عرض مشاركة واحدة
قديم 09-29-2012, 08:13 PM
المشاركة 21
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)
لماذا خلق ادم عليه السلام
اذا لم يكن الشر هو الأصل..؟

هذا استدلال خطير وفيه ما فيه أخى الكريم من التسرع غير الواجب !
فأنت هنا لم تجعل الشر فقط هو الأصل بخلاف ما هو معلن فى القرآن الكريم ,
بل تجاوزت هذا إلى جعل آدم نفسه عليه السلام هو أصل هذا الشر !!
وهذا ما لم يقل به أحد من علماء التفسير لا فى القديم ولا فى الحديث فضلا على ما فى هذا القول من الإعتداء على أنبياء الله , ولست أدرى كيف يكون آدم أول المرسلين من الله عز وجل والداعين لعبادته وأنت تعتبره أصل الشر !

وفهمك للآية فهم مغلوط ..
فقول الملائكة ( قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ )
هو قول نسبه الله عز وجل إلى عدم العلم , أى أنه وصفه بالقول غير الصحيح
وأردف الله عز وجل بعده بقوله
( قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ )
وهو ما يعنى أدرى بالخير الذى انتواه عز وجل للأرض عندما استخلف فيها الإنسان ..

وقول الملائكة واستنتاجهم ــ كما يقول علماء التفسير ــ إنما كان مبنيا على تجربة سابقة عندما نزل البن ( وهم نوع من المخلوقات ) إلى الأرض فأفسدوا فيها فبعث الله إليهم جند الجن بقيادة إبليس عندما كان قائد ملائكة السماء الدنيا فقتلهم وأفناهم .. واستوطن الأرض بعدها بجنده
فلما طغى إبليس لعنه الله , أرسل الله إليه وإلى شياطينه جبريل بجند من الملائكة فطردوهم إلى جزائر البحور
( راجع فى ذلك قول الإمام بن كثير وغيره فى تلك القضية )


ولا شك أن الأصل فى الحياة والأرض هو الخير والعاقبة للمتقين منذ قرر الله عز وجل أن يستخلف فيها البشر وهو ما دلت عليه الآيات الكريمة
[كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ] {المجادلة:21}
وفى قوله تعالى :
[وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ] {الأنبياء:105}
وفى قوله تعالى
[تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ العَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ] {هود:49}

والشر هو الأمر الطارئ على الخير فى الدنيا والذى يمثل الخير فيه الأصل ..
فالخير الذى مثله آدم عليه السلام كان بنزوله على الأرض أولا وقرار استخلافه فيها ليعمرها ويعبد الله
وما كان نزول إبليس إلا لاحقا وطارئا على نزول آدم ليمثل الشر المحارب للخير والذى أخبرنا الله ورسوله عليه الصلاة والسلام أنه لا شك هو المنتصر فى كل معاركه فى النهاية وأن الأرض يرثها الصالحون ..
وهذا ما ورد صراحة فى القرآن الكريم تحت عنوان ( دفع الناس بعضهم ببعض )
فجعل الأصل هو الصلاح والخير والشر هو ما يدفعه بعض الناس فيزداد الخير به قوة عندما تنشب بينهم الصراعات
وفى ذلك يقول عز وجل
[وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ] {البقرة:251}
والآية صريحة فى أن الخير هو الأصل ولولا ذلك ولولا نصر الله للخير لفسدت الأرض
فكيف نقول أن الشر هو الأصل ؟!!!

والواقع أنى أتساءل أيها الإخوة الكرام , لماذا نتكلم فى القرآن وهو كتاب الله برأينا , ودون علم ودون استناد إلى ما قرره النبي عليه الصلاة والسلام وصحابته وعلماء المسلمين
لا شك أن الإجتهاد فى التدبر بمعانى القرآن الكريم هو أوجب الواجب
ولكن هذا ليس معناه التكلم فى القرآن بالرأى الشخصي وبناء نتائج ما أنزل الله بها من سلطان وليس عليها أى دليل أو مستند إلا مجرد الفهم المبتسر والخاطئ للآيات الكريمة
وأدعوكم وأدعو نفسي لتأمل قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه
( أى سماء تظلنى وأى أرض تقلنى إن قلت فى كتاب الله بما لا أعلم )

فقليل من الحرص هدانا وهداكم الله