عرض مشاركة واحدة
قديم 06-12-2012, 11:53 PM
المشاركة 12
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
6
في العاشرة من عمري بدأت كتابة ما كنت أتصور انه الشعر، ومنذ ذلك الحين لم أتوقف عن الكتابة. وحين سألنا احد المدرسين، نحن تلامذة الصف، عما نحب ان نكون ونشتغل في المستقبل، اجابه أترابي: دكتور، طيار، مدرس، مهندس، فيما أجبته أنا بأني سأكون شاعراً، فأثار الأمر استهجان التلامذة. أما انخراطي في النضال والعمل السياسي، فكان يصدر عن واجب وضرورة، لا عن رغبة. لقد ملكت الكتابة رغبتي، وفيما أنا منخرط في العمل السياسي والنضال، كنت مدركاً اني أؤجل الكتابة حتى تحقيق العدالة والاستقلال عن الانكليز وزوال الاحتلال واقامة الاشتراكية.
- لكن هذه الأحلام كلها انجلت عن اعتقالي ضمن حملة اعتقالات واسعة مع إعلان الأحكام العرفية في أيار ،1948 وطاولت جميع الفئات اليسارية والوفديين. وفي المعتقل تلاشت العداوة بيننا نحن التروتسكيين وبين الشيوعيين، فتآخينا وتعاونّا، حيث التقيت مصادفة هنري كورييل في معتقل هاكس تسام في القاهرة. رأيته من بعيد من دون أن أكلمه أو يكلمني. كان نحيلاً رقيقاً يلبس الشورت وينتعل صندلاً ويتحرك طوال الليل كالنحلة.

- أمضيت في المعتقل عشرين شهراً، وخرجت منه في العام ،1950 وكان والدي قد توفي.
وفي النوادي رحت ألقي محاضرات عن السوريالية والوجودية فتعرفت الى أنور كامل ورمسيس يونان. لكن كان عليّ أن أبحث عن عمل ما أكسب منه معيشتي، فأهداني اليه صديق تعرفت اليه في المعتقل، وكان العمل موظفاً صغيراً في "شركة التأمين الأهلية". ونبهني صديقي ذاك بألا أقول أني أحمل اجازة في الحقوق، لأن العمل المطلوب في الشركة لا يتجاوز الإلمام باللغتين الفرنسية والعربية والضرب على الآلة الكاتبة. وبعد مقابلتي المسؤول في الشركة، وقع نظري في أحد مكاتبها على فتاة جميلة رقيقة من موظفاتها، وكانت تلك النظرة العابرة فاتحة وقوعي في صفقة غرامية برفيقة حياتي التي تزوجتها عام .1958
7
في أثناء عملي في الشركة وإلقائي المحاضرات في نوادي الاسكندرية، كنا نلتقي في المقاهي، حيث تدور بيننا المناقشات حول ثورة الضباط الأحرار الناصرية. وكان الأبرز في تلك المناقشات رأيان اثنان في ثورة .1952 الأول يعتبرها ثورة ديموقراطية. أما أنا فقد ملت الى الرأي الثاني الذي كان يعتبرها انقلاباً عسكرياً على طريقة الانقلابات في بلدان أميركا اللاتينية. ومنذ الأيام الأولى للثورة حتى تأميم قناة السويس سنة ،1956 لم يتبدل رأيي في تلك الثورة. وقد يكون الخطأ الكبير الذي ارتكبته هو تصالحي مع الناصرية في أعقاب قرار التأميم. لكن برغم تلك المصالحة، ظل موقفي الشخصي من جمال عبد الناصر ملتبساً. إذ ظللت اعتبر الجانب العسكري في الثورة الناصرية سيئاً، لأن ما أتت به من انجازات ظلت فوقية لعدم صدورها عن الناس وهذا ما أكده انهيار تلك الانجازات مع موت الزعيم المصري.

عام 1955 ضربني اليأس والقنوط من عملي موظفاً صغيراً في شركة التأمين، لأعيل بالراتب الذي أتقاضاه أمي وأخواتي الأربع. كنت أشتعل حنيناً الى الكتابة التي منعني عنها الدوام الوظيفي المرهق، ففكرت في الاستقالة من الشركة، وأقدمت عليه. ومن التعويض المالي الذي تقاضيته رحت أعطي والدتي راتبي الشهري، كما لو أنني لا أزال موظفاً. في تلك الفترة كنت أمضي وقتي مداوماً على المكوث في أتيليه الاسكندرية التي يديرها أحمد مرسي، منصرفاً الى الكتابة والترجمة، فكتبت "حيطان عالية" وترجمت بعضاً من أشعار أيلوار ومؤلفات تشيخوف وكامو. وشهراً بعد شهر راح التعويض المالي يتناقص وينفد، فلم يعد في مستطاعي تقديم راتبي الشهري لوالدتي، فأجبرت على إعلامها بأني تركت وظيفتي في الشركة.

