الموضوع
:
هل شك سيدنا إبراهيم بقدرة الله تعالى على إحياء الموتى؟
عرض مشاركة واحدة
12-09-2012, 07:18 PM
المشاركة
18
د نبيل أكبر
من آل منابر ثقافية
تاريخ الإنضمام :
Oct 2011
رقم العضوية :
10530
المشاركات:
42
ثالثا: إدعائك بأني جاهل في أمور اللغة والتفسير والحديث
كنت أخي في مداخلة سابقة أسميتني نجما من نجوم علوم الأرض، فلك الشكر والتقدير. لكن هل لي بسؤال:
كيف عرفت أني ذلك بينما لم تقرأ لي بحثا متخصصا؟
ترى هل للشهادة دور في تقييمك لي؟
لو كان كذلك فكيف عرفت أنني لم أزور شهادتي؟ أو أن شخصا آخر كتبها لي؟ أو أنني تخرجت ولم أدرك من مواد التخصص شيئا؟ أو أنني نسيت كل ما درست؟ أو ... أو ...؟
وفي ذات الوقت تجد لي حوالي ستين مقالا مفصلا وتتهمني بالجهل بدليل أبعد ما يكون عن الحق كما سأشرحه بعد قليل؟
هل وصل بنا تبسيط الأمور لدرجة اعتبار صاحب شهادة ورقية "عالما متخصصا"؟ أم إن القيمة الحقيقية للعلم هي الحجج والبراهين؟
هل للمظاهر كالهيئة والباس وطريقة الكلام دور في تقيمنا للناس؟
لا عجب إذن من أن مقالا عن "اللحية زينة الرجل" حصد أكثر من عشرة آلآف مشاهدة في الوقت الذي نقتل بعضنا بعضا لخلافات قد لا تعتدوا أن تكون سننا أو مندوبات، على الأكثر.
إنها السطحية أخي العزيز المستقاة من موروثاتنا الفكرية.
يأخي الكريم صحيح أن تخصصي هو في علوم الطبيعة ولكن ذلك لا يعني أنني جاهل في أمور ديني وفكري فلقد أمضيت في دراسة كتب الفسير "وضوابطه" وكتب الحديث والسيرة ومخالطة المتخصصين أضعاف ما أمضيت في دراسة مواد تخصصي.
فعفوا أخي الكريم عفوا فقد انتهيت من دراسة أمهات التفسير والحديث وكل ما يخصهما ولما أبلغ الخامسة والعشرين، فما أنا بحاجة لتخبرني عند كل آية أن أذهب وأقرأ قول فلان فيها، بل عليك الذهاب بنفسك والتحقق مما قيل قبل أن تستخدمه كحجة لا منازع لها.
كما إن معظم مقالاتي كانت مكتوبة جاهزة للنشر قبل نهاية السنة 2009 ولكني أمسكت عن نشرها إذ كنت أعمل على توثيقها وتحسينها طيلة أربعة سنوات متتالية. فلا تحسبنني ممن طرأت له فكرة طائرة ففرح بها ونشرها على فوره.
فقد اتهمتني بالجهل في اللغة العربية بحجة أقل ما يقال عنها أنها غريبة لا أساس لها إذ قلت حضرتك أنني مخطئ (في ستين مقالا) لأنني لا أعرف الفرق بين الاستعمال الحرفي والمجازي للكلمات وبذا فإني ضعيف في اللغة لأن الأصل في التمييز بين الاستعمال الحرفي والمجازي من منظورك يعتمد على "العلم باللغة".
وهذا كلام أبعد ما يكون عن الصواب أخي العزيز إذ إن التمييز بين الاستخدام الحرفي والمجازي لا يعتمد على اللغة من قريب أو بعيد، بل يعتمد على "العقل" والسياق فقط.
فلو كنت جالسا في مقهى ودخل رجل شجاع أعرفه فقلت : جاء الأسد. فهل يفهم من كلامي أن أسدا من الغابة دخل المقهى؟
طبعا العاقل سيفهم مباشرة أن إنسانا بصفات الأسد قد جاء. أما الغير عاقل فقد لا يفهم إلا أن أسدا حقيقيا قد جاء.
