عرض مشاركة واحدة
قديم 01-14-2013, 01:38 PM
المشاركة 256
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
الملا أبو بكر
القسم الثاني
الحكم بلاء للحاكم والمحكومين، فينبغي للأمير أن يتقى الله في كل نية وعمل، موقناً أنه أمام الله كسائر عباده لا يميزه منهم إلا كبر حظه من التبعة، فليضرع إليه في محنه كالمساكين، ويستمد منه العون في كل مسعى ، لأنه بغيره ضعيف، ينبغي إلا يغار من سابقيه إلى الحكم ، بل يظهر فضلهم ويحفظ لهم تراثهم، فهو ذاهب كما ذهبوا ، ولن يبقى له غير حسن ثوابه عند الله، وحسن أثره بين الناس فلا يقدم العنف على المشورة والرضا ، وإلا كان جباراً بغيضا، ولا يسرع بالعقوبة في موطن لاسيما حيث لا يدرك الفوت، وأن يحيط بخفايا دولته وجيرانه، فالراعي الناصح لا ينام وقطعانه ساهرة تنهشها الذئاب، ولكنه إذا سهر ونفى عنها أعداءها نامت مستريحة سعيدة به، وليقدم راحة الرعية على راحته، لا يتنحى عن خدمتهم ولو للنسك والعبادة، فخدمتهم أفضل من كل عباده ، وهم مصدر القوة والخير.

وينبغي أن يعطي الأمير كل ذي حق حقه ولا يخشى فيه لائمة، فهو ملجأ الشاكين، والشاكي لا يقصده حتى يثق بحمايته وعدله، وللمحسن مكافأته ليستبق الناس الخيرات، كما للمسيء جزاؤه ليرتدعوا عن الإساءة، ولكن على ألا تفزع العقوبة الناس فتفسدهم، فلتكن المؤاخذة على قدر الإساءة ولا يعجل بها قبل الثقة من وقوع الإساءة وضررها، وليلتمس للمسيء أعذاره، فيعفو عنه بعذره أو توبته أو نسخ ذنبه، وإذا لم ينفع فيه ذلك لزم سجنه، وإذا ثبت أنه شرير نكل به، كما تجتث الشجرة الخبيثة، وإذا حرك الغريب فتنة في الدولة نفي عنها ولكن لا إلى غير بلاده، والعفو عن الضعفاء أجدر، وسد حاجة سائل أفضل من فك ألف رقبة، والظلم رأس الشر ، فكل مكان تمتد إليه يد ظالم لا تتفتح فيه الشفاه للابتسام، وإنما للأمة خراجها ينفق في مصالحها بإقامة العدل والأمن بينها، وحراستها من الأعداء وتهيئة مرافقها العامة، وليس للأمير إلا رزقه بقدر ما يحفظه كأوساط رعيته،لا لإرضاء أهوائه الخاصة، وعليه ألا يجبي من خراج فيء أمة إلا بقدر ما يلزم لكفالة مصالحها، وأن يحمي التجار الغرباء بروحه، فهم يروجون السلع بين دولته وغيرها من الدول، وهم الألسنة بين الأمم ن فإذا حوسنوا نشروا الثناء عليه وعلى دولته، فكثر الوافدين عليه، فراجت التجارة واتسعت الأعمال ودرت الأرزاق، وإذا أسيئوا شنعوا به وبدولته فكسدت الأسواق وبارت الأعمال والأرزاق، وعلى الأمير أن يختار عماله من ذوي الأمانة والكفاية، بين أهل الرأي والتجربة والحسب والقوة، فهم أعوانه الذين تعمر بهم البلاد، فإذا أحسن اختيارهم كان همهم رضا الله ومصلحة الرعية، وإذا أساء اختيارهم أفسدوا وكان همهم تملقه، وأسرفوا في امتصاص دماء الناس وهتك حرماتهم من أجل أهواء أنفسهم وأهوائه، وليحذر توليه السفلة، فالمفلس من الحسب لا يخشى حاكمه