عرض مشاركة واحدة
قديم 01-13-2013, 02:57 PM
المشاركة 225
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
جوزيف كونراد... سيرة الكاتب البحري
كتب
الأربعاء 11-7-2012
إن قوة كونراد كروائي تكمن في أنه لا يمكن وصفه ضمن التراث الروائيالأنغلو- أميركي- رغم جهود(ليفيز) في الأربعينيات من القرن العشرين، إن تشككهوسخريته القادحة وتصميمه على كشف عيوب الناس فريدة من نوعها
كتب يقول عننفسه:( لقد دعيت بالكاتب البحري وبكاتب المناطق الاستوائية وبالكاتب الوصفيوبالكاتب الرومانسي وأيضاً بالكاتب الواقعي ولكن الحقيقة هي أن كل اهتمامي كانمنصباً على القيمة المثالية للأمور والأحداث والناس ولا أي شيء آخر).‏
كان الدفاع عنكونراد هو التاريخ اللاحق للقرن العشرين والسنوات الأولى من القرن الحادي والعشرينلا تزال (قلب الظلام) تلقي الضوء على بربرية القرن العشرين.‏
إن حقائق حياةكونراد استثنائية بما فيها الكفاية: شخص بولندي منفي برغبة منه أصبح قبطاناً بحرياًتجارياً بريطانياً.‏
ثم ها هو يحولنفسه إلى واحد من أعظم الروائيين(الإنكليز) في القرن العشرين ، ولكن كونراد لم يكنليحجم عن إضفاء الروعة على الوقائع في محاولاته للوصول إلى الحقيقة الشعرية ليس منالسهل فك لغات خيط الغزل، إن حياة كونراد محيرة بقدر ما هو فنه.‏
ولد جوزيفكونراد باسم(يوزن تيودور كونراد كوجينيوفسكي) في الثالث من كانون الأول1857 فيبردتيشوف في أواكرانيا البولندية منذ عام 1795 لم تعد بولندا دولة مستقلة بعد أنتقاسمتها النمسا وبروسيا وروسيا.‏
على شاهدة قبركونراد كتب اسمه بطريقة لا هي بولندية ولا إنكليزية(جوزيف تيودور كوجينوفسكي) وهذارمز للتشوشات التي لا حقته طوال حياته كما نقش على الشاهدة العبارة التي استخدمهاهو في رواية الجوال(النوم بعد التعب، الميناء بعد البحار العاصفة، الراحة بعدالحرب، الموت بعد الحياة، كلها تبعث الكثير من السرور) هذان البيتان من قصيدةالملكة الجنية للشاعر البريطاني(سبنسر).‏
لدى مراجعةكونراد من الصعب فهم شخصيته المزاجية العصابية كما هي مع ألمعيته الجريئة ، لم يكنيرحم نفسه كما يعامل الآخرين بقسوة في رسائله يبدو كمزيج من الفنان المعذب والمشتكيالدائم ولكنه كان قادراً على حس النكتة النافذة.‏
تقريباً تحويجميع رواياته لحظات من الهزل الضاري حيث ترمى الرؤيةالتهكمية بحدة شديدة على وضعمعين فلا يستطيع القارئ سوى الضحك دون مرح.‏
لا شك أن كونرادكان حتى في شبابه أخرق وحاد المزاج ولخشيته من فوضاه الداخلية اختار حياة البحارلتغطية النظام الذي كان في حاجة إليه وحين حل الملل اختار صرامة الفن الروائي فمارسبتفان أشبه بتفاني النساك إبداع فن روائي لم يسبق له مثيل في الأدب الأنغلو أميركي،إن إخلاصه في العمل يجعل حتى هنري دجميز يبدو كسولاً كما أن جديته قد تجعل دجميزجويس يبدو كشبح انتشل كونراد الرواية الإنكليزية من انشغالها البورجوازي بالحبوالزواج والثروة وشأنه شأن كيبلنغ فقد ركز على علاقة الفرد بالعمل والواجب وعلىالعكس من كيبلينغ . كان هو مفتوناًَ بالخيانة وخيانة الذات،( في قلب الظلام وروايةنوسترومو) أوضح بجلاء كافٍ أن المثاليات والمعتقدات لا تستطيع إنقاذ الفرد ولاالمجتمع المشاعر التي تتحكم بالبشر هي الأنانية والهوس بالذات وفوقهما كره مرضيللحقيقة.‏
حياته بعد موته‏
