عرض مشاركة واحدة
قديم 07-11-2012, 12:46 PM
المشاركة 27
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
رامة والتنين: هل هي رواية أم "انجيل جديد" حاول ادوار الخراط ان يأتي به!

بقلم : أيوب صابر.
الذي يتعمق في دراسة السيرة الذاتية للروائي الكبير ادوار الخراط صاحب رواية " رامة والتنين" والتي هي واحدة من أروع الروايات العربية، وتأتي في المقام الثامن من بين المائة والخمس روايات المشمولة في قائمة اتحاد الكتاب العرب، يعرف انه كان متأثرا جدا بجبران خليل جبران، وبفكر جبران وطرحه.

وهو مثل جبران خليل جبران يرى بأن الألم هو الذي يصنع العبقرية. بل هو يذهب ابعد من جبران خليل جبران في توصيف اثر الألم على النفس البشرية وسمات الشخصية والقدرات الإبداعية ولا يحصر الأثر في الجانب الايجابي والمخرجات الإبداعية.

فبينما يرى جبران خليل جبران بأن "اللؤلؤة هيكل بناه الألم حول حبة رمل"، وأن القشرة الصلدة التي تحجب الثمرة يجب أن تتحطم حتى يبرز قلبها من ظلمة الأرض إلى نور الشمس، وأن الآلام يجب أن تحطم قشور الإدراك عند الناس قبل أن يعرفوا معنى الحياة ويحققوا العبقرية. يرى ادوار الخراط كما جاء على لسان بطل روايته رامة والتنين وفي جزءها الأول "ميخايئل والبجعة"، وأثناء الحوار بين البطلة والبطل بأن "اللآليء تصنعها الزلازل" وان الزلازل لأنها هي التي تكسر قشرة العقل والإدراك فتحدث العبقرية، وربما وفي تزامن يؤثر ذلك الكسر على الاتزان فيصاحب الإدراك والعبقرية الهذيان الناتج عن فقدان الاتزان .
"قالت له: نحن قد بلغنا الرشد ونستطيع أن نتحكم في أنفسنا. فلم يقول لها "أن الزلزال قد كسر قشرة العقل والاتزان".

ويظهر هذا النص القريب جدا مما قاله جبران عن اثر الألم في صناعة العبقرية، مدى تأثر ادوار الخراط بفلسفة جبران في الحياة خاصة فيما يتعلق بأثر الألم في صناعة العبقرية، فهو يتفق معه بأن الإدراك يأتي على اثر انكسار القشرة وان اختلفت التسميات.

فهو عند جبران الألم وعند ادوار الخراط (الزلزال) وسنجد بأن زلزال الخراط هو وجه آخر من أوجه الألم والحزن والمحن التي أصابت الخراط كنتيجة لجرح إصابة في ركبته لم يندمل أبدا، ومن ثم تعدد المآسي في حياته، إضافة إلى صدمة الموت الذي اختبره ادوار الخراط في طفولته وتكرر في حياته فكسر قشرة الإدراك عنده والاتزان.

والمعروف أن جبران خليل جبران تعددت محنه وتكررت، فبالإضافة إلى ألمه من جرح غائر في كتفه لم يندمل أبدا، تساقط أفراد عائلته واحدا بعد آخر. حيث اختطف الموت أخته سلطانة التي ماتت بالسل وهي طفلة، ثم مات أخاه بطرس بالداء نفسه، ثم أمه، كل ذلك وهو لم يتجاوز سن الحادية والعشرين. حتى انه حينما سؤل عن سبب إكثاره من الرمز إلى الموت والألم أجاب بأن "الموت والألم هما ما خرج به إلى الدنيا".

أما ادوار الخراط فقد رضع لبن الحزن كما كانت تقول له والدته في طفولته المبكرة على اثر موت أخاه الشقيق والأكبر منه بعام واحد بعد 19 يوما من ولادته، ثم انه اختبر ألما جسديا شديدا ومشابه لألم جبران خليل جبران على اثر إصابته في ركبته في جرح لم يلتئم أبدا، ثم إنه تأثر تأثرا كبيرا بما حل بوالده على اثر موت أخاه غير الشقيق وهو في سن العاشرة تقريبا، ثم لا بد أن الزلزال الأصعب والأقوى والذي كسر قشرة العقل والاتزان عنده كان موت والده و ادوار الخراط في سن السابعة عشرة.