مهما يرهبه، ولا تجديه الإساءة طاعته، وعليه أن يرصد على ولاته رقباء أمناء عقلاء، مع الحذر من اجتماع الوالي والرقيب عليه ، وليكن لكل مهمة عامل واحد منعاً للإهمال والخيانة ، هذا مع استمرار الرقابة، فالقافلة في أمان طالما حذر اللصوص بعضهم بعضاً، ومن عزل لتقصيره نظر في أمره بعد أجل لاستصلاحه، ولا يجوز سماع الوشاية بعامل دون بينة، كما لابد من مداومة الإحسان إلى العامل المحسن بعد تركه العمل، ولا بد للأمير من رعاية جيشه في السلم ، فجنده عدته في الشدة، وإذا لم يكرم الجندي في السلم لم يرخص نفسه في الحرب، ولا بد من أن يختارهم ويجربهم للتحصن بهم من العدو، وأن يكسبهم بالمودة والمال، فلا فلاح لإمارة بغير رعاية المحاربين وأهل الرأي، ومن الحكمة دفع العدو بالسياسة والإحسان قبل استعمال القوة،
وأن خاب الرأي حقت القوة، ولا بد في الحرب من التعويل على الشجعان فلا يغلب الأسد إلى أسد، و يستشار أهل الحنكة والتجربة من الشيوخ، فهم أنفذ في الحرب من الشبان الضاربين بالسيوف، ولا يعهد بالأمور الجسيمة إلى الأحداث، ولا بالحرب لغير أهلها ويبعد عنها المترفون، وحذر العدو عند المتاركة واجب كحذره عند القتال، والبيات أولى بالحذر، فليكن الجند على تعبئة عند النوم كما هم في اليقظة نهاراً، ولا أمان للأمير إذا وقع بين عدوين ولو كانا متباغضين، فإذا اتفقا وجب المكر بأحدهما لإسكاته والقضاء على الأخر، وإذا لج عدو في خصام وجب سحقه ومخالفة خصمه، ولا بد من المحافظة خفية على الرجعة إلى الصلح مع إظهار الإصرار على الحرب، وإذا فتح الأمير بلداً اكتفى بأسر صاحبها، وعفا عن رعيته وأوسعهم عدلاً ورخاءً، ولا فلاح بغير حفظ السر في السلم والحرب، فقد يكون بين الأصحاب جواسيس للعدو، حتى وجهة الجيش لا بد من كتمانها بالتورية، فقد أظهر الإسكندر أنه يقصد الغرب ، حين عزم الزحف إلى الشرق.
الباب الثاني – الإحسان
إذا كنت عاقلاً فأقصد إلى جوهر الحق، فهو دائم والقشور فانية، من ليس ذا معرفة ولا كرم وكرامة ولا تقوى فليس إنساناً إلا بصورته، إنما ينام في سلام تحت التراب من بث الطمأنينة في القلوب، أنفق ذهبك ومتاعك فالرياح ستذهب به من يديكَ، أفتح باب كنزك الآن فلن يكون المفتاح غداً في يديكَ، وإذا شئت اتقاء الألم يوم القيامة فلا تنس المتألمين حولك، لا ترد الفقير عن بابكَ صفر اليدين، خشية أن تدور غداً على أبواب الغرباء، ولتسد حاجة غيرك ، خشية أن تحتاج غداً إلى عون الآخرين، أو لست تبتهل إلى معبودك ؟ فلتكن أذن كريماً! ولا تلو وجهك عمن يبتهلون إليكَ!
قصة في فعل الخير مع الأشرار:
فالت امرأة لزوجها :" لا تشتر الخبز من الخباز الذي في محلتنا بل من السوق، فإنه يريكَ القمح ويبيع لكَ الشعير، ولا زبائن له غير أسراب الذباب. فأجابها : " يا نور عيني لا تعبئي بحيله فما قام هنا إلا أملاً في معاملتنا ، وليس من المروءة أن نخيب أمله فينا".
