عرض مشاركة واحدة
قديم 01-26-2013, 12:40 PM
المشاركة 8
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
تجربة الروائي التوسني حسين الواد مع الرواية:

عن الجزيرة نت.

===
حسين الواد: الرواية تمردت علي
حسين الواد: نشر أعمالي الروائية انتـُزع مني انتزاعا (الجزيرة)

حاوره: كمال الرياحي
عرفت الجامعات التونسية والعربية حسين الواد باحثا وأكاديميا في أمهات التجارب الشعرية والنثرية العربية وصاحب مؤلفات كثيرة في ذلك المجال، حتى خرج علينا بروايته "روائح المدينة" عام 2010 التي فازت بجائزة "الكومار الذهبي" الأدبية في تونس، ثم برواية "سعادته.. السيد الوزير" عام 2011 التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية.

تسلط السرد على صاحب "المتنبي والتجربة الجمالية عند العرب" ليخرجه عنوة من مجاله الأثير -وهو النقد الأدبي والدراسات والبحوث الأكاديمية- إلى عالم الرواية، ولينتزع نشر روايتيه منه انتزاعا كما يقول.

ويرى الأكاديمي والروائي التونسي
- أن الإبداع السردي يتطلب الكثير من الدقة والانضباط الذاتي، في حين أن الكثير من الكتابات الإبداعية تعاني من الهذر والثرثرة المجانية.

الجزيرة نت التقت حسين الواد وحاورته بشأن تجربته الأكاديمية والروائية وترشيحة للقائمة القصيرة البوكر العربية.

بعد "الكومار الذهبي" للرواية التونسية، يأتي التتويج العربي بالوصول إلى القائمة القصيرة البوكر، بـ"سعادته.. السيد الوزير". لكنك بدوت كعادتك غير مهتم كثيرا على خلاف بقية الروائيين العرب. وكنت غير مهتم بنشر الروايتين أصلا. هل هذا صحيح؟ وهل اللامبالاة هي الطريق نحو التتويج؟

- كنتُ خارج تونس عندما بلغني أن "روائح المدينة" فازت بالكومار الذهبي. كنت غير عارف بأنها كانت مرشحة أصلا. أما البوكر فقد أخبرني الناشر بأنه يرشّح "سعادته.. السيد الوزير".

هذا بطبيعة الحال لا يعني قلة الاهتمام أو الاكتراث، إنما تختلف الكتابة العلمية عن الكتابة الفنية.
في الأولى مثلا، كنتُ أحرص على أن يتضمّن كلّ كتاب أنشره إضافة. الإضافة هي المقياس والبحث الذي لا أصل فيه إلى إضافة لا أنشره. في الكتابة الفنيّة أقيس المنجز على المتوقّع. ثم إني كثيرا ما أشعر بأن النصّ لا يصل إلى المستوى المنتظـَر.

أما نشر الروايتين، فقد انتزعت الأولى مني انتزاعا. كنتُ ممتّعا بقراءتها على كمبيوتري. يستغرقني النظر فيها. وعندما صدرتْ لا أكتمك أني شعرت بشيء من الأسف. قد تمرّدت تلك الرواية علي فعلا. وكلما هممتُ قبل نشرها أن أحوّر فيها بعض الفقرات أو بعض التعبيرات امتنع ذلك عليّ.

أما الرواية الثانية، فقد دفعتُ بها للنشر امتنانا للثورة فقد أسدت لي شخصيا جميلا. وأعلمك أني لم أنظر لا في الرواية الأولى ولا الثانية بعد نشرهما.

لماذا كنت تؤخّر دائما نشر إبداعك، هل كنت تخشى على صورة الأكاديمي رجل العلم والكائن الانضباطي من صورة المبدع المنفلت؟ أم كنت تخشى بطش النظام الذي كانت روايتك "سعادته.. السيد الوزير" أهجية له؟
- صحيح أننا (الناشر ومدير السلسلة) فكرنا طويلا في ردود فعل السلطة على الرواية الأولى. لهذا السّبب تمّ عرضها على بعض القرّاء الثقات استئناسا برأيهم في هذا الجانب، ولكنّها تسرّبت حتى أصبحت تتداول بالتصوير.

