عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
10

المشاهدات
7055
 
ريما ريماوي
من آل منابر ثقافية

ريما ريماوي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
801

+التقييم
0.17

تاريخ التسجيل
Sep 2011

الاقامة
الأردن.

رقم العضوية
10476
05-16-2012, 01:07 AM
المشاركة 1
05-16-2012, 01:07 AM
المشاركة 1
افتراضي ميكي .. بقلم/ ريما ريماوي
ميكي والحياة



فاجأها المخاض في مكان غير آمن، فقررت أمي القيام بنقلنا إلى بيت أصحابها الجدد الذين حلوا محل السكان الأصليين. وتمكنت من فرض نفسها على هؤلاء الجدد فالمكان مكانها ورفضت أن يطردها الأغراب، فرضخوا لها بالنهاية، وتقبلوها لجمال خلقها وطباعها.

النقل استغرق معها طيلة النهار، وكان شاقا متعبا لها إذ نقلتنا واحدا وراء آخر. حريصة على التأكد من أمان خط سيرها في كل مرة.

راقب أهل البيت النقل بفرحة، وتسنى لكل فرد فيهم مشاهدة عملية واحدة على الأقل، فتدخل عليهم تحمل أحدنا بين فكيها، وتتجه مباشرة نحو خزانة قديمة بابها مخلوع، تُحفظ فيها بعض ثياب حريرية عطرة تعود لصاحبتي الغرفة المراهقتين لم تعودا تلبسانها، فتضع حملها هناك وتشرع بإرضاعه وتقوم بلحسه وتنظيفه حتى يشعر بالأمان والطمأنينة. ومن ثم تتركه في أمان وتعود لجلب آخر، وهكذا دواليك حتى أتمت مهمتها بنجاح ونقلتنا جميعا الخمسة.
لا تستغربوا صحيح لاأذكرها لكنّي سمعت بها عدة مرات وهما ترويانها للصديقات...

عندما ترفعني إحدى الصبيتين إلى أعلى، أحس بتحليقي بالفضاء، بالبداية وأنا مغمض العينين كان يتملكني الخوف فأحتج بتحريك أطرافي في الفراغ، لكنّي تعودت مع الوقت وصرت أستطيب هذا بل أذوب بين أعطاف الصغيرة تحضنني بحنان إلى صدرها.

في الشهر الأول من العمر صارت متعتهم مراقبتنا نلعب وإخوتي سويّا.. واعتاد رب الأسرة تحريك عصاه برفعها وتخفيضها فنتقافز عليها.

ذات يوم حضر صديقه للزيارة لكنه لم يأبه به واستمر معنا، فجذب العصا من يده بعصبية قائلا:
- هاتها يا رجل سأتم ملاعبتهم عنك، أما أنت فاذهب لارتداء ملابسك، سنتأخر عن الموعد...

واعتدت دون إخوتي الدخول من نافذة الحمام المفتوحة لقضاء حاجتي على أرضه.. لكن ربة المنزل كانت تستشيط غضبا مني.. لم أفهم لماذا؟!

أسموني "ميكي" لضآلة حجمي. لكن أعترف لقبوني "المتخلف" أيضا وصاروا ينادونني به، والسبب جلوس لساعات طويلة فوق الشجرة الكبيرة في الحديقة، فاستنتجوا إني لست كبقية إخوتي وأجهل كيفية النزول، وغاب عن بالهم أنني أمارس هوايتي المفضلة رياضة (اليوجا)!

واستمر اقتناعهم بتخلفي، وبعدم قدرتي البقاء وحيدا، حتى لما صار عمري شهرين، فقرروا أن يستمروا في رعايتي لوحدي بأن أنتقل معهم إلى بيتهم الجديد في العاصمة.

انتقلنا بالسيّارة، فوضعتني صديقتي الصغيرة في حجرها، وطوقتني بذراعيها في رحلة لم تستغرق أكثر من نصف ساعة لكنها مضت كأنها دهر وتعذبنا فيها وارتفعت عقيرتنا بالصراخ، أنا من شدة خوفي وهي ألما إذ أنشبتُ مخالبي في ساقها، حتى وصلنا إلى المنزل الجديد الكائن في ضاحية معزولة على طرف المدينة.

الابن الشاب لم يطب له العيش هناك بسبب إبتعاده عن أصحابه وحبيبته، وزاد الطين بلة صعوبة المواصلات. فأصبح عصبيا متجهما لا يضحك ولا لرغيف الخبز السخن..!

ذات رائحة شهية.. قفزتُ فوق الطاولة وهممتُ بدجاجة محشوة شهيّة، وإذ بالشاب العصبي يطيح بي على الأرض بركلة قويّة، ثم رفسني في بطني.

رفساته طيرتني طيرانا من باب المطبخ إلى الحديقة، اللهم لطفك، لقد أفرغ كل غضبه وكبته بي ذلك الشرير ولم يتركني أهنأ بتلك الدجاجة اللذيذة!

" تبا لحذائه كالسلاح الفتاك ولكم هو مهين، فهمت شعور بوش الابن وحذاء منتظر الزيدي الطائر" طبعا أنا متابع جيد للأخبار.