يقول ادوار الخراط في إحدى المقابلات الصحفية حول اثر المآسي التي صبغت طفولته :
"الذكرى الأقدم والأقوى لديّ عن والدتي هي العبارة التي طالما كانت ترددها على مسمعي في طفولتي قائلة: أنت رضعت لبن الحزن. ذلك لأني ولدت بعد 19 يوماً من وفاة اخي الذي ولد قبلي بسنة او سنتين في الإسكندرية، فنذروني كي يجري تنصيري في أخميم التي كان لعلاقتيبها تأثير كبير في حياتي، قبل ان أعرفها وتطأها قدماي. وإذ كنت قد ولدت لأرضع لبن حزن والدتي على وليدها البكر، فإني في العاشرة من عمري، صحوت ذات صباح من نومي في بيتنا على صياح والدي النائح: ولدي... ولدي... ولدي، لحظة وصله خبر مقتل ابنه البكر من إحدى زوجتيه السابقتين، بعدما دهسه قطار. كان عمري نحو ست سنوات حين أخذني أهلي إلى اخميم لإيفاء النذر بتنصيري وتعميدي هناك. أذكر ان الرحلة كانت شاقة في القطار، وعن سلّم بيتنا الذي كان بلا سياج في اخميم سقطت فأصبت بجرح بليغ في ركبتي، لم يندمل أثره حتى اليوم".

وهنا نجد أن ادوار الخراط يذهب ابعد من جبران خليل جبران في وصف اثر الزلازل النفسية، فهي من جانب تصنع العبقرية لكنها أيضا ربما توقع صاحبها في حالة من الجنون والهذيان الذي يشير إلى حالة من حالات فقدان الاتزان.

ومن هنا يمكن فهم ما أراد أن يقوله ادوار الخراط في روايته " رامة والتنين"، فهذه الرواية تمثل من ناحية مخرج عبقري ناتج عن انكسار قشرة الإدراك عنده كنتيجة لزلازل حياته المبكرة، والمتكررة، وهي نص يحاكي فيه ادوار الخراط الرسالة في كتاب " النبي" عند جبران خليل جبران، وكأنه أراد أن يقدم للمتلقين نسخته من كتاب " النبي" .

أو ربما أراد أن يقدم إنجيله الخاص والذي يشتمل على فلسفته ورؤيته للأمور والحياة، خاصة فيما يتعلق بالجوانب الفكرية والفلسفية التي تشمل مفاهيم مثل (الموت والحياة، والحق والحقيقية والصدق والحب) وما إلى ذلك من مفاهيم فكرية وفلسفية وحياتية، حيث نجد أن ادوار الخراط يتطرق لها في روايته ويقدم تعاريف لها من واقع تجربته الذاتية.

ونجده كما يرى البعض انه يركّز اهتمامه على وصف خفايا الأرواح المعرَّضة للخيبة واليأس، ويرسم شخوص تتخبط في عالم كله ظلم واضطهاد وفساد.
ومن ناحية أخرى نجد الرواية اقرب إلى نتاج حالة هذيان كان يمر بها الكاتب كنتيجة لفقدان التوازن، على اثر ما أصابه من صدمة بل هي زلازل اليتم، والفقد، والحزن، والألم وتكرار تلك الصدمات التي كانت بمثابة زلازل قوية في حدتها، فتعدى نتاجها المخرجات الإبداعية العبقرية، إلى حالة الهذيان الناتجة عن فقدان الاتزان .

ونجد أن ادوار الخراط ربما أراد في رواية "رامة والتنين" أن يقدم رسالة هي اقرب إلى رسائل الأنبياء، أو على الأقل ما يحاكي رسالة جبران خليل جبران في كتابه " النبي" وعلى اعتبار أن لديهم فهم مشترك لسر العبقرية، والذي هو الألم عند جبران والزلازل النفسية الناتجة عن الحزن عند ادوار الخراط والتي تكسر قشرة الإدراك لتتولد القدرة العبقرية على التعبير.

حيث يبدو بأن الخراط كان يشعر ويعي بأن ألمه وحزنه ومآسيه زلزلته، وتسببت في كسر قشرة الإدراك لديه، وبالتالي جعلته كائنا علويا، ملائكيا، نبيا، أو ربما أنسانا إلها قادرا على أن يقول للناس رأيه في القضايا التي تخص النفس البشرية، ومكنوناتها وكل ما يرتبط بها وعلى شاكلة ما جاء على لسان الأنبياء، أو على الأقل ما جاء على لسان قدوته جبران في كتابه "النبي".

ولو أننا عدنا إلى جبران خليل جبران لوجدنا انه كان أيضا لديه شعورا مشابها لذلك الذي سيطر على ادوار الخراط ، فلا شك أن جبران كان يتصور بأن سعة الخيال الناتجة عن انكسار قشرة الإدراك هي وسيلة الخلق الوحيدة. وربما تصور نفسه الإنسان الإله! كيف لا وهو الذي وصف وليم بليك الشاعر الانجليزي الذي كان قدوته على انه:
" بليك هو الرجل، هو الإنسان- الإله. انه في رأيي أعظم إنجليزي منذ شكسبير، ورسومه أعمق بما لا يقاس من أية رسوم أنتجتها انجلترا، ورؤياه- بصرف النظر عن رسومه وقصائده- أكثر الرؤى إلهية. لكن لن يتسنى لأي أمريء أن يتفهم بليك عن طريق العقل، فعالمه لا يمكن أن تراه إلا عين العين، ولا يمكن أبدا أن تراه العين ذاتها".

والمعروف أن جبران خليل جبران كان قد تأثر جدا بعبقرية وليم بليك حتى انه وصف نفسه على انه " ويليام بليك القرن العشرين".