الضيق المادي الذي عشته آنذاك كان شديداً، فرحت أترجم براءات الاختراع في الميكانيكا والكيمياء لإحدى الشركات، مما أثرى قاموسي اللغوي. وفي الأثناء بدأت أبعث لأصدقائي رسائل استغاثة لمساعدتي في البحث عن عمل، حتى وصلتني ذات يوم رسالة من صديقي ألفرد فرج يطلب مني فيها الحضور فوراً الى القاهرة للعمل مترجماً في السفارة الرومانية، فغادرت الاسكندرية متوجهاً الى القاهرة في العام .1956

أثناء عملي مترجماً في السفارة الرومانية بادرت الى انشاء جمعية الصداقة المصرية - الرومانية التي رعت انشاءها هيئة من أبرز العاملين في الحقل الثقافي في مصر: يوسف السباعي الذي كان رئيس المجلس الأعلى للفنون والآداب، ومحمد مندور ويحيى حقي وفريد أبو حديد وعلي باكثير. ثم أصدرنا مجلة عن الجمعية التي تركت العمل فيها عام 1959 لأعمل، بمبادرة يوسف السباعي، في قسم الشؤون الفنية لجمعية تضامن الشعوب الافريقية - الآسيوية، وكان مدير شؤون هذا القسم رمسيس يونان الذي عملت الى جانبه جامعاً بين فوضوية الفنان وعقلانية الرجل الإداري.
8
في يوم من عام 1968 جاء الى منزلي جمع من الاصدقاء بينهم احمد مرسي وابرهيم منصور، وطلبوا مني العمل في تأسيس "غاليري 68"، على ان ننشىء صالة للعروض الفنية والتشكيلية، ومجلة ثقافية - أدبية يجري تمويلها من عائدات بيع اللوحات التشكيلية في صالة العرض، ومن اشتراكات الاعضاء. وكان الفريق الأساسي الذي عمل في اصدار المجلة، أحمد مرسي وابرهيم منصور وغالب هلسا وسيد حجاب وجميل عطية ابرهيم وأنا. وفي ثلاث سنوات صدر من المجلة ثمانية أعداد من دون انتظام. وقامت "غاليري 68" بنشر نصوص قصصية لمحمد البساطي وجمال الغيطاني وغيرهما من ادباء الستينات الذين كانت المجلة منبراً لكتاباتهم.

والغريب ان جيل الستينات من الروائيين والقصاصين والادباء الذين تحلقوا حول "غاليري 68" كانوا أصغر مني سناً وعايشت انطلاقتهم، من دون ان أكون منتمياً الى جيلهم الادبي، ولا الى غيرهم من الأجيال السابقة. كأنني دائماً كنت مضيّعاً انتمائي الى جيل أدبي وثقافي وكتابي في عينه. ربما لأنني منذ الأربعينات أكتب من دون أن أنشر ما أكتبه، الا اذا طلب مني احد ما مخطوطة للنشر. وربما لأن تصنيف الكتّاب في أجيال وموجات لا ينطبق عليّ. فحتى في التصنيف الادبي الأكاديمي والجامعي لم أحسب على جيل الستينات او غيره.

قد أكون من التيار الروائي والقصصي الذي سُمّي تيار ما بعد المحفوظية وجمع مروحة واسعة من الكتاب المصريين مثل صنع الله ابرهيم وجمال الغيطاني وغالب هلسا وبهاء طاهر وعبد الحكيم قاسم، والجامع المشترك بين هؤلاء هو التمرد على القواعد المحفوظية في الكتابة القصصية والروائية وكسرها. أما العنصر الآخر الجامع في هذه التجارب الكتابية، فقوامه احساس هؤلاء الكتاب بأن هناك خطأ ما في التجربة السياسية - الاجتماعية للناصرية، خصوصاً بعد الكارثة التي تكشفت عنها هزيمة .1967 ورغم ان نقد الناصرية لم يصل الى ادانتها ادانة مباشرة وصريحة، فان الحذر والتوجس من شعاراتها كشفا خواءها في مقابل القمع السياسي والثقافي للسلطة السياسية. وهذا ما انعكس في الأعمال الأدبية للكتاب والروائيين.
9
- كروائي، اعتبر نفسي مؤرخاً لأشواق الروح وأشواك المجتمع.
لكن التأريخ الاجتماعي وغير الاجتماعي يحضر في وصفه عنصراً داخلياً في السياق الروائي والمشهد الروائي. وأظن ان التأريخ الحقيقي او الفعلي متضمَّن في الأعمال الروائية.
- أما السيرة الذاتية فموجودة على نحو ما في كل رواية وقصة وقصيدة ولوحة تشكيلية، وفي كل عمل فني على وجه العموم. أما كيفية تجلي حضور السيرة الذاتية في الأعمال الفنية، فمسألة غير قابلة للتقنين في قواعد ثابتة ومحددة. والذي يُخرج السيرة الذاتية، او الشرائح والمقتطفات المستخدمة منها، عن كونها سيرة ذاتية، اندماجها بالمتخيل الفني في العمل الروائي. فاستلهام وقائع وحوادث معينة، وكذلك استلهام مقتطفات من السيرة الذاتية، أمر طبيعي وعادي في الفن الروائي، شرط ان يجري استدخال هذه الاستلهامات في المتخيل الروائي. وعلاقة الذاكرة بالخيال معقدة. وربما يلازم التخييل عمليات التذكر كلها. وهنالك خيال منفصل او منقطع عن عمليات التذكر.