أسلك سبيل أهل الحق، وإذا نهضت على رجليكَ فمد يدك إلى العاثرين.
الباب الثالث – في العشق.
سعيدة أيام المفتونين بحب الله، سواء كانوا حزانى لانفصالهم عنه، أو مغتبطين بوصالهم في حضرته، هم صعاليك يفرون من سلطان الدنيا، وعلى أمل لقائه يشربون خمر العذاب، وذلك خير لهم وأن بقوا صامتين، ما في الصبر عن تذكر الله خير، فسوسة الشجرة حلوة كثمرتها من يد الصديق، والأسرى في حبائل حب الله لا يبحثون عن مهرب وطريقهم مجهول، هم كالفراش يتهافتون فيحرقون أنفسهم في نار الحب، معشوقهم في صدورهم وهم مع ذلك يبحثون عنه، والينبوع بقربهم وشفاهم تحترق ظمأ إليه، حبكَ يردك جزعاً ثائراً، وبهذا الخلاص تضع رأسك عند قدم حبيبك لتنسى الدنيا، وحين تهون الثروة في عينيك، يستوي لديك الذهب والتراب، تقول أنه ساكن في عينيك، وحين تغلقها يكون في رأسك، وحين يطلب حياتك تضعها في يديه، وحين يشهر سيفه على رأسك تمد عنقك إليه، هكذا يورث الحب الأرضي هذه الحيرة ويطلب هذه الطاعة، فهل تعجب للسالكين في طريق الله حين يغرقون في محيط الحقيقة؟
أنهم في ذكرى حبيبهم يستدبرون الدنيا، وهو سكارى بالساقي الذي فتنهم فأهرقوا الخمر، لا دواء يشفيهم ولا أحد يعرف آلامهم، بآهاتهم، بصيحاتهم يقتلعون الجبال، وبتأوهاتهم يبددون المالك، وبكاؤهم ليلاً يغسل من عيونهم رغبة النوم، هم غرقى في بحار الحب ليل نهار، فهم في ولههم لا يميزون بين ليل ونهار،
الباب الرابع – في التواضع أنتَ – يا مخلوق الله – من التراب خلقت، فينبغي أن تكون متواضعاً كالتراب، لا تكن جشعاً ولا طاغياً ولا صلب الرأس، إنك من التراب فلا تكن كالنار، عندما ترفع النار رأسها المخيف كبرياءً، يخفض التراب رأسه تواضعاً، ولهذا كانت النار متجبرة، والتراب وديعاً ، خلقت الشياطين من النار، وخلق البشر من التراب .
قصة عمر بن الخطاب والسائل:
سمعت أن عمر في خلافته مر بمكان ضيق فوطئ قدم سائل مسكين، فعنفه السائل قائلاً : " أو أنت أعمى ؟ فأجابه متعطفاً : لست أعمى وقد آذيتك بلا علم مني فسامحني".
إذا اتقيت حساب الله فأغفر خطايا من يخافك، ولا تجحف برعيتك أيها الجبار، فهناك جبروت فوق جبروتك.
الباب الخامس – في الرضا.
السعادة تأتي من فضل الله لا من قوة الأقوياء، وإذا لم يأت الخير هبة من عليين لم تستطع القوة تحصيله، إن النملة لا تشقى بضعفها، والنمر لا يأكل بفضل قوته،
وإذا عجزت اليد عن بلوغ السموات، فلتقبل حظك الذي يأتيك محتوماً، وإذا قدر لحياتك أن تطول لم يقتلك الثعبان ولا السيف، وإذا جاء يوم أجلك قتلك الدواء أكثر من السم.