ويحكى أن وليم بليك هذا كان بدوره لديه شعورا بأنه إنسان فوق عادي، وربما ملائكي أو على الأقل كان يتصور بأن مصدر فنه ما هو إلا كائنات فضائية كان يدعي بأنه كان يراها منذ صباه.

ومن المعروف أيضا بأن جبران كان معجبا بالشاعر الانجليزي شلي وان سر ذلك الإعجاب كان ناتجا عن إعجاب جبران بعالم شيلي والذي وصفه جبران على انه:
" عالم قائم بذاته، تسيطر عليه روح إله منفي، يقضي وقته في التغني بذكريات عاشها في عوالم أخرى".

وعندما تعرف جبران خليل جبران على نيتشه وكتابه " هكذا تكلم زردشت" والذي بث نيشه فيه أفكاره وتعاليمه وفلسفته تعلق به ونسي وليم بليك. وأصبح عنده سيادة واستعلاء أخذها عن نيتشه المتمرد على كل المقدسات. وقال في إحدى المناسبات" لقد ولدت وعشت لأضع كتابا واحدا لا أكثر ولا اقل". ونيشه هذا المتمرد وصاحب فكرة الإنسان السوبر مان كان ينظر إلى نفسه بأنه إنسان أعلى، انسان متفوق.

وبالطبع فأن جبران كان يقصد بذلك الكتاب، كتاب "النبي" الذي كما يقول ثروت عكاشه مترجم كتاب النبي لجبران خليل جبران عنه:
" لقد حاكى جبران في كتابه النبي نيتشه في كتابه "هكذا تكلم زردشت" لكنه حاكاه في الشكل وليس في المضمون. وكما اتخذ نيتشه من زردشت وسيلة لإذاعة آرائه- كذلك اتخذ جبران ( المصطفى ) في كتابه " النبي" وسيلة للتعبير عن أفكاره واتجاهاته". وكما اجرى نيتشه على لسان زردشت حكما وأمثالا- كذلك أجرى جبران على لسان المصطفى سلسلة من العظات، وكانت الحكم والأمثال التي قالها كلاهما إجابة لأسئلة مطروحة من المستمعين.
وكان كلاهما- زردشت والمصطفى غريبا عن وطنه، نزل بين قوم غير قومه، وأخذ يعظهم ويفيض عليهم من حكمته وفلسفته ثم لم يلبث هذا وذاك أن عادا أدراجهما إلى حيث كانا في جزيرتيهما النائيتين.
غير أن تعاليم زردشت لا شك في أنها تختلف في جوهرها عن تعاليم نبي جبران: فعلى حين يبشر زردشت بالإنسان الأمثل ( السوبرمان ) وأخلاقيات السادة، ويشجب الأخلاق التقليدية وبخاصة الأخلاق المسيحية، لأنها أخلاقيات تعادي الممتازين لحساب الضعفاء- يدعو ( المصطفى) أهل أورفاليس إلى الإيمان بقدرة المحبة، التي تربط بين الجميع، على شفاء كل جروح النفس، والى وحدة الوجود التي تمت بصلة إلى التراث التقليدي للمتصوفة المسلمين".

ولا شك أن الألم الذي صنع بليك، وشيلي، وجبران وما صاحب ذلك الألم من مشاعر ومخاوف ووحشه، و وحدة وعزلة، جعل لهم مخيلة خصبة وقدرات عبقرية، وتسبب لهم أيضا بحاله هي أشبه ما تكون بحالة من فقدان الاتزان. وكان بعض حديثهم اقرب إلى العظات المطعمة بالحكم والأمثال، وفي أحيان كان يتجاوز الحكمة ليتحول إلى حالة من الهذيان.

ولا شك ايضا أن ذلك الألم منحهم شعورا بالفوقية والعلوية، وإحساسا بأنهم ينتمون إلى جنس آخر من البشر هو اقرب إلى الأنبياء والملائكة، أو ربما الإنسان الإله.
من هنا نستطيع أن نفهم ما أراد الخراط أن يقوله في روايته "رامة والتنين" فهو لم يكتب رواية بالمعنى المتعارف عليه للرواية، وإنما أراد وضع نسخته من كتاب " هكذا تكلم زرادشت" أو ربما أراد أن يحاكي جبران في كتابه "النبي".

لقد صنع الألم ادوار الخراط إنسانا عبقريا فذا وجعل خياله خصبا واسعا، ومنحه إحساسا بالفوقية، أو الملائكية على شاكلة بليك، وشيلي، وجبران، وأحيانا افقده الاتزان كما يقول هو، فجاءت روايته عظة أجراها على لسان أبطال روايته، لكنها اقرب إلى الهذيان.

فهو إنما أراد إن يكتب "إنجيل ادوار الخراط" وليس مجرد رواية.

- لكن هل نستطيع أن نثبت صحة ما ندعيه هنا؟
- وما هي العظة التي أراد ادوار الخراط أن يوصلها للناس؟

يتبع،،،،