فهل لك أن تعطيني مثالا واحد (واحدا فقط) يثبت إدعائك بأن "اللغة" وليس العقل أو السياق هو المرجع في التمييز بين الاستعمال الحرفي والمجازي؟
مثلاً:
وما أنت بهادى العمى عن ضلالتهم {النمل: 81}
أفأنت تسمع الصّم أو تهدى العمى ومن كان فى ضلال مبينٍ {الزخرف: 40}
أثبت لي أن كلمة " العمى " أو " الصّم " هنا تعنى الضلال من منظور اللغة وليس العقل أو السياق؟
فالناس يستعملون دوماً الاستعارة في حياتهم اليومية، ويفسرون الكثير من عبارات الكتب السماوية على سبيل الاستعارة أيضاً.
فلو قلنا: متنا ضحكاً ... فهل نقصد أننا متنا فعلا ؟ فما دخل اللغة هنا في تميز الحرفي من المجازي؟
ولو قلنا: نزلت درجات الثانوية العامة. فهل نقصد أنها نزلت من السماء؟
ولو قلنا: نزلنا في الفندق، فهل نقصد أننا نزلنا من السماء إلى الفندق!؟
وعندما نشير إلى المصحف الكريم ونقول: هذا الكتاب أنزل من عند الله تبارك وتعالى من السماء، فهل نقصد أن هذا الورق المطبوع أنزل بطريقة ما إلى الأرض من السماء؟ طبعاً لا، ولكننا نعني أن معانيه وأوامره ونواهيه نزلت من عند الله تعالى ...
فعندما يقول الله تعالى: خلق الإنسان من عجل (الأنبياء:37)، فهل نفهم أن مادة اسمها "عجل" خلقنا منها؟ أو نفهم أن الإنسان عجول بفطرته؟
وعندما يقول رسولنا الكريم: سبعة يظلهم الله تعالى بظله يوم لا ظل إلا ظله، فهل نعتقد من الحديث أنه تبارك وتعالى مادي وله ظل من نور يسقط عليه، سبحانه وتعالى! فالمقصود هو سبعة يحفظهم ويظللهم برحمته وكرمه وفضله وإحسانه وستره ...
فمن المعلوم إن اللفظ يستخدم على الحقيقة كأن تقول: جاء الرجل، ويستخدم على المجاز كأن تقول: جاء الحق. ولمعرفة الفرق بين الحالتين يتعين الرجوع إلى العقل، والعقل فقط، إذ لا شيء من الممنوعات أو المستحيلات عند وصف الأشياء بالمجاز.
فلو سمع طفل جملة "جاء الحق"، فقد يصعب الفهم عنده، إذ قد يتصور "الحق" جسداً مادياً يمشي على أرجل، إلى أن يطور مداركه ويدرك حينها المعنى المقصود لأنه ليس للحق أرجل يمشي عليها. وعندما يسمع الطفل الأساطير فإنه يكون صوراً مجسمة عنها ويحسبها واقعية إلى أن يتطور الفكر عنده فيدرك الفرق بين الأساطير والواقع.
فالمعيار لمعرفة الواقع من المجاز في الأخبار هو "إمكانية حدوثها على الواقع". فكلما زاد العلم والعقل والإدراك والخبرة زادت معها القدرة على التميز بين "إمكانية الحدوث على الواقع" وبين "المجاز التصوري".
والأخبار والأمثلة المجازيةَ ليست بسيطةً دائماً، بل قد تكون قصصاً كاملة لا يظهر فيها استخدام المجاز بوضوح. فعلى المستمعِ إذن النظر والتفكر والبحث عن " إمكانية حدوثها على الواقع".
أما من جهة القائل، فعليه أن يستخدم العبارات بما يتوافق مع عقل وعلم المتلقي. فمن العيب مثلاً أن نضرب مثال الثعلب والدجاجة أو الغول لإنسان عاقل، ومن إضاعة الوقت أن نبين عظمة الكونِ بمثل التفاعلات الذرية للأمي. فعلى ضارب المثل مراعاة حالة المتلقي الذهنيةِ، ودرجة علمه ونضوجه وإدراكه.