قصة الطبيب والقروي
لم يستطع قروي أن ينام ليلة ، لألم في جنبه، ولما جاء الطبيب قال لأهله : " هذا الألم ناشئ عن أكلة بعض ورق العنب ، وأنا أتعجب كيف عاش الليلة ، فإن سهام التتار كانت خيراً له من تناول هذا الطعام العسر " في تلك الليلة مات الطبيب ، وبعدها بأربعين عاماً كان الفلاح لا يزال حياً.
الباب السادس – في القناعة
لا يعرف الله ولا يعبده من لا يقنع بحظه، فقل للطماع: القناعة غنى ، أيها القلق المسكين، فالعشب لا ينمو على الصعيد الصخري المضطرب، إذا كنت إنساناً تحس فلا ترفه جسدك، وإلا أتلفت ذاتك، الأكل والنوم ديدن الحيوانات، احتضانه دأب الحمقى، ومن لا يميز بين النور والظلام، يستوي عنده وجه الشيطان ووجه الحورية، كيف يستطيع الصقر أن يطير إلى السماء وجناحاه مرتبطان بحجارة الأطماع، أهتم بالعبادة أكثر من الطعام تصر ملاكاً، أبدأ بمعرفة أخلاق الإنسان ثم فتش عن خصائص الملائكة، حسبك من الطعام ما يسد جوعتك، فكيف يهب الخير من لا يستطيع من تخمه أن يتنفس ، من ملأ بطنه طعاماً خلا رأسه من الحكمة، والفريسة من شراهتها تقع في الشرك.
قصة ملك خوارزم
في صباح باكر زار طماع ملك خوارزم وسجد له مرتين ، فسأله أبنه : " يا أبتِ أو لم تقل أن قبلة السجود هو مكة ، فلّم تكرر السجود اليوم أمام الملك؟
القناعة ترفع الرأس، فإذا امتلأ طمعاً لم يرتفع أعلى من الكتفين، ومن طوى بعض شحه، استغنى عن أن يتملق أحداً بقوله:أنا عبدك أنا خادمك. والسؤال كفيل أن يطردك من كل مجلس ، فأنفه عن نفسك حتى لا تطرد.
الباب السابع – في التربية.
من يكبح هواه عن الرذائل أعظم قوة من رستم وعاد، وليس أحد من خشية عدوه كما تكون أنتَ عبداً لشهواتكَ، نزعات السوء في سريرتك كالدم في العروق، وإذا غلبتك أهواؤك استبدت بسلطانها عليك حكماً وقوةً، ولكنها تستسلم حين ترى قبضة العقل المدرعة، لا يتجول أهل الريبة ليلاً حيث الحراس ساهرون، والرئيس أن لم ينكل بعدوه أضاع أمامه سلطانه، وكلمة واحدة تغني إذا كان الإنسان يعمل بما يقرا أو يسمع.
حديث في النميمة
لا تقل الشر في الخيّر ولا في الشرير ، فتخطئ في حق الأول، وتكتسب عداوة الأخير، وإذا ذممت أحداً فأنتَ مذنب، ولو كان ما تقوله حقاً.
من حديث في الزوجة
الفقير ملك إذا كانت له زوجة مطيعة عفيفة، لا كآبة مع متاعب النهار إذا وجدت في دارك من تمسحها عنك ليلاً، إذا كانت المرأة طاهرة لينة اللسان فلا يسأل: أجميلة هي أم قبيحة؟
وإذا كانت خيّرة الطبع فهي أرضى من الجميلة، لأن اللطف يستر زحام العيوب،
تجنب الحورية الرديئة الطبع ، حرم نعمّ عليين من كانت له امرأة سيئة، ولا منقذ منها إلا الله، السجن أفضل من بيت تسوده الشحناء، والرحيل عن البيت سرور إذا كانت قعيدته امرأة رعناء، والسعادة محجوبة عن كل بيت يعلو فيه صوت الزوجة صوت زوجها، وإذا عرفت زوجتك طريق السؤال فأكبحها، أو كن قعيد بيتك كامرأة، احجبها عمياء في محضر الغرباء، وإذا هي تركت بيتك فإلى القبر، وأتخذ زوجة جديدة كل ربيع ، فتقويم العام الماضي لا يؤدي غرضاً، ومشيك حافياً خيرٌ من سعيك في حذاء ضيق.