حين أقول ان السيرة الذاتية تدخل في الأعمال الروائية لا أقصد ان الرواية سيرة ذاتية مقنّعة، بل ان الفعل الروائي يستلزم تحويل مقتطفات من السيرة الذاتية وتحويرها على نحو ملائم للبناء الروائي.

أعلم ان هناك كلاماً عن روائيين يخلقون شخصيات روائية تروح تتفلت منهم وتستقل عنهم، فلا يتمكنون من السيطرة عليها. لا أظن ان هذا الكلام حقيقي ودقيق. فالروائي خالق شخصياته، والمسؤول عن نموها وتحولاتها ومصائرها.
- والمخطط الروائي الذي أضعه قبل البدء بكتابة رواياتي، عام غير تفصيلي لا يتجاوز الصفحة او نصف الصفحة فقط ومعظم رواياتي كتبتها مرة واحدة فقط، لأني حين أشرع في الكتابة تكون الرواية مكتوبة في ذهني او في مخيلتي قبل مباشرة كتابتها. اما ما أقوم به من حذف وتقطيع واضافة وتبديل، فأجريه لاحقاً بعد الكتابة الأولى التي لا أعيدها. هناك بعض القصص والروايات التي كتبتها في البدايات أعدت كتابتها مرات كثيرة. أما لاحقاً فقد تعودت أن أكتب قصصي ورواياتي مرة واحدة فقط.
10
- سوف يبدو كلامي متضمناً شيئاً من الصلف حين اقول أني أحب أن يأتي التاريخ على ذكري وحيداً في إحدى صفحاته، لا على صفحة يشاركني فيها غيري من الأسماء.
هذا في حال كنت في عداد من سيأتي التاريخ على ذكر اسمائهم في صفحاته.
- فأنا أشعر أني وحيد ولا صلة وثيقة تجمعني بأحد.

- تصعب عليّ الاجابة عن السؤال إن كنت مؤمناً بالله أم لا. ذلك ان أبا العلاء المعري لو قيّض له ان يكتب "رسالة الغفران" مرة أخرى، لن يسألني عن ايماني بالله، بل عن الحس الديني لديّ. مثل هذا الحس يشغلني لأنه ينطوي على الاسئلة حول الوجود والمصير والموت، أقول هذا وأميز بين الأيمان والدوغما العقائدية والاسطورة، مع العلم ان الموت عندي هو نهاية الحياة.

- أما لو سألني أبو العلاء المعري إن كنت يسارياً، فأنني أجيبه بأني يساري في معنى الانحياز الى العدل والحرية.
- وأعني العدل الكوني المستحيل التحقق.
واذا اعطيت فرصة ان أعيد كتابة ما كتبته مرة أخرى، فإني أعيد كتابته من دون ان أغيّر فيه شيئاً. أي أتركه على حاله لأن لديّ مشاريع كتابة كثيرة متراكمة عليَّ تنفيذها.
- وان كانت قد بدأت متأخراً في نشر ما كتبت، ومتأخراً أعلنت نفسي كاتباً، وما زلت أكتب مع تقدمي في السن، فإني على يقين بأن لا علاقة بين الكتابة والنشر.
- وانا الذي بدأت الكتابة في سن مبكرة، اعتبر ان لا معنى للنصائح في الفن. أي لا معنى لوصفة نقترحها ناصحين الكتاب بأن يبدأوا الكتابة في سن مبكرة او متأخرة من اعمارهم.

