عرض مشاركة واحدة
قديم 01-30-2013, 11:48 AM
المشاركة 10
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ،،،

اقتباس "عدت لأعقاب سجائري القديمة منذ سنوات ،، ,لأتأكد من إطفائها ،،ثم،، ألقيت بها في عين البالوعة!!!".

في هذه الفقرة يخبرنا الراوي بأن حالة الإحباط التي تكرست لديه بعد انتهاء بارقة الأمل في انقطاع الاتصال الهاتفي، وعدم حدوث التواصل، دفعته للانتقام من أعقاب السجائر القديمة، وهو تصرف يهدف إلى تفريغ الطاقة السلبية لدى البطل ومشاعر الكآبة والإحباط والغضب مما آلت إليه الأمور بعد الثورة والتي لم تأت بأكثر من الأحاديث البالية وتركت الأواني على المائدة فارغة.

ولم يتوقف الأمر عند إطفاء السجاير القديمة بل ألقى بها في عين البالوعة، ونلاحظ هنا الاستخدام الذكي لكلمة عين فهي من ناحية تستثير في المتلقي حاسة البصر وتوحي بمدى السيطرة والتحكم التي امتلكها الراوي في معالجة مشاعره المتراكمة، وفي استخدام كلمة عين استثمار للنص الديني ( عين اليقين ) وإحياء له في ذهن المتلقي وهو ما يجعل الفقرة بالغة التأثير لما لذلك النص من ارتباط .

ويمكن فهم الفقرة هنا علي مستويين أيضا، فربما أن الظروف التي نتجت عن الثورة والتغير في النظام قادت الراوي لتلك الحالة النفسية فلم يجد سبيل لتفريغ مشاعر الغضب والإحباط سوى أعقاب سجائره القديمة، ويتضح أن الغضب قد وصل به إلى أن لا يكتفي بإعادة إطفاء أعقاب السجائر تلك وهو يعلم أنها مطفأة منذ سنوات قديمة، وإنما قام على إلقائها في عين البالوعة إمعانا في حاجته للتخلص منها ومن شرورها المحتلة، وفي ذلك ما يؤكد حالة الغضب التي ألمت بالراوي كنتيجة لتراكمات ما حدث.

أما المستوى الآخر فيتمثل في حالة الكآبة التي ظهرت على الراوي وتعززت كنتيجة لما إصابة من مآسي تكرست كنتيجة للأحداث الانقلابية التي لم تود إلى نتيجة، وقد أوصلته إلى حافة الانهيار، والانتحار، وعندما رن الهاتف ركض إليه كونه يمثل بارقة أمل، وفي ذلك ما يشير إلى حاجته للتواصل ولكن الهاتف انقطع قبل أن يلمسه فماذا كانت ردة فعل الراوي؟

واضح أن القاص خطط للحظة الانقلاب هذه في شخصية الراوي، فبدلا من أن يستسلم لليأس ويستمر في انهياره، قرر أن يتخلص من مشاكله المأساوية المتراكمة traumatic experiences والتي كانت قد فعلت الأفاعيل فيه وأوصلته إلى تلك الحالة من اليأس والكآبة، والانهيار الذي أوصله إلى حافة السقوط عندما ركض للرد على الهاتف. وقد رمز إلى ذلك بأعقاب السجائر، فهو يريد أن يتخلص مما بقي في نفسه من مسببات الاكتئاب واليأس للتأكد من أنها لن تعود لتسبب له الألم ومن هنا جاء تعبير القاص ( لأتأكد من إطفائها )، فهو يدرك مصادر ألمه، ومسببات كآبته، واختار أن يتخلص منها، ولم يكتف بإعادة إطفاء حرائقه الداخلية، (ويرمز إلى ذلك بسجائر قديمة) لكنه تأكد من التخلص منها بطريقة مدروسة ونهائية ولذلك فقد رماها بعين البالوعة تحديدا ولم يرمها بطريقة عشوائية لتذهب عنه والى الأبد دون رجعه.

ومن هنا نفهم التحسن النفسي الذي حل به بعد ذلك مباشرة ، حيث مدد جسده بارتياح على الأريكة، كما يأتي الفقرة التالية.

واضح أيضا أن القاص ضمن هذه الفقرة مزيدا من المعلومات التي جعلت شخصية الراوي ديناميكية، فهو لم يستسلم لحالة البؤس والكآبة وتراكمات المآسي عليه، وإنما تصرف وتخلص من مخلفات تجاربه المأساوية، ومما يؤلمه ليتأكد أنها لن تعود لتحرقه، بل تأكد انه تخلص منها والي الأبد في عين البالوعة.

وفي النص حركة ( عدت، ألقيت ) وهو ما يضفي عليه نوع من الحيوية ويجعله اقرب إلى الحياة.

وفيه استخدام للنقائض ( سجائر مشتعلة، إطفائها ).

وفي ذكر السنوات تسخير للأرقام وفي استخدام الأرقام سحر من نوع خاص فهي تمثل لغة الكون ولها وقع لا واعي على المتلقي.

كما انه يؤنسن البالوعة فيجعل لها عين.

كما يظهر بوضوح بأن القاص يعالج في هذه الجزئية من القصة الجانب النفسي من الشخصية ويسلط الأضواء الكاشفة بصورة كثيفة على أعقاب السجائر، والمطفئة، وعين البالوعة لكنه في نفس الوقت يكشف لنا ما في سريرة ذلك الراوي من مشاعر وآلام، ويدعنا نشاهد كيف حدث الانقلاب لديه فتخلص من بقايا مآسيه ليرتاح.

ولا شك ان حالة الانقلاب التي حصلت في شخصية البطل تمثل لحظة انقلاب في النص وهو ما يشير الى مهارة القاص وقدرته على السرد الجميل الذي يمتلأ بعناصر التأثير والجمال ومكتوب بحرفية عالية.


يتبع،،،