ومع ذلك،
- فإنّ الكتابة الإبداعية تتطلّب هي أيضا كثيرا من الدقة والهندسة الفكرية، خاصة في ما يتعلّق باقتصاديات النص الفنّي. ألا ترى أن تسعة أعشار الكتابات الإبداعية عندنا بها كثير من الهذر والثرثرة المجانية.

من ناحية أخرى، لا بد أنك تعرف أن عددا وافرا من كبار الأكاديميين قد كتبوا في الإبداع؟ منهم من اعترف بصعوبة الكتابة الفنية،
- فالرواية جنس حرّ، والحرية لا تعني الانفلات، بل هي الانضباط الذاتي في أقصاه.

يبدو حسين الواد حسب ما تشي به أبحاثه الأكاديمية منشغلا أكثر بالشعر. لكنك تفشل أفق انتظار المشهد الإبداعي العربي بكتابة الرواية. متى بدأ اهتمامك بالسرد؟ وهل قراءتك لأبي العلاء المعري كانت منطلقا؟
- اهتمامي بالشعر العربي القديم خاصة جاء بعد الكتابة عن السرد القديم. غير أني لم أنقطع عن تدريس السردين القديم والحديث. واهتمامي بالشعر كان عندما اكتشفتُ -وهو ما فاجأني- أنّ للقدامى معه تجربة نقدية عجيبة بتفردها. حاولتُ الكشفَ عن ذلك في جميع ما نشرته من دراسات. هذه التجربة لم تنل بعد حظها من الاكتشاف والسّبل إليها غير ممهّدة، وفي النظر إليها دون عدسات ملوّنة صعوبات كبيرة ومشاق.
السرد تسلّط عليّ تسلّطا. ربما كان ذلك من باب الضيق بضحالة الكثير الذي اطلعتُ عليه، وربما كان من باب ضراوة الغضب للثقافة التي أنتمي إليها. أحيانا أجدني أكتب من باب الحب المسرف لواقع مسرف في الإيذاء لكثرة ما فيه من رداءة وبذاءة ووقاحة وقبح.

أعلن الراوي في "روائح المدينة" أن للنص بقية، هل "سعادته.. السيد الوزير" جزء من هذا العمل أم بقية الروائح في أدراج أخرى؟
- بقية الروائح موجودة. لا أعرف ما الذي يجعلني أؤجل صدورها. ثمة شيء لا أدري ما هو يمسكني. كان التشهير بجميع ما يؤذي ويفسد ويتهدد الوجود على جميع الأصعدة وفضحه والتنديد به يدخل في باب المقاومة له حتى تتحرّك السّواكن.
الآن تغيّرت المعطيات، عندنا -على وجه الخصوص- أصبح التشهير يدخل في باب التعبئة كي لا تعود تلك العهود المقيتة. الفرق واضح بين الحالين، يبقى الوصول به إلى الوضوح الفنّي. أما رواية "سعادته..." فلا صلة لها بـ"روائح المدينة". كتبتها ضاحكا من كثرة الغباء.

يتغير أسلوبك بين الرواية الأولى والثانية كليّا، فاللغة براغماتية مخففة من البلاغة في "سعادته" بينما في "الروائح" تبدو اللغة -وكذلك الأسلوب- متينة عريقة بليغة وشعرية. أي الأسلوبين أقرب إليك؟ وهل النص الأدبي هو الذي يستدعي أسلوبه ولغته أم إن الروائي يريد أن ينحت لنفسه أسلوبا؟
- اللغة في "روائح المدينة" قد أسهمت في خلقها. وهي لغة فاجأتني وما زالت تفاجئني بقوّتها وسحرها.
- أما في "سعادته" فللغة شأن آخر به إخبارية مخاتلة. إذا صادف أن ظهرت لي كتب أخرى من التي ما زلت لا أراها أهلا للظهور فسترى أن لغتها مختلفة. اللغة أيضا تستعمل الكاتب. هي كائن غريب يتجاوزنا.