الباب الثامن – في الشكر
لا أستطيع أن أفي بحق الشكر لذلك الصديق، ولا أعرف أولى منه بالشكر،كل شعره في جسدي هبة منه، فكيف أشكره لكل شعره، الحمد لله الذي خلق الوجود من العدم، أنظر كيف فصلك من الطفولة إلى الشيخوخة في سمت قويم، لقد خلقك طاهراً فعش طاهراً، حتى لا تموت ملوثاً بالذنوب، يا عابد نفسك لم لا تقصد من يهب يديكَ القوة؟
إذا صنعت شيئاً بجهدكَ فلا تعبد نفسك، وأعلم أن ذلك بنعمة الله، أنتَ لا تقوم بمحض قوتك، فالله هو الذي يهبك القوة كل لحظة، إنما يجهل قيمة الهناء من لا يرى الشقاء، الشتاء قاس على الفقير، والغني لا يحذره، إذا كنت سريع المشي فأشكر الله حين ترى الأعرج، ماذا يعرف من قيمة الماء سكان شواطئ الأنهار!
سل عنه من احترقوا في وقدة الشمس! إنما يعرف قيمة الصحة ، من أنهكت الحمى عافيتهُ، كيف يطول الليل عليكَ وأنتَ ناعم المضجع على سريرك؟
فكر فيمن يتقلى بالحمى! لا يعرف ملل الليل إلا مريض.
قصة الحمار الحكيم
انقطعت الطريق في صحراء برجل فبكى قائلاً: " من في هذه الصحراء أشقى مني ؟" فأجابه حماره : " آيها الآدمي البليد لمّ يطول نواحك لجبروت القدر ؟ أمضِ – ولو لم تجد حماراً تمتطيهِ - كي تقدم الشكر على أنكَ لست حماراً يمتطيه الناس !
الباب التاسع – في التوبة
يا من أفنيت سبعين عاماً من حياتكَ، ربما كنت غافلاً تلك الأيام التي ولت مع الرياح! غرتك مطالب الدنيا فلم تتخذ الإهبة للرحيل إلى يوم القيامة ، إذ يأتي إليكَ، في يوم الدين حين سيُميز كل امرئ بمكانه على حسب أعماله، فإذا كنت ذا كنز عظيم من الصالحات، كانت صالحاتكَ هي ثروتكَ يوم الحساب، وإذا كنت مفلساً فهو خزيك، وإذا كنت قد أضعت خمسين عاماً، فأعتبر سنواتك الباقية هبة فاخرة، وإذا كنت لم تزل قادراً على الكلام، فلا تغلق شفتيكَ كالموتى عن اللهج بحمد الله.
موعظـــة
الحياة طائر أسمه النفس، وحين يفر الطائر من القفص لا يعود إلى الأسر، أعتبر ، فالدنيا باقية ولكن لمدة، وأن لحظة تنفق في حكمة خير من عمر في حماقة،لم إذن نربط عقولنا بهذا الخان حيث تستريح القوافل؟ أحبابنا مضوا ونحن لم نَزَل في الطريق، وبعدنا ستبقى الأزهار يانعة في الحديقة ،ويستمر الأصحاب في المجلس معاً، وحين تبلغ شيراز إلا تنظف نفسك من غبار الطريق يا من تدنست بتراب المعصية، ما أسرع ما ترحل إلى مدينة غريبة، أبكِ وتطهر بدموعك من خطاياك.
