الموضوع
:
أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية.
عرض مشاركة واحدة
05-31-2012, 08:29 AM
المشاركة
750
ايوب صابر
مراقب عام سابقا
اوسمتي
مجموع الاوسمة
: 4
تاريخ الإنضمام :
Sep 2009
رقم العضوية :
7857
المشاركات:
12,768
خلاصة الحكاية
:
بإيجاز مخلّ، تدور رواية " شرقية في
باريس" حول فتاة من أسرة مسلمة محافظة في سوريا، اسمها سامية، تأخذ في مراسلة شاب
فرنسي بالبريد الإلكتروني من إحدى مقاهي الإنترنت (أو الشابكة، كما اصطلح على
تسميتها مجمع اللغة العربية بدمشق). ثم ترحل هذه الفتاة إلى فرنسا لمواصلة دراستها
الجامعية في السوربون، وتلتقي بذلك الشاب الفرنسي، تقع في غرامه، يطلب يدها،
يصطحبها إلى أهلها في سوريا، ينطق بالشهادتين، دون أن يعرف من الإسلام إلا اسمه ومن
القرآن إلا رسمه، وسط زغاريد أمها وأخواتها وجاراتها، يعودان إلى فرنسا، ينضمّ هو
إلى حزب سياسي عنصريّ، يكثر تغيّبه عن بيت الزوجية بحجة اجتماعات ليلية، تتغير
تصرفاته اتجاهها، تكثر المناقشات بينهما حول قضايا خلافية، يأخذ بالإعراب عن
احتقاره للأجانب، يزداد الجدل بينهما، يصفعها، يقع الطلاق، تتفاقم معاناتها
النفسية، تفكّر بالعودة، ولكنها لا تحتمل نظرات الشامتين، فتقرر البقاء ومواصلة
دراستها. تدرس في مجموعة بحث في السوربون تضم طلبة من أقطار مختلفة من أفريقيا
وآسيا وأوربا، وتتدارس المجموعة موضوعات فلسفية واجتماعية ونفسية واقتصادية، هدفها
إيجاد الشروط اللازمة لإيجاد تنمية بشرية في الأقطار النامية (أي المتخلِّفة
)
وإقامة حوار بين الثقافات والأديان والبلدان، من أجل رفاه الإنسان وترقية حياته
.
ويقع الأستاذ الفرنسي في حبّ الطالبة الشرقية المطلَّقة لا بفضل ملاحتها فحسب وإنما
أيضاً بفضل خلفيتها الحضارية وقيمها وجرأتها في طرح أفكار تتسم بالأصالة والجرأة،
فيتزوجها، ومن خلال معاشرته لها يكتشف سمو ثقافتها الإسلامية فيتفهمها وينجذب
إليها
.
بيد أن المؤلِّف الأستاذ عبد الكريم غلاب لا يسرد الأحداث بشكل
خطّيّ، كما فعلتُ أنا في خلاصتي المبتسرة للرواية، وإنما يستخدم تقنيات سردية
متنوعة أهمها الاسترجاع، وتيار الوعي، والتحليل النفسي المعمق، ويُكثِر من التلميح
بدل التصريح، والإشارة بدل العبارة، ليشحذ ذكاء القارئ الذي يُشارك في عملية
الإبداع من خلال ملأ الفراغات والبياضات في الرواية، وإبداء الرأي في القضايا
الفكرية التي يثيرها المؤلّف المتمرس الذي يمتطي صهوة الكتابة فارساً لا يُشق له
غبار
.
رواية فريدة
:
في تقديري أنه ليس في وسع أي كاتب آخر أن يكتب مثل
هذه الرواية ما لم يمتلك مخزوناً معرفياً فخماً يضاهي ما للأستاذ عبد الكريم غلاب
من فكر أصيل، وعلم جمّ، ونضال سياسي رائد، وخبرة صحفية شاسعة منقطعة النظير، ورصيد
روائي هائل. وقد تغلّب المفكّر عبد الكريم غلاب في " شرقية في باريس" على الروائي
عبد الكريم غلاب نفسه. فقد جمعت هذه الرواية بين عواطف الشباب المنبهرين بالدردشة
في مقاهي الإنترنت وبين الأفكار الناضجة لعمالقة شيوخ الفكر. وأحسب أن "شرقيّة في
باريس" تشكّل منعطفاً متميزاً في مسار الرواية العربية، وستكون نموذجاً يحذو حذوه
الروائيون في المشرق والمغرب لإنتاج روايات مضمّخة بأريج الثقافة والفكر والأدب
الرفيع
.