فإن كان ضارب المثل هو اللطيف الخبير فهو يخبِر بطريقةٍ خفية غير مباشرة، وبأمثلة تستدعي التفكر والتأمل والعلم والإدراك. فإخباره لنا تعالى يكون بخفية ولطف وقد يستغرق الدهور من تفكر الأمم وتطورها وتعلمها في جميع مجالات الحياة كي تدرك بعضا من هذه الأخبار ...
شاء الله تبارك وتعالى أن تكون لكل شيء حِكمة ... ولكن كثيراً ما يعجز السمع والبصر عن إدراك بعضِ الحكم وما ذلك إلا لتستأثر بها وتدركها العقول ...
الله سبحانه "لطيف خبير" وقد تكرر ورود هذين الاسمين مترادفينِ في عدة أماكن من القرآن ... فلماذا؟
"اللطيف" تعني الرفيق والحنون ولكنها تعنى أيضا الخفي، فما لَطُفَ من الكلام هو ما غَمُضَ مَعناه وخَفِيَّ ...
أما "الخبير" فتأتي بمعنى المُجَرب، لكن الأصحّ في حقِّه تعالى هو "المُخْبِرُ العارِفُ الذي يأتيكَ بالخبرِ، فهو خبيرٌ " ... إذ لا يُجرب سبحانه كالناس ...
فيكون معنى "اللطيف الخبير" أي الذي يخبِرك بطريقةٍ خفيَة غير مباشرة ... إشارات بالكاد تراها ... لمحات من هنا وهناك ... إيحاءات بسيطة ... وبأمثلة تستدعي التفكر والتأمل والعلم والإدراك ... ولأنَّه سبحانه "الخبير" وليس كمثله شيء، فإخباره يكون بكل شيء، ولكن كثيرا ما لا نفطن إلى هذه الأخبار ...
ولأنه سبحانه "اللطيف" وليس كمثله شيء، فهذا الإخبار يكون بِخفية ولطف بحيث أنَّه قد يستغرق آلآف الملايين من السنوات وقد يستغرق الدهور من تفكر الأمم وتطورها ومعاناتها لكي تدرك بعضاً من هذه الأخبار والحكم وتعِيهَا ......
فلو أراد سبحانه أن يخبرنا شيئاً فلابد وأن يخبرنا عنه ويعلمنا إياه بلطف يتناسب مع لطفه، وهو اللطيف الخبير. فبدلا من التعليم المباشر، يضع لنا في الخلقِ أسئلة وإعجازات تستوجب التفكر حول هذا الشيءِ ... فتبرز أهمية الشيء المراد تعلمه من خلال وضعه في أسئلة يتفكر الناس بها، ويبذلون جهدهم لحلها، فيتعلموا، فيتحقق الهدف ....
ما أن يبدأَ الإنسان بإدراك ما حوله إلا ويجد من حوله شيئين اثنين، يكمل أحدهما الآخر ... الأول هو " كتاب الخلق المبين" ... والثاني هو " الكتب السماوية " والتي لم يبق منها محفوظاً سوى كتاب القرآنِ المبينِ والذي يرشده إلى خالقه ويبين له منهاج الحياة الصحيح ... فهناك إذاً كتابان أصلهما واحد ... ولذا يجِب أن يتحدا في أصل "الكتابة" و "الهدف" ...
فكتاب القرآن العظيم وكتاب الخلق المبين من إله واحد سبحانه وتعالى وينبغي أن لا يختلفا في أي شأن صغر أم كبر، وإن كان من تعارض فهو فهمنا نحن البشر. ففي خلقه وفي كتبه عز وجل تدرجٌ وصبر لا فجائية، جديةٌ لا هزلية، أسبابٌ ومُسبباتٌ ونواميس وقوانين محددة ثابتة، لا عبثية ولا فوضوية ولا تصادفية، عدلٌ لا ظلم، وحقٌ لا باطل ...
مرة أخرى أخي الكريم أطلب منك مثالا واحد فقط يثبت إدعائك بأن "اللغة" وليس العقل أو السياق هو المرجع في التمييز بين الاستعمال الحرفي والمجازي؟
يتبع ....
رد مع الإقتباس