الموضوع
:
اعظم 100 كتاب في التاريخ: ما سر هذه العظمة؟- دراسة بحثية
عرض مشاركة واحدة
01-15-2013, 04:03 PM
المشاركة
266
ايوب صابر
مراقب عام سابقا
اوسمتي
مجموع الاوسمة
: 4
تاريخ الإنضمام :
Sep 2009
رقم العضوية :
7857
المشاركات:
12,768
تتداخل الاصوات عبر السرد وتعود الذاكرة تقهقراً ، تُبرز صوراً وحوارات ثم تتخللها تداعيات . ففي الوقت الذي يبتدىء فيه الراوية بصوت المتكلّم
"
خوان بريثيادو
"
نرى بعد عدَّة صفحات
الصوت الغائب يمسك زمام السرد ليحدثنا عن بيدرو بارامو ، حيث يتداخل أيضاً الحديث عنه . فمرةً صبيّاً تعنفه أمّه لعدم مساعدته جدّته بحوار تبدو عليه لمسات الغباء . يخترق الحوار تداعٍ يتكلم فيه بيدرو وهو رجل مسن عبر تذكره لسوزانا ، الفتاة التي أحبَّها بعمقٍ لكنَّها ماتت .. ثم يعود السرد بلسان الصوت الثالث يواصل الإخبار عن بيدرو الصبي . ومن داخل السرد يتعالى التداعي بسوزانا
"
كنت أنظر إلى القطرات التي التمعت في ضوء البرق وهي تسقط وأتنهّد كلما تنفستُ وكنتُ كلّما
افكِّر ، افكر فيكِ أنتِ يا سوزانا
."
ص74
ويعود
"
خوان بريثيادو
"
الذي استهل الدخول إلى الرواية عبر زيارة قرية ( كومالا ) بناءً على وصية أمّه التي ماتت قبل أيام لأخذ حقّه من أبيه بيدرو بارامو والتي يصلها فيلتقي بـ
"
دولوريس
"
التي تخبره أنها صديقة أمّه ، وأنهما عاشا سويةً لكنَّ أمّه تزوجت بيدرو ولم ينصفها ... يعود بريثيادو يتحدث عن
"
دونيا ايدوفكس
"
التي تحدثه عن أمه وكيف أنَّ عرّاب بيدرو نصحها أن لا تضاجع بيدرو تلك الليلة . فطلبت من دونيا ايدوفكس
"
أن تذهب بدلها ؛ وفعلت المرأة . ونعرف أنَّ بريثيادو جاء ولداً لـ
"
دولوريس
" .
لكن هذا التعرَّف سرعان ما يُبطل فعله فنكتشف أن
"
دونيا ايدوفيكس
"
كانت تهذي بهذا الكلام وأنها ساعة التحدث كانت من عداد الأموات وما هذا الكلام الذي سمعه سوى محض وهم انبثق في خيال
"
بريثيادو
"
نفسه على لسان
"
دونيا
" .
وحتى الشخوص الذين التقاهم بريثيادو منذ بدء الرواية هم أموات ابتداءً من الحوذي الذي ظنّه حيّاً واكتشف في ما بعد أنه ميت من خلال أخبار
"
دونيا ايدوفيكس
"
إن ميزة هذه الرواية المثيرة أنها تجعلك تعيش المتخيَّل كما لو كان واقعاً رغم صبغته السريالية الي تطلي حركية الشخوص وتمثُّلَهم
حيث تتمظهر المرأة التي يقابلها نساءً عديدات . ففي المرّة الأولى التي منها سمع الكلام ودخل في حوارٍ معها كانت
"
دونيا أيدوفيكس
" .
ودونيا هذه سرعان ما استحالت
"
داميانا
"
تلك المرأة التي لا تقطن قرية
"
كومالا
"
بل
قرية
"
ميديا لونا
"
المجاورة والتي عرفها بريثيادو على أنها التي اعتنت به وربّته في صغره . ولم تعترض
"
داميانا
"
على الكلام بل وافقته وهو يخبرها أنَّ حديثاً طويلاً جرى بينه وبين
"
دونيا
" .
والغريب أن كل من التقاها وحدثته عمّن جاءت في سياق الكلام كانت حياتها غميرة المأساة ومليئة بالخطايا . الخطايا التي لا نجد له وجوداً كبيراً . فقط ما أوحى به صانع الخطاب
؛ لأنَّ خطايا يرتكبها أناس بسطاء لا يمكن أن تكون مهولة إلى درجة تؤدي إلى الفناء ، وليس العذاب الذي تلاقيه هذه النفوس في مضمار موتها يقارن بكبار الخطايا . إنَّ صانع الخطاب يقسو بثقلٍ مريع على شخوص روايته حتى وإن رأيناهم أناساً عاديّين
:
_ "
ألا ترى الخطيئة فيَّ إلا ترى هذه البقع الداكنة
كأنها طفح ينتشر فيَّ من قمّة رأسي إلى أخمص قدمي . هذا هو الجزء الظاهر فقط ، أما داخلي فهو بحر من وحل
. "
_
ومن براك إذا كان لا يوجد أحد هنا ؟ لقد طفتُ أرجاء المدينة ولم أشاهد أحداً ؟
"
_
هذا ما تعتقده أنت ، ولكن ما زال بعضهم موجوداً . قل لي إذا ما كان فيلومينو أو دوروتيا أو بردمثيو العجوز أو سوستينس ليسوا أحياء ؟ ولكن ما يحدث انهم يقضون وقتهم سجناء . لست أدري ما الذي يفعلونه في أثناء النهار ؛ أما الليل فيقضونه في حبسهم . إن هذه الساعات مليئة بالرعب . ليتك ترى زحمة الأرواح التي تمرح طليقة في الشارع . فحالما يبدأ الظلام تأخذ بالخروج . لا أحد يرغب في رؤيتها أنها كثيرة ونحن قلة . ولا تفيد معها حتى صلواتنا لانها تخرج بسبب آلامها
."
ص119 هذا التصوير المهول الذي يصوره خوان رولفو لسكان
"
كومالا
"
يمثل
مرتبة عالية من القسوة . وحتى
"
خوان بريثيادو
"
الراوي لم يفعِّله بل تركه يتعذب وهو يخطو على أديم طرقات القرية ويدخل بيوتاتها الذاوية
ثم يُدخِلهُ حلبةَ الهذيان والموت . ويظل رولفو ينشر قسوته حتى على الثورة التي تندلع على الأوضاع المتردية في الجنبات المكسيكية ويأتي لهب الثورة إلى
"
كومالا
"
فيعدها من الحركات التي تحمل بذرة وأدها . ومن هنا لا يعطي أي منفذ لخلاص
"
كومالا
"
من عزلتها ، ولا يمنح أيّة بادرة أمل لحياة جديدة ما يدفعها إلى الموت المحتَّم فيحكم عليها بالفناء
.
رد مع الإقتباس