الباب العاشر – في المناجاة
قم نرفع أيدينا في مناجاته، فإنها غداً ستكون عاجزة في التراب، لا تظن أن تضرعاتنا سترتد خائبة أمام باب الرحمة المفتوحة أبداً، يا رب اشملنا بحنانكَ، فالذنوب أوغلت بين عبادك، أيها المنعم أنت بكرمك احتملتنا، وبعطاياك ورحمة حبك أقمتنا، وإذا فضلتنا على سائرخلقك، فأملنا أن تؤتينا العظمة اللائقة بمكانتنا في الدنيا، رب لا تصغرني من أجل عظمتكَ، ولا تخزني بخطاياي، ولا تسلط أحداً عليً، فخير لي أن أنال العقاب من يديكَ ، وحسبي الخزي في حضرتك،
فلا تفضحني أمام رفاقي، إذا هبط ظل رحمتك عليّ ،هان جلال السماء أمام عيني، وإذا وهبتني تاجاً رفعت رأسي ، فأرفعني حتى لا يزدريني أحد.
قصة وثني
ولى أحد عباد النار وجهه عن الدنيا وربط حقويه لخدمة صنم ، وبعد سنوات حلت به نكبة ، فبكى عند قدمي الصنم ضارعاً : " أيها الصنم إني بائس فأعني ومتعب فأرفق بي " ، وأستمر طويلاً في ضراعته الحزينة بلا جدوى. كيف يستطيع الصنم إنجاز رغبات إنسان وهو عاجز أن يدفع ذبابة عن نفسه ؟ تحسر الوثني وقال للصنم : " يا أنت قدماك مربوطتان إلى الضلال ، ومن الحمق أن عبدتك سنين ، أنجز رغباتي وإلا طلبتها من الله ". وبينما وجهه ملوث بالتراب عند الصنم أنجز الله رغبتهُ . وسمع هذا الرجل تقي فخجل ، فسمع صوتاً من عليين في أذن سره قائلاً: " هذا العجوز صلى أمام الصنم فردت صلاته ، فإذا رد في مقام الله فما الفرق بين الله الحي القيوم والصنم".
المصـــــــــــادر
سعدي الشيرازي : محمد موسى هنداوي.
قطوف من بستان سعدي : الأستاذ حامد عبد القادر.
تاريخ إيران الأدبي ، A Literary History ofPersia لبراون.
البستان لسعدي الشيرازي : محمد خليفة التونسي.
==
سعدي الشيرازي
(اسمه الكامل: مشرف الدين بن مصلح الدين عبد الله) هو ثالث الشعراء الثلاثة الكبار في إيران.
حياته

ولد سعدي في مدينة شيراز حوالي عام 580 هـ ومات وقد جاوز المائة من عمره في عام 691 هـ\1292 م. وقد وقع السعدي أثناء إقامته في بغداد تحت تأثير الشيخ الصوفي شهاب الدين السهروردي [و هو حنفي المذهب وقد تحدث السعدي عن هذا الشيخ في إحدي الحكايات المروية في الكلستان.
نسبه

يرجع نسب سعدي إلى أول الخلفاء الراشدين أبو بكر الصديق.
مؤلفاته
  1. پندنامه: أي كتاب العِبَر، وقد وضعه علي نمط كتابات العطار.
  2. بوستان: أي البستان، منظومته المثنوية
  3. كلستان: أي الحديقة أو الروضة، مجموعة من الحكايات وقد سطرها جميعاً في أسلوب منثور يختلط به كثير من الأبيات المنظومة.
  4. قصائد سعدي: قصائد السعدي الفارسية تعتبر الغاية في الفن والجمال.
  5. غزليات سعدي: وعدد غزلياته كبير وهي موزعة بين الكتب الأربعة التي عناوينها: الطيبات والبدايع والخواتيم والقصائد القديمة.
  6. مراثي: رثي بها تخريب بغداد علي أيدي المغول وقتل الخليفة المستعصم بالله في سنة 656 ه.ق.