أذكر أني كنت أكتب "رامة والتنين" وكان عليّ أن أحصل على اجازة من عملي في جمعية تضامن الشعوب الافريقية - الآسيوية التي كنت أعمل فيها لا كموظف، بل كفدائي لا يتوقف عن العمل طوال الساعات الاربع والعشرين من اليوم. لذا كنت أغادر القاهرة الى الاسكندرية،
- حيث انقطع تماماً عن الدنيا منصرفاً الى الكتابة. واذكر أني بعد انجاز مسوّدة "رامة والتنين" تركتها سنة او سنتين على حالها، قبل أن أعود الى العمل عليها حين طلب أحدهم مني أن أعطيه كتاباً للنشر. أروي هذه الوقائع لكي أقول ان الأمر نفسه تكرر في مرات أخرى مع قصص وروايات غير "رامة والتنين".
- لكني بعدما تقاعدت من الوظيفة في السابعة والخمسين من عمري، رحت أكتب بغزارة كبيرة. فرواية"الزمن الآخر"، مثلاً، كتبتها في مدة لا تتجاوز الشهرين. ذلك ان كل ما كتبته موجود بالقوة، قبل كتابته، بحسب العبارة البالزاكية.
وإن سئلت ما هو الكتاب الذي قرأته من الأدب العربي والعالمي، وأحب أن أعيد قراءته بين مدة وأخرى، فإني لن أعثر على كتاب معين او محدد. قد يـشغفني احياناً أن أعيد قراءة بعض المقاطع من كتاب "الأبله" لدوستويفسكي.
-أما نيتشه فقد تأخذني رغبة في اعادة قراءة مؤلفاته كلها.
- اما كتاباتي فإني لا أطيق قطعاً إعادة قراءة أي شيء منها.
واذا أعطيت فرصة ان انقذ خمسة كتب من كتبي كلها من طوفان أو حريق، فإني لن أنقذ سوى ثلاثة منها، هي "حيطان عالية" و"رامة والتنين" و"ترابها زعفران".

إدوار قـــلـتـــة فــلـتـــس يـــوســــف الـخــــراط
هو إدوار قلتة فلتس يوسف الخراط.
وُلد في 16 آذار 1926 في الإسكندرية لأب من أخميم في صعيد مصر، وأمّ من الطرانة غرب دلتا النيل.
- حصل على ليسانس في الحقوق عام 1946 من جامعة الاسكندرية.
- عمل أثناء الدراسة عقب وفاة والده منذ عام .1943
- شارك في الحركة الوطنية الثورية في الاسكندرية عام .1946
- اعتقل في 15 أيار 1948 سنتين في معتقلي أبو قير والطور.
- تزوج عام 1957 وله ولدان وأربعة أحفاد.
- في عام 1959 عمل في منظمة تضامن الشعوب الأفريقية - الآسيوية ثم في اتحاد الكتّاب الأفريقيين - الآسيويين حتى العام ،1983 وأشرف على تحرير مطبوعات سياسية وثقافية لهما.
سافر الى معظم بلدان أفريقيا وآسيا وأوروبا وأميركا في رحلات عمل.

شارك في إصدار مجلة "لوتس" للأدب الأفريقي - الآسيوي وفي تحريرها، وفي مجلة "غاليري 68" الطليعية، ومطبوعات لكل من منظمة التضامن الأفريقي - الآسيوي واتحاد الكتّاب الأفريقيين - الآسيويين.
ترجمت رواياته الى الانكليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية والأسبانية والأسوجية.
له في الروايات والقصص:
حيطان عالية (قصص).
ساعات الكبرياء (قصص).
رامة والتنين (رواية).
اختناقات العشق والصباح (قصص).
الزمن الأخير (رواية).
محطة السكة الحديد (رواية).
ترابها زعفران (نصوص اسكندرانية).
أضلاع الصحراء (رواية).
يا بنات اسكندرية (رواية).
مخلوقات الأشواق الطائرة (رواية).
أمواج الليالي (متتالية قصصية).
حجارة بوبيللو (رواية).
اختراقات الهوى والتهلكة (نزوات روائية).
رقرقرة الأحلام الملحية (رواية).
أبنية متطايرة (رواية).
حريق الأخيلة (رواية).
اسكندريتي (كولاج قصصي).
يقين العطش (رواية).
تباريح الوقائع والجنون (تنويعات روائية).
عمل نبيل (مختارات).
رقصة الأشواق (مختارات).
صخور السماء (رواية).
طريق النسر (رواية).
مضارب الأهواء (قصص قصيرة).
الغجرية والمخزنجي.
إضافة الى إصداره دواوين شعرية ومجموعة من الدراسات النقدية والتشكيلية والترجمات.