتواضع لا يفي بربعها . قطعتْ حديثها ثم انحنتْ لترى مدى استيعاب
صغيرها لما قالت ، فوجدته قد وصل الى المئة في عدِّ السيارات المارة في الشارع ! ضغطت على زر جرس
فيلا أبيه ، ممتلئة بشحنة من الغضب تهز كفها الضاغط ، فخرجت لها ضرتها منفوشة شعر الرأس ، ترتدي ثوبا
فضفاضا أبدع النقاش في اختيار كل الألوان الفسفورية المشعة فيه مع احتذاء نعال لم يطق حجم قدميها ، فسمح
للأصابع بالدخول إليه فقط ! ... قالت لها بتعال ٍ منفعل : قولي لزوجك الذي يدعي الإيمان والتقوى ، هل من
العدل أن ينثر الأموال والهبات على الفقراء رئاء الناس ، بينما فلذة كبده يتضور جوعا ، سأشتكيه الى المحاكم
لأتقاضى منه حقي وحق ولده الذي لا يعرفه إذا ما رأه ..ذهبت الضرة مسرعة خائفة لتخبر زوجها بما قيل لها ،
فنادت وراءها مردفة القول : وقولي له أني ومنذ شهرين صار عندي الماجستير في العلوم العربية وآدابها ،
فليمُتْ غيظا وكمدا ،عادت الضرة مضطربة لتقول لها : يقول زوجي إذهبي الى أية محكمة تشاءين ، فإن المحاكم
كلها في قبضة يدي ، أما الماجستير، فلن أصرف عليك درهما واحدا لعلاجك منه ما دمتِ مصرة على موقفك
وعنادك معي !!! ثم أردفت وهي تضع منديلا على أنفها : بالله عليك ، هذا الماجستير الذي عندك معد ٍ أم غير
معد ٍ؟!!! ضحكت وهي تجر صغيرها ضحكة سمعها من في الشارع من المارة فضحكوا معها من دون معرفة
الأسباب !!!
رد مع الإقتباس