كان تأثيركونراد الأدبي شاملاً ورغم أن عدد قرائه انخفض بعد وفاته، فقد بقي (رقم واحد) بلامنازع بالنسبة إلى الكتاب. وها هو كبير الحداثيين (ت.س إليوت) يحدد نمطاً منالتقدير لكونراد (فيقتبس آخر كلمات (كورتس) كمقدمة لقصيدته ( الرجال والجوف) كما أنالأميركيين كانوا يبجلبون كونراد على الدوام. لقد كان انطباعهم عنه أنه كاتب ذوصبغة عالمية وليس كاتباً بريطانياً . إن (غاتسبي) في رواية (غاتسبي العظيم) لسكوتفيتزجيرالد يبدو كابن عم رمث لكورتس كما أن راوي الرواية (نيك) يشبه الراوي (مارلو) في روايات كونراد ولكنه أكثر رضا عن نفسه، حفلات غاتسبي هي إعادة تصوير في عشرينياتالقرن العشرين لطقوس (قلب الظلام) التي تفوق الوصف.‏
أعاد هيمنغوايتفسير تأكيد كونراد على تضامن البحارة محولاً إياه إلى شيء ما أكثر مبالغة وأكثر لاموثوقية على نحو متعمد. أما استخدام ويليام فوكنر لوجهات النظر المتعددة (أو الرواةالمتعددين) والتلاعب بالمخططات الزمنية فيدين كثيراً لنوسترومو وقلب الظلام.‏
لقد أعجب كاتبانمختلفان أشد الاختلاف شأن (أندريه جيد) وتوماس مان بكونراد وتعلما منه.. أعجب مانبموضوعيته الباردة ، بينما ساعد جيد على ترجمة أعمال عديدة إلى الفرنسية وأشرف علىترجمات في هذا المجال.. كان مهتماً على وجه الخصوص برواية ( لورد جيم): إن قفزة جيم (قفزة لورد جيم من السفينة الآخذة بالغرق لينقذ نفسه تاركاً الركاب لمصيرهم..) أولفعل وجودي لا يلهم (جيد) فحسب بل شركاؤه أيضاً في هذا المجال: جان بول سارتر وألبير كامو.‏
في بريطانيا كانتأثير أدب كونراد قوياً ونامياً، إن المشاهد الطبيعية والمدينية الرثة في أعمال (غراهام غرين) .‏
تبدأ في دكان (السيد فرلوك) العميل السري المريب. في عمله قضية محترقة يقدم غرين فروض الطاعة إلىكونراد على نحو مباشر فهو بفتحه بباخرة تمخر نهر الكونغو، أما رائعة (مالكولم لوري) المسماة تحت البركان فلها الكثافة التطبيقية اللغوية التي لرواية (نوسترومو) وتستعيد على نحو مشابه مشاهد طبيعية غريبة للتأكيد على فساد البشر حتى فرجينيا وولفتبدو وكأنها تقر بتأثير كونراد في التزويقات الخطابية العالية لمقطع (الوقت يمر) منرواية (إلى المنارة) التي تشبه مقاطع من (شباب) كونراد مع تفاصيل دقيقة من أجلالتوكيد المضاف.‏
أما فيما يخصالكتاب الأقرب إلى عصرنا فإن (جون لوكاريه) وويليام غولدينغ يدينان لكونراد إناهتمام لوكاريه بالخيانة والهوس بالذات يفوق حتى اهتمام غراهام غرين بهما. كما أنإيمانه بطبيعة (الاختبار) تربط شخصياته بشخصية جيم ورازوموف .‏
استكشاف غولدينغللتضامن والعزلة والشر في (طقوس العبور) له سابقة في دزنجي النارسيوس: إن موت كل من (جيمس ويت والقس كولي) دون أن يبكيهما أحد في مقصورتيهما يحمل تشابهاً مبهماً.‏
الأدب الذي أتىبعد فترة الاستعمار فيه إلهام من كونراد وضيق به على حد سواء، تبقى رواية (قلبالظلام) نصاً مثيراً للجدل. فبالنسبة إلى (تشينوا اتشيبه) تمثل كل ماهو زائف عنالموقف الأوروبي من إفريقيا ، أما بالنسبة إلى (ف.س. نايبول) فهي قد برهنت أنهانقطة انطلاق لواحدة من أجمل رواياته (منحنى في النهر) أما رواية الكاتب الكيني (نغوغي واثيونو) المسماة (حبة قمح) فتنقل الوضع الوارد في (تحت أنظار غريبة) إلىالتاريخ الحديث للنضال الإفريقي في سبيل الاستقلال .‏
الكتاب: جوزيفكونراد- سيرة موجزة - تأليف: غافين غريفيث ترجمة : توفيق الأسدي - صادر عن وزارةالثقافة- الهيئة العامة السورية للكتاب- قطع متوسط في 127 صفحة.‏