الموضوع
:
أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية.
عرض مشاركة واحدة
02-07-2013, 09:50 PM
المشاركة
905
ايوب صابر
مراقب عام سابقا
اوسمتي
مجموع الاوسمة
: 4
تاريخ الإنضمام :
Sep 2009
رقم العضوية :
7857
المشاركات:
12,768
تابع ..........
9- عناصر الجمال في رواية "حدث أبو هريرة قال" للروائي
–
محمود المسعدي
–
تونس
:
-
إنّ قارئ مولفات المسعدي يدرك
بوضوح اعتناق الرجل للمذهب الوجودي ولعلّه متأثر في ذلك بثقافته وبإقامته في فرنسا
زمن ازدهار هذا المذهب. غير أنّ وجودية الرجل تختلف عمّا ألفناه في كتابات سارتر
وكامو، لأنّه - ومثلما صرّح بذلك أكثر من مرّة - لم يكتب شيئا يدل على أنّ الحياة
عبث
.
-
لا شكّ أنّه يؤمن أنّ الوجود يسبق الماهية وما على الإنسان إلاّ أن ينحت
وجوده ويصوغ ذاته ويحقّق ماهيته من خلال ما يعرض له من تجارب. أليست هذه الفلسفة
احتفالا بالإرادة في معناها السامي؟ فيها الكثير من النفس الاعتزالي وتؤمن بجدارة
الإنسان في أن يتحمّل أمانة هذا الكون، إنّ غيلان هو أبو هريرة وهو أنت وأنا وكلّ
إنسان وعى ذاته وعزم على أن يحقق وجوده الفردي والجماعي. هو الإنسان الذي قبِل
الأمانة وتحمّل أن يكون خليفة اللّه في الأرض بكلّ ما تعنيه الخلافة من معنى. وهو
الإنسان الذي طوّر المعارف والعلوم، وذلّل الطبيعة وقاوم الجوع والمرض وسعى إلى ما
فيه خير البلاد والعباد، هو الإنسان الذي بنى الحضارة ونشر قيم الحقّ والعدل
والحبّ
.
-
وجودية المسعدي لا تقنع بالموجود بل تطمح دوما إلى المنشود حتّى إن كانت
تؤمن أنّها قد لا تدرك مطلق المنشود لأنّه صنو الكمال.
-
غير أنّ هذا العمل لا يعني
العبثية وغيلان ليس سيزيفا لأنّه يؤمن أن الفعل البشري لا يكتمل ومتى اكتمل الفعل
كانت النهاية لأنك كما يقول المسعدي "إن أنت أتممت الفعل قتلته" وطبيعة الإنسان
السائر بصفة حتمية وطبيعية إلى العجز والفناء لا حدود لطموحها، وما قد يبدو اليوم
معجزة سيبدو يوما آخر عاديا
.
-
كان لا بدّ لسدّ غيلان أن لا يكتمل بناؤه، لأنّه
ليس سدّا من حجارة بل هو الحلم الإنساني الذي لا حدّ له أكثر ممّا هو حلم شخص محدّد
في الزمان والمكان. ولو أنّ المسعدي جعل روايته تنتهي نهاية سعيدة باكتمال بناء
السدّ لكانت قصّة عادية وأقل من العادية لا تستحقّ أدنى اهتمام لأنها ستتحول إلى
حكاية اجتماعية تنتهي بالزواج السعيد في فرح وسرور ولفقدت جلّ معانيها الإنسانية
الخالدة
.
-
قد نتّهم المسعدي بالقسوة على أبطاله وحكمه عليهم بالفشل والعبث بهم في
نهايات مأسوية. ولكنّ المأساة من طبيعة الوجود البشري. ويكفي أنّ المرء يدرك تمام
الإدارك أنّه محكوم عليه بالفناء ليشوب النقصان كلّ عمله
.
-
إنّ شخصيات المسعدي
وإن كانت كائنات من ورق على حدّ عبارة النقد الحديث فهي كائنات بشرية وليست
أسطورية، وكان لا بدّ لأبي هريرة أن ينسحب من مسرح الأحداث لأنّه أتمّ دوره وعاش ما
عاش من تجارب متنوعة، ولم يعد له ما يضيف إلاّ أن يكرّر ذاته. وما انسحابه إلاّ
إفساح المجال لغيره ليواصل رسالة الحياة ويحيا بدوره نفس التجارب بنفس مختلف نظرا
لاختلاف الظروف زمانا ومكانا
.
ولقائل أن يقول ما دام الأمر على هذا الشكل من
النقصان والفشل، ألا يُخفي إيمانا بعبثية الحياة ما دام سيزيف يسكن كلّ جهد
وعمل؟
-
إنّ المسعدي وإن آمن بأنّ الوجود سابق للماهية فإنّه كان ينطلق من واقع
إسلامي ويختار شخصياته من هذا الفضاء وينزّلهم في مشاغل هذا الواقع وفي فضائه
الثقافي والروحي .
-
إنّه يكتب لمجتمع تونسي وعربي إسلامي قبل أن يكتب للإنسان في
المطلق.
-
إنّه يحمّل شخصياته طموحات هذا المجتمع في النهوض من التخلّف وبناء حضارة
جديدة.
-
إنّ المسعدي لا يستنسخ نماذج محنّطة بل يثور على الواقع الموروث ويسعى إلى
جعله يعي ذاته ووجوده حتّى يصبح قادرا على الفعل وتحديد مصيره والسعي إلى تحقيق هذا
المصير.
-
إنّ معنى الحياة عند المسعدي يكمن في الحياة ذاتها. فأن تعيش حياتك وتحقق
وجودك الفردي والجماعي ذاك هو معنى الوجود السامي .
-
إنّ وجودية المسعدي ملتزمة
بالفعل، وما دامت قد تنزّلت في واقع عربي إسلامي تخلّف أشواطا عن ركب الحضارة فلا
مجال للعبثية لأنّ للفعل السياسي والاجتماعي أو الثقافي معاني جليلة تنتفي أمامها
أحزان العبثيين وهي تحتاج إلى عمل أجيال وأجيال لنفي أسباب التخلف واستعادة الراية
من جديد مع المحافظة عليها وهو مشروع يحتاج إلى سدود عظيمة تنشد الفعل وتحتفل
بالإضافة حتّى يكتمل الصرح أو يقارب الاكتمال ولو بعد أجيال
.
رد مع الإقتباس