عرض مشاركة واحدة
قديم 06-09-2012, 12:13 AM
المشاركة 7
سناء محمد
كاتبــة الشمــس
  • غير موجود
افتراضي
قوة المنظور



قال المؤلف جون غارنر ذات مرة : (إن معظم المؤسسات المريضة قد طورت عمى وظيفياً يمنعها من رؤية عيوبها , إنها تعاني ليس لأنها لا تستطيع حل مشاكلها , بل لأنها لا ترى هذه المشاكل*) وقد عبر أنشتاين عن ذلك مرة بقوله : ( إن المشاكل المهمة التي نواجهها لا يمكن أن تحل في مستوى التفكير نفسه الذي كنا فيه عندما أوجدنا هذه المشاكل ) إن هذه العبارات تؤكد واحداً من أعمق الدروس التي تعلمتها في حياتي .

إذا أردت أن تحدث تغييرات وتطويرات صغيرة متدرجة اعمل على الممارسات أو السلوك أو الأسلوب , أما إذا أردت أن تحدث تطويرات مهمة وكبيرة فاعمل على المنظورات .

لقد جاءت كلمة منظور (paradigm) من الكلمة اليونانية ( paradigma ) وهي عبارة علمية في الأصل لكنها تستخدم اليوم بشكل شائع بمعنى الإدراك أو الافتراض أو النظرية أو الإطار المرجعي أو العدسات التي ترى العالم من خلالها , أنها تشبه خريطة موقع أو مدينةٍ ما .

إذا لم تكن الخريطة صحيحة فلن تصل إلى هدفك مهما بذلت من جهد ومهما فكرت بإيجابية , وإذا كانت صحيحة عندها يمكن أن يكون العمل الجاد والموقف الإيجابي أمراً مجدياً , ولكن ليس قبل تصحيح الخريطة .

على سبيل المثال , كيف حاولوا معالجة الناس في العصور الوسطى ؟ بالفصد .
ما المنظور الذي كان شائعاً في تلك الأيام ؟ لقد كان الناس يعتقدون أن العناصر الفاسدة موجودة بالدم وكل ما يجب عليهم هو إخراجها .

إذا لم تضع هذا المنظور موضع التساؤل , ماذا ستفعل ؟ سوف تقوم بمزيد من الفصد وبسرعة أكبر وبدون ألم . سوف تطبق قواعد - six sigma - وإدارة الجودة الكاملة - Total Quality Management - على الفصد .

سوف تقوم بتحليل إحصائي حول التحكم بالجودة , سوف تقوم بدراسات إستراتيجية عن إمكانية التطبيق وستضع خططاً عبقرية للتسويق , يمكنك مثلاً أن تعلن ( لدينا أفضل وحدة فصد بالعالم ) يمكنك أن تأخذ الموظفين إلى الجبال ليقوموا بقفزات حرة ممسكين بأيدي بعضهم البعض حتى يعودوا إلى وحدة الفصد في المستشفى وهم يشعرون معاً بمزيد من الحب والثقة , وربما تدع أعضاء الوحدة يجلسون معاً يتحدثون عن مشاكلهم النفسية حتى يطوروا مزيداً من المصداقية أثناء تواصلهم مع بعضهم البعض , ربما تعلِم المرضى والموظفين أن يفكروا بإيجابية حتى تتضاعف الطاقة الإيجابية أثناء القيام بعملية الفصد .

هل يمكنك أن تتخيل ما الذي حدث عندما اكتشفت نظرية الجراثيم , عندما اكتشف سيميلويس الهنغاري وباستور الفرنسي وغيرهما من العلماء الكبار أن الجراثيم هي السبب للمرض !

لقد فسر هذا الإكتشاف مباشرةً لماذا النساء يفضلن الولادة بواسطة القابلات , لأنهم أكثر نظافة .
وفسر لماذا الرجال يموتون في ساحة المعركة بسبب العدوى أكثر من الرجال الذين يموتون بسبب الطلقات , لقد كان المرض ينتقل إلى صفوف الخلفية بواسطة الجراثيم .

إن نظرية الجراثيم فتحت مجالات كثيرة و جديدة من الأبحاث العلمية وهي التي أرشدت ممارسات الرعاية الصحية حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم .

هذه هي القوة التي يملكها المنظور الصحيح . إنه يشرح ثم يرشد , ولكن المشكلة هي أن المنظورات مثل التقاليد لا تموت بسهولة , إن كثيراً من المنظورات الخاطئة استمرت لعدة قرون بعد اكتشاف منظور أفضل منها , على سبيل المثال , على الرغم من أن كتب التاريخ تذكر أن جورج واشنطن مات بسبب عدوى مرض في حلقه إلا أنه على الأرجح مات بسبب الفصد , لقد كانت العدوى في الحلق عرضاً لمرض آخر , وبما أن المنظور السائد في ذلك الوقت هو أن العناصر الفاسدة موجودة بالدم فقد فصدوا منه عدة كؤوس من الدم خلال أربع وعشرين ساعة , إن الأطباء الآن لا ينصحوننا بألا نتبرع بأكثر من كأس من الدم كل شهرين , هذا إذا كنا أصحاء .

إن عصر عمَال المعرفة يقوم على منظور جديد يختلف تماماً عن المنظور (الشيء) الذي قام عليه العصر الصناعي . لنُسم هذا المنظور منظور الإنسان المتكامل .