عرض مشاركة واحدة
قديم 12-09-2012, 06:55 PM
المشاركة 15
د نبيل أكبر
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي


أخي العزيز محمد جاد الزغبي

أسعد الله تعالى أوقاتك بكل خير


عزيزي، عند نقد وتفنيد فكرة لا يكفي إعادة صياغتها وطرح ما نعتقد به من قولنا أو قول سلفنا بل علينا أولا أن نتأكد من مفاهيمنا قبل أن نجعلها مرجعا معصوما لا يقبل الجدال. فلقد ادعيت حضرتك خطأي بناء على أفكار مغلوطة ثابتة عندك.


فلو قال كل منا "بعصمة رأيه" المبني على "عصمة سلفه هو" لصعب إيجاد فريق واحد يتفق حتى في المواضيع "العقدية" ذلك أن الأسلاف كثير والآراء في أي مسألة كثيرة بحيث يجد فيها كل منا ما تهوى نفسه فيتشبث برأيه متعللا بنفس منطقك أن أسلافه لا ينازعون وأن الأمة لا تجتمع على باطل، وكل هذا ما هو إلا كلام عائم لا يستند إلى دليل قرآني أو إلى حديث موثق ولا إلى الواقع المرير الذي تعيشه الأمة هذه الأيام، وهو واقع بطبيعة الحال لم ينزل عليها من السماء، بل كل منا ورثه من سلفه.


قد تقول أنك لا تقول بعصمة الأسلاف، لكن يأخي نحن لا ننظر إلى الأقوال بل إلى الأفعال، فالفعل أصدق الأقوال، وسأعطيك عدة أمثلة من كلامك في مداخلاتي القادمة.


وهذا ما يؤدي آخر المطاف إلى الإقصاء والتكفير والسيادية والدموية، الداء الذي ينزف جسد الأمة هذه الأيام . فالشباب الذين "يستمعون" إلى شيخ تكفيري واحد يجلس خلف مذياعه يكفر ويخطئ كل من خالفه، هؤلاء الشباب يجدون الأسباب والشرعية لما يقومون به، والسبب هو أنهم لا يتحملون فكرا آخر، فإما معي وسلفي وإما عدو مبين حق عليه العذاب المهين.



لاشك في أن الهوة الفكرية بيننا كبيرة وكأننا على طرفين متناقضين. وهذا في الحقيقة يسعدني إذ بذلك نتمكن من الخوض في جوهر الأمور بدلا من تفصيلاتها وهذا ما نحتاجه وتحتاجه الأمة إذ قد أوغلت في الخوض في التفاصيل التي لا تزيدها إلا تفرقا وتخاصما.


لقد مدح تعالى في عدة مواضع "أولي الألباب". واللب هو القلب والأصل والجوهر. والشاهد هنا هو أن "أولي الألباب" هم أولي الجوهر النقي في إشارة إلى الذين يتفكرون في لب وجوهر الأمور ويبحثون عنه ليعودوا إليه.


تفضلت أخي وتكلمت كثيرا عن عدة مواضيع مثل الناسخ والمنسوخ وأن الأمة لا تجتمع على ضلالة، ورأي في السنة النبوية والإجماع وضوابط التفسير وما إلى ذلك. في الحقيقة لكل من ذلك عندي مقال أو لنقل كتاب سأطرحه حين يحين وقته إذ إن لكل أجل كتاب، أي لكل زمن "كتاب وعلم".



واضح لي أن الإشكالية من منظورك ليست في تأويل خاطئ أو مصيب لي. بل هي في كوني تجرأت على التفكر والتدبر والبحث في آياته تعالى من دون إذن مسبق من متخصص أو من دون دراية باللغة العربية أو القرآن أو الأحاديث النبوية كما تدعي من دون برهان!؟


بهذا فمهما قال وبحث العبد الضعيف فكلامه خاطئ لا يقوم إلا على آراء شخصية! فما الداعي إذن لمناقشة تأويلاتي إن كانت كلها من أولها لآخرها مغالطات؟ لذا أعتقد أن الأنسب أن أتكلم عن الأسس التي تؤمن بها وأقوم بتفنيدها بالدليل والبرهان قبل أن أخوض في الرد على التفاصيل.