"السوداوية" التي قرأناها في روايتك الأولى نجدها بأسلوب آخر في الرواية الثانية. وهذا مفهوم في قراءة الواقع التونسي قبل الثورة، واليوم كيف تقرأ واقع ومستقبل تونس كمبدع؟ وماهي تخوفاتك وتصوراتك لما يحدث وما سيحدث؟
- واقعنا المبكي حقيقة ومجازا أسمح لنفسي ولجميع المعنيين به والمعانين له أن ينقدوه وبالقسوة التي يستحقها، ولكنه يسوؤني كثيرا أن ينقده غيرنا إزراءً بنا واستهانة، وربما أيضا شماتة، فلا نجد ما نردّ به. وقد سررتُ كثيرا بإقدام بعض الشعوب العربية على الإمساك بمصائرها. لكن السّرور لم يدم.
الشعوب العربية اليوم في مفترق الطرق. أزمتها الحضارية المزمنة أصبحت مسألة وجود. أتمنى أن تفلح هذه الشعوب في بناء عالم قابل لأن يعيش فيه الناس حياة كريمة ثرية بالتنوّع في كون قابل للاستمرار.

الصراع حول الخالة بين الوزيرين في روايتك، صراع حول الأم يبدو أصل الصراعات الآن بين التونسيين، بين الثائرين والسياسيين حول تونس. يرى عبد الله القصيمي أن لا خير في الثائر العربي لأنه يثور على أبيه ليأتي بأسوأ منه. كيف ترى حقيقة ما سمي "الربيع العربي" اليوم؟

- القراءة النفسانية -رغم جاذبيتها- لا تقنعني، أو المنجز بها في الدراسات العربية أراه تافها وسخيفا. أما الثورات العربية، فما هي؟ كم لدينا في تاريخنا من ثورة؟ عندما يصبح لدينا رصيد من الثورات عندها يمكن أن نطلق الأحكام.

أخطر الناس على الثورات هم الذين يعتبرون أنفسهم مثقفين. بين ما يحملونه من تصوّرات وبين الواقع مسافات. الواقع قد سبقهم بأشواط وأشواط. لذلك تراهم يستنجدون بالأموات من كل صنف ولون، يحكّمونهم في كيف يعيشون. إنهم قتلة أحلام.

كنت أحد مؤسسي حركة الطليعة الأدبية في تونس في السبعينيات، واليوم تظهر كأحد أهم المبدعين في المشهد التونسي، وما بين هاتين الفترتين انشغلت بالبحث. اليوم وبعد تقاعدك هل ستتفرغ للإبداع؟ ومتى تطلق الرواية الجديدة؟ أم إن هذا النجاح المباغت سيقودك إلى التريث أكثر؟

- قصة الطليعة في تونس طويلة وثرية جدا. ملخّصها أنها انطلقتْ في السبعينيات مشاغبة ومشاكسة ورافضة متمردة وحبلى بكثير من الآمال، لكن عندما قاومها مَن قاومها -بمن في ذلك بعض الداعين إليها- سرعان ما أصبحت مقلمة الأظافر، أو مجرد واجهة فخمة لدكان ملآن بجميع أنواع الخردوات العديمة القيمة.

كان (والتحفظ على القياس هنا واجب) لنا مع التاريخ موعد فتخلفنا عنه فأشاح عنّا بوجهه وانصرف. خوفي أن موعدا ثانيا -وهو هذا الذي نعيشه اليوم- نُخْلِفه مرة أخرى، فعندها لن نجد حتى الوقت للتأسف عليه ندما أو البكاء.

كقارئ، أحب أن يحترمني الكتّاب، وألاّ يستهينوا بي أو يجوروا على وقتي بالتضييع، فالوقت ثمين جدا. وككاتب، أحاول أن أحترم القراء.
- فالكتاب -وهذا الكلام للتوحيدي أو الجاحظ- هو الذي "إذا نظرت فيه أطال إمتاعك"، والمتعة التي يشار إليها أنواع.

وبالنسبة إلى التقاعد، أرجو لكلّ فرد ألاّ يجد نفسه يردّد مع المعرّي قوله "ضاع فعلي في النوايا، كجبال في ظلام".