الرواية والحوار بين الثقافات
:
تصدر هذه الرواية في وقت يشتد
فيه " الصدام بين الحضارات " كما يصفه المنظر الأمريكي هنتغتون، وتتعالى فيه دعوات
المحافظين الجدد في الولايات المتحدة إلى " تصدير الديمقراطية " على الطريقة
الأمريكية بقوة العولمة والسلاح، وتتفاقم فيه معاناة المهاجرين من دول الجنوب
البائسة إلى دول الشمال المترفة، فيطرح المؤلِّف، بجرأةِ المناضل السياسي الرائد،
وثقة المفكِّر الكبير، مفهومَ الحوار والتفاهم بين الثقافات، وهو مفهوم ينبثق من
رؤية معمّقة لجوهر الإنسان وغاية وجودة، ويجسّد روح ثقافتنا الإسلامية بتوجهها
الإنساني وعالميتها ووسطيتها وتسامحها وقيمها. ويختار المؤلِّفُ جامعةَ السوربون
ميداناً لهذا الحوار
.
لنقتطف حواراً بين سامية الشرقية وبين أندري الفرنسي
الذي انتمى إلى حزب عنصري متطرف بعد زواجهما بسنتين وأمسى الزواج على كف
عفريت
:
" ...
لم انتزع من نفسه كراهيته للشرق
...
ـ لو لم يكن في الملتقى
لما التقينا
.
ـ أنتَ أناني
..
ـ الحضارة علّمتني أن أكون كذلك
ـ كارثة
العالم أن حضارته أنانية لم يستطع أن يتنازل عنها. تعلّمتُ من أساتذتي أن الخطأ خطأ
الإنسان، لا خطأ الحضارة
.
ـ الإنسان صانع الحضارة
.
ـ الحضارة صانعة
الإنسان
.
ـ أخطأت يوم صنَعَتْهُ هكذا أنانياً
.
ـ لا صنعته سوياً فانحرف
ـ
الانحراف، هو الآخر، شيء جميل
..
ـ ما لم يرمِ بحضارةٍ ما إلى الهاوية. أن تدمر
حضارة فتلك هي الهاوية
.
ـ ربما لتبقى حضارة واحدة هي السائدة
.
ـ ومَن يمنحها
السيادة؟ ومَن يؤكِد أنها لا تدمّر نفسها وهي تدمّر الأخرى؟
..."
ويحس القارئ
من هذه العبارات القصيرة المتلاحقة الجارية المحملة بأفكار من وزن ثقيل أن
المتحاورَين قد بلغا قمة الصراع العنيف اللاهث. وفي ذات الوقت يجد القارئ نفسه
طرفاً في النزاع الفكري، وأنه مطالب بإجابات وتفسيرات وشروح. فكل عبارة تحتاج إلى
كتب عديد في العلوم الإنسانية لاستيعاب مفاهيمها وقيمها
.
إن وزارات الثقافة
في أقطارنا العربية مدعوة لترجمة هذه الرواية الرائعة إلى اللغات العالمية وتحويلها
إلى فيلم سينمائي تُشارك به في المهرجانات السينمائية الدولية، مساهمة منها في
الحوار بين الثقافات، وتحسين صورة المسلمين في الغرب، ومن أجل أن تدحض ما يدور على
ألسنة كثير من المواطنين من أن السياسات الثقافية العربية تشجّع وتدعم عمداً
الثقافة الرخيصة الزاخرة بالأغاني الهابطة العارية والألعاب الرياضية الشعبية وتقيم
لها الفضائيات المتعددة، على حين تُستبعد البرامج الثقافية الحقيقية، وذلك لإلهاء
الشباب والإبقاء على التخلّف الفكري
.
رد مع الإقتباس