والدليل والبرهان في جميع كلامي هو: العقل السليم (إذ بدونه لن نختلف نحن عن الكائنات الحية من حولنا)، والاستدلال بالقرآن الكريم ثم بالأحاديث النبوية الموثقة.


أما الاستدلال بالأسلاف فلا استخدمه كما تلاحظ أبدا والسبب عندي بسيط وواضح:
فلو قلت أنا "قال فلان كذا" فسيقول محاوري "لكن فلان قال كذا وكذا" وهذا طبيعي لأنه في كل موضوع يوجد ما يصعب حصره من الأقوال وهكذا نبقى ندور حول أنفسنا، كما هو حال الأمة. لذا فأنا أتجنب الاستدلال بالأحاديث النبوية وأكتفي بتأويل القرآن بالقرآن وذلك أعلى مراتب التأويل.


كما إن أقوال الأسلاف أيضا بحاجة لدليل إلا إذا قلنا بعصمتهم. وحاشا لنا أن نقول أو أن "نفعل" ذلك. فكل يؤخذ من قوله ويرد إلا المصطفى عليه الصلاة والسلام.



فلقد أكثرت أخي من تكرارك بأن السلف لم يقل بقولي! وهذا معلوم بالبديهة فكل من يحاورني يتعلل بهذه الحجة. فقر عينا أخي فلن تجد مني إلا ما هو جديد على من سلف وعلى من خلف. فمن أراد فليتفضل وليأخذ ما راق له، ومن لم يرد فلا يكلف نفسه العناء وليعلم أن الله تعالى لم يجعل أنبياءه حفظة أوصياء على أديانه وعلى عقول الناس ليجعل من دونهم من الناس:


وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل (الأنعام:66)


إلا أنني أتفق معك تماما في قولك أن "أفكاري كارثية". فالدواء لابد وأن يكون مرا، والفكر الميت لابد وأن يصعق كي يجفل ويصحو وإلا سيبقى ميتا دماغيا، والأمم الغافلة لهي بأشد الحاجة لكوارث عظيمة وعذاب أليم كي تصحوا من غفلتها لتعود إلى ربها الواحد. هذه من سننه تعالى الأزلية، ولن تجد لها تبديلا.



ولكثرة القضايا الفكرية العالقة بيننا وخوفا من "تشتيت" المواضيع فسأقسم ردي إلى عدة مداخلات متلاحقة كما في الترتيب التالي:


أولا: إدعائك أنني لآ أقيم وزنا لتفسير القرآن بالقرآن وزنا. وسأثبت عكس ذلك تماما وأبين أنني أربط الآيات القرآنية بالآيات الكونية وأنني أجعل الآيات القرآنية تمجد بعضها البعض بدلا من أن أجعلها تنسخ وتحرق يعضها البعض.


ثانيا: القول أن المفسرين يعتمدون "ضوابطا للتفسير". وسأبين بالأمثلة أن هذه الضوابط نظرية غير قابلة للتطبيق وأنها من سعتها تسع السموات والأرض، بل وتسع الانقاص من عظمة كلامه تعالى وأنبيائه.


ثالثا: إدعائك بأني جاهل في أمور اللغة والتفسير والحديث. وسأبين أنك تبني أحكامك مسبقا على أفكار مغلوطة تؤمن حضرتك بها.


رابعا: قولك بأنني أعتمد "الرأي" والعقل في التأويل. فإن لم نتفكر بعقولنا فبأي عضو من أعضائه يتفكر الإنسان؟


خامسا: إدعائك بأنني لا أعمل بالسنة النبوية الشريفة. وسأبين العكس إذ إن البدعة ليست في أقوالي بل بدعة الجهل والجمود التي استحدثت في هذا الدين الحي الكريم العظيم.


سادسا: رواية أن الأمة لا تجتمع على باطل، وسأبين أن هذه الرواية مخالفة للقرآن والأحاديث النبوية وللسنن الكونية.


سابعا: عدم إدراكك لمعنى "وأخر متشابهات" من الآية السابعة من آل عمران ومعنى "آيات محكمات".


اللهم افتح علينا بالحق إنك أنت الفتاح العليم


يتبع ....