الموضوع: فنجان قهوة ~
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
6

المشاهدات
6415
 
صفاء الأحمد
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


صفاء الأحمد is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
1,174

+التقييم
0.27

تاريخ التسجيل
Sep 2012

الاقامة
بين الألف والياء

رقم العضوية
11559
10-21-2012, 03:01 AM
المشاركة 1
10-21-2012, 03:01 AM
المشاركة 1
افتراضي فنجان قهوة ~
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة




كانت قد عزمت على الصيام في الليلة الماضية
وفي صباح اليوم التالي كانت تشعر بصداع يكاد يفتكك بـ جمجمتها الصغيرة
حدث هذا عندما استنشقت رائحة القهوة آتية من الخارج
اختلطت أنفاسها برائحة القهوة
ودعاها شيطانها الى احتساء فنجان قهوة والاستماع الى موسيقى كلاسيكيّة هادئة هي أقرب الى الحزن..
أعدت فنجان قهوة سادة ، فهي تفضل كل مشروباتها خالية من أي جنس سكّر ..
هي الان تنظر من النافذه ، تحملق بالسماء ، ومع كل رشفة قهوة تختلط مرارة رشفتها بمرار أيامها ..

تحادث السماء

" وما ذنبي أنا ؟
لم أعش طفولتي كباقي الاطفال !!
لم أتذوق طوال حياتي قطعة سكّر فكانت كل أيامي مرار ، لا أتذكر أن والدتي عانقتني يوما ، ولا أتذكر أنني جلست بجوار أبي يضاحكني يمازحني يلاعبني كباقي الاطفال ،
لا أتذكر سوى لقطات تمر على مخيلتي كما الحلم ، بل كما الكابوس
أسمع فيها صوت الرجل الذي يدعى أبي ينهار عليّ بالعقاب ، افعلِ ولا تفعلِ !!
وكأنني جندي في أحد الثكنات العسكريّة ،
لا أذكر أنني ضحكت من قلبي يوما ، كنت في كل مرة أغص في ضحكتي عندما تهاجمها نظرة من عيني والدي تكاد تلتهم طفولتي فتتحول ضحكتي الى دمعة ..
فأركض لأختبئ وراء باب غرفتي وأكبت أنفاسي فأنا طفلة مدلله لا ينقصني شيء ولماذا أبكي؟
لم تراودني فكرة ما أن أختبيء وراء والدتي فهي ربما لا تبالي ..!!

ذات يوم ،
عندما غمرتني فرحة بريئة بأنني سأذهب و والدتي لشراء ملابس العيد وأنّ أبي لن يرافقنا وكأيّ طفلة سأشتري فستان جميل وسوف أكون أجمل فتاة في العيد
قتلت أمي فرحتي عندما اشترت لي بنطال وجرزه وكأنني فتىً مؤدب يضع على عينيه نظارّة كبيرة !!
وأخبرتني أن أبي سيغضب اذا اشترت لي فستان ..


لم أكن أفهم لماذا ولم أكن أعرف أصلا معنى طفولة ولكنني رغم هذا كلّه كنت أحب أبي ولا زلت أحبه رغم قسوته التي لم أكن لأجد لها أيّ تفسير ...
لم أملك يوما لعبة كأقراني فحلم أمتلاكي للعبة كان أشبه بحلم عاشق بأن يمتلك نجمة من نجوم السماء..
كبرت بين غصة وحرقة ودمعة...كبرت وأنا لا أفهم..!!

وعندما ذهبتُ الى المدرسة كنت طالبة مجتهدة ، ليس لأنني أريد أن أكون كذلك فأنا فتاة محظور عليّ أن أريد !!
كنت مجتهدة لأن والدي يريد ، وفي نهاية كل عام أفوز بنظرة رضا لأن معدلي ممتاز ...
أو أعاقب بكلمات قاسية اعتدت عليها لأن معدل ابنة عمي يزيد عن معدلي ببضع أعشار ..!!

وهنا بدأت تتكشف لي الحقيقة وبدأت أفهم أن والدي يريد أن يكون والد الفتاة المجتهدة وليس لي أنا أيّ نصيب من اجتهادي سوى ارضاء الرجل العظيم الذي يريد أن يبقى عظيما ..!!


وفي المرحلة الثانوية لم أرَ نور الشمس سوى مرات قليلة ، حُبست بين أربعة جدران ، فأنا الان في مرحلة مهمة من مراحل حياة أبي ..
وهذه مرحلة تقرير المصير.. سيكون بكل فخر بعد هذه المرحلة والد الطبيبة أو الصيدلانية وربما المهندسة !!
ولن يقبل بأقل من ذلك ..

يال عدل القَدر ...أصبت خلال فترة الثانوية العامّة بحمى كادت تودي بحياتي .. ولم يسعفك الحظ هذه المرة أبي فابنتك العاق مرضت في أهم مرحلة من مراحل حياتك ...

وللأسف لن تحظَ بلقب والد الطبيبة أو والد المهندسة !!
بكل بساطة انتقم لي منكَ القدر... وشاء أن أكون طالبة في كلّية العلوم... لا بأس، هوّن عليك يا أبي ستكون والد المعلِّمة ...
وأنت الان تنقم عليّ وتعاملني كجارية عندك...وتقارنني بفلان وفلان
أنظري الى فلانه والدها يمشي كالطاؤوس فابنته مهندسه وفلان يمشي ولا يكلف نفسه عناء النظر اليّ فابنه طبيب ...وأنتِ فاشله !!

لكنني مع كل هذا أحبك أبي ولا أبغضك بل أحبك وأشفق عليك فأنت رجل تعاني من مشكلة نفسِّية لا أعلم منها سوى أنك رجل مظاهر فقط ... وأدعو لكَ بالشفاء في كل سجدة "


ومع آخر رشفة قهوة بالفنجان تنفست بعمق وأغمضت عيناها لتنسكب على وجنتيها دمعة انكسار،
اختزلت كل أحزانها بفنجان قهوة ...ولم تنتهِ الأحزان ..!!

ذنبها فقط .... أنها ابنة هذا الرجل

دعت لوالدها مجددا بالشفاء .

هذه القصة مستوحاة من وحي الواقع حيث تمثل جزءا من معاناة احدى صديقاتي





أدرتُ ظهري للشفق ، وسرت بخطٍ موازٍ للنور ،
و كأنّ المغيب لا يعنيني !!