  7. هزليات: قصائد عابثة.
  8. خبيثات: تشتمل علي ثلاث مقالات خليعة بشكل لا يتصور.
  9. مضحكات: وهي حكايات بعضها مضحك ولكنه غيرممتع.
  10. مكاتيب: رسالات موجهة إلي صاحبديوان ويقصد به أول رؤساء الوزراء الذين وزروا لهولاكوخان. ثم خليفته شمس الدين محمد الجويني
==
السعدى الشيرازى صاحب البستان وحديقة الورد ،هذان الكتابان الرائعان ذائعا الصيت فى العالم أجمع ،ويعدان من عيون التراث الأدبى العالمى الذى تعانقت فيه الثقافتان الفارسية والعربية منذ الفتح الإسلامى ،كان الحصاد هذا الأدب الراقى الذى هو غذاء الروح والعقل والقلب0
السعدى الشبرازى 000أبدع أيما إبداعٍ فيما سطرته يراعه من ذكاء العقل وطهارة الروح وعمق التجربة وعبقرية الحكمة ،فقد صب فى هذين الكتابين خلاصة تجربته ورحلاته فى بلاد الله والبحث فى أعماق خلق الله عن الحق والعدل والخير ،فالتأمل والملاحظة الدقيقة والترقب واستكناه ما يدور بالنفوس واستقراء ما تنطق به العيون وترجمة ما تهمس به الشفاه،تم تسجيله ممن خبر الحياة سبعين عاماً رحالاً وزاهداً ومتصوفاً،فكان جمعاً بين دقة الرحالة وإشراقات المتصوف00

قرأت هذا الكتاب جنة الورد مراراً وتكراراً،بل حرصتُ على الغوص فى هذا العالم الروحانى وشددت الرحال إلى مثنوى جلال الدين الرومى ،هذا الكتاب الضخم الذى تصدى لنشره أخيراً المجلس الأعلى للثقافة بمصر فى ستة أجزاء ضخمة ،ومنطق الطير وحلية الأولياء لفريد الدين العطاروأغانى شيراز للحافظ الشيرازى وبقدر المعاناة فى تفهم خبايا هذا العالم ،إلا أننى كنت معجباً بالسعدى الشيرازى ،أشعر بذكاء عقله وصدق تجربته وروعة منطقه وحبه الجم للبشر 0

ومن حكايته الكثيرة أقدم حكاية ( الملك والأسير )

سمعت أن ملكاً أشار بقتل أسير برىء،فأخذ المسكين _فى حالة اليأس _يسب الملك بلغته التى كان يتكلمها ويرميه بسقط القول ،فقد قال الحكماء :كل من يغسل يده من الحياة ،يقول كل ما فى قلبه0
بيت
وقت الضرورة ،حينما لايبقى مهرب،تمسك اليد بطرف السيف الحاد0
شعر (ع)
( إذا يأس الإنسان طال لسانه ***كسنور مغلوب يصول على كلب)

*****
فسأل الملك: ماذا يقول ؟؟فقال أحد الوزراء الطيبى المحضر:
إنه يقول :والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس ) فأخذت الملك الرحمة وتجاوز عن سفك دمه0
فقال الوزير الآخر الذى كان ضده:لايليق بأبناء جنسنا الكلام فى حضرة الملوك بغير الصدق،إن هذا الوقح سب الملك وقال مالايليق،فقطب الملك وجهه،من هذا الكلام وقال:إن كذبه جاء أرضى لى من هذا الصدق الذى قلته،فقد كان لذاك الكذب وجهة فى مصلحة ،وكان بناء هذا الصدق على خبث،وقد قال العقلاء :الكذب المحقق لمصلحة خير من الصدق المثير للفتنة 0
بيت
كل من يعمل الملك مايقوله ،مؤسف أن يقول غير الحسن