بعد العلقة المريرة تعقدت نفسيا وأصابتني (فوبيا الحذاء الرجالي) كلّما سمعت صوته أهرع مختبئا تحت السرير، لا أخرج إلا بعد ذهابه. لربما ترد على الأذهان أن:
" ميكي جبان" ،
"نعم على الأكيد، يا روح ما بعدك روح... مائة جبان ولا الله يرحمه."

بصراحة تعلّمت درسي جيدا، امتنعت بعدها عن القفز فوق الموائد. الطعام الذي يسمح لي بتناوله فقط هو الذي أستطيع الوصول إليه أرضا. ولهذا أصبحت أمهر من الرجل المطاطي في التمطي.

رغم منعي من الجلوس على الأرائك الفخمة.. لكن كان من السهل إغوائي لمعانقتها الوثيرة ليلا وهم نيام، وانكشف أمري لربة البيت ذات ليلة ولم تعترض، حضرتنا نظيف مهذب لا أخدشها بمخالبي، يوجد شجر كثير في الحديقة لشحذها، كما وأني أنظف نفسي جيدا في الخارج. وأفقه درس النظافة جيدا.

درجت على مرافقة الأم كلما ذهبت إلى العمارة القريبة لزيارة جارتها المفضلة، اتوقف عند الباب أراقبها تلج البيت فأطمئن ثم أقفل عائدا وحدي.

أنتظر بشوق عودة صديقتي الصغيرة من المدرسة، وتَعوَّدتْ تجدني أنتظرها عند محطة الحافلة القريبة لما يقترب موعد وصولها، فأستقبلها ونعود معا إلى المنزل.

حبي الأول لن أنساه، تلك الزائرة المكتنزة السمينة، قريبتهم التي أقامت بضعة أيام عندهم..
- ميكي .. ميكي لم أنت جالس بعيدا عني؟ تعال هنا يا صديقي،
تناديني بصوتها الرخيم، كالموسيقى تسحرني،
فأتجاوب فورا وأنط في حضنها الواسع الدافئ، مستمتعا بلمسات أناملها الرقيقة تداعب وتمسد شعري الطويل، وأغفو آمنا على حجرها. هنا أستغرب عندما يصرخ أحدهم رعبا مني خصوصا الإناث، أنا وديع لا أعض ولا أخرمش إلا دفاعا عن نفسي. لما حان موعد سفر القريبة مشيت بجوارها أرافقها إلى موقف النقليات، وصعدت معها في الحافلة كي ألقي نظرة الوداع الأخيرة، ولما شغل (الباص) محركاته نزلت حزينا. وإني لأدعُ الله مخلصا بأن يلم شتات المحبين ويجمعهم ولا يفرقهم عن بعضهم بعضا.

يقال عند البطون تضيع العقول، دأبت أحضر قطع لحم مشوية، فتبدي الأم استغرابها وأنا ألتهمها بتلذذ عند قدميها في الشرفة.. لكن إن عرف السبب بطل العجب لقد شَكَت الجارة عن اختفاء اللحم من على مائدتهم.. بالطبع الداعي ماهر بالتسلل، ولم يتمكن أي أحد من رؤيتي أفعل ذلك..

صارت قصة اختطافي اللحم مصدر تندر وتفكه العائلة.. ولم يعودوا يدعوني بالمتخلف، بل بصموا لي بالعشرة على ذكائي الخارق..

مع تغذيتي الجيدة الوافرة نَمَوْتُ كالخروف الصغير.. وازدادت محبتهم لي وشعبيتي عندهم، يعاملوني كفرد من العائلة، لدرجة أن الصغيرة لما تستلطف طفلا من أبناء الأقارب، تقول لوالدته:
- ما أجمل طفلك، يشبه ميكي تماما...
فيصفر وجه الأم ويخضرّ.
لكن لا وبكل تواضع، أنا أجمل بكثير...

لما نضجت وصرت بحاجة إلى زوجة لم أجد إلا جارتنا الدميمة، الوحيدة المتوفرة في منطقة سكننا البعيدة، فكان الزواج - ما أفظعها - تنجب بالسنة الواحدة ثلاث مرات، ماكينة تفريخ مثالية.

ذات يوم قامت ورشة عمل، والبدء في حفر الجبل القريب، سمعت أن هنالك مشروع إسكان ضخم يجهزون له.

هذا هيّج الحشرات والزواحف من عقارب وأفاعي وجرذان، فقامت تزحف تسعسع، وجبة دسمة بالنسبة لي، اصطيادهم هدفي ولا مفر لهم مني، هم وجبة لذيذة أنصح بتذوقها. والمهم أن أحمي رأسي من لدغاتهم السامة، لأن لعابي ترياقي.

فوجئت لما رأيت أجيالٍ متعاقبة تشبهني، بدورهم يطاردون الزواحف ويقنصوها.

شددت ظهري ومشيت رافعا رأسي مفتخرا بهم:
- كلهم أولادي... !

أوه أرى العقرب السوداء تتسلل إلى فراش صديقتي الصغيرة. يجب علي أن أحميها سأقتلها. لقد نجحت وماتت،
لكن.. آه استطاعت لدغي في رأسي.

- تمت -

ملاحظة: معظم الوقائع حدثت معي فعلا.... مع تحيات/ ميكي




إهداء ... إلى ميكي تخليدا لذكراه.


أنين ناي
يبث الحنين لأصله
غصن مورّق صغير.