عرض مشاركة واحدة
قديم 05-05-2012, 11:59 AM
المشاركة 9
زهراء الامير
فرعونيـة من أرض الكنانـة
  • غير موجود
افتراضي
جامعياتي


" الإنسان مصدر كل تعليم وعلم, وما يعلمك إياه الناس يأتيك في ألم و قسوة أكثر من