ومّر الأسبوع الأول على الفراق
مُنذ أعلنته على سفح طلة تهلل للعيد
يضج اللاجئون إليها فرحاً
مُنذ بعثرت كل شيء خلفك
كأتربة مُعلقة على كتفك
مُنذ أتيت تتسربل حاملاً النهاية
دوني وتبث الخبر
يتداوله الملأ بين أفواههم كعطر
يتقاسمونه كبتلات زهر
ويصلني كالشوك يتهادى على مسامعي
يقطر سمّا
تقف الأغصان عن ميلها
تجف الأوراق وتبرد الأرض
أتذكر رحيل جدي
وأنسي أين أمي
كيف بدأنا في عزائه
كبرنا وانتهينا بنفس الحُزن
لكن أحياء تقصمُني المسافات وحدي
***
أكظم بوادر صدمة
كأنني أكذب المُخبرين
وأرى ظلالاً واقفة
كأنني أسائل أعينهم المشفقة
دون الشفاه بوجنتي بريئة عاشقة
ولربما أمهد لقلبي تناثر الدماء من بين عضلاته
التي احتضنتك وأغلقت عليك
كأنني أغلف لها الخبر بسياج أقوياء
حتى يتبقى شيء
وأجزم أنني ما عادت لديّ قوة لأكمل العمر
ها أنا أغصب النفس لتمضي
وأدوس الجُرح
ألعقها وأتلو عليها ما يريدون أن أكون به
تتبختر خطواتي بين برك دماء
وسماء صفراء حمراء
هذه شجرة علقم وهذا بيت مهجور
فرقت الحياة أصحابه
***
خطفت من العيد شمسها
رأيتها تسافر خلفك
تسابقك خطوات الفراق
وتخنق السنين والأحلام والأمنيات
أقلب ألبوم الذكريات
وأردد مع شاعرتي روضة الحاج شعرها
” اليوم أوقن إن هذا القلب مثقوب ومجروح ومهزوم ” *
في المنام .. في الحلم الواقف بين قلقه
في حُلتي ويدي الراجفة على نصف ملامحي
***
من خلف بسمة التهاني
يتنهد صدري مغصوباً تناهيد ترغب بالصراخ
تُغتصب ويصنع للعيد حلوى من خلف الجراح
يصافح أطفال النهار ويتلوى بحضن الليل باكيا
ما عادت حولي وجوه .. لا حياة ولا دروب
رحل
وضعت بينهم
جبلاً يقفون عند ظاهره
أتوه في ضحكة كاذبة
وأبرز لوحاتك في صدري
وأنادي يا أيها المفارق لعلك تجيب
بقي لك بقايا
تعليقه ورسالة لم تنطو ِ مُنذ وصولها
وأنا
عُــد في حكاية قديمة
وغـدوت فتاة أقدم من الحكاية الأخيرة
***
تعال وأخبرني سأكون كما كُنت
بحنو أربت على كتفك وأرفع ذقنك إليّ
كطفل لي وأنت طفلي الأول
مكثت في قلبي أكثر مما يمكث الجنين في رحم أمه
أكثر وأكثر و أكثر
أنت عمري كله بك كُنت
لن أقولَ : سنين عجاف
لا انتظار دون جدوى
بل ما لا أعرفه
والذي أوقن به الآن أنك لازلت
لم تلفظك أنفاسي
سأموت إن نالك التٌبخر
وأنا لا أنكر أحداً دخل قلبي
وأنت لست أي أحد
***
لا تبك ِ عند تأتأتي سأخنق دمعتي قبل يدي
ولا عندي سطوري الباكية اليوم
كهذه الذي يجري دمعي قبلها ويستكين
لا تعتذر سأخبر الشهور أنك كالبدر
يطول غيابك ويبزغ نورك
كما كُنت
وإن رحلت ستبقى في داخلي تنمو
ثمراً مجيداً
يرويه مائي
***
هذا الغروب لوحة تعرفني
أصيلة
لا يغرك لونها المائل
سأمكث بها كما أرادت
أتلحف تموج ألوانها حتى عتمة الليل
وكلما تنبأت بالصباح سأبكي الراحلين
***
أذكر طفولتك وغنج خجلي المتدلل
كيف كُنت أنتظرك وأنت ترصدني
ومن ثم نعود وقد جمعنا حكايا
نخبر بها الرفاق
أطفالاً كُنا
نخبر الحُب أننا هُنا
ويأخذنا جمالٌ آخر لوجه الجميل
يزدان جبينه
وتغني شفاهٌ لعاشقيّ المدينة الحب كهؤلاء
أطفال الريف
وأغـصان الريحان
***
رحلت شمسك وبقيت شمسي حزينة
ما كُنت أدرك أننا شمسين سنفترق
أتجمد برداً ولا من دفء
أترقب حضور من لا يأتي
وإن أتى سترفضه مدينتي القابعة فيّ
دون قلبي
دون قلبي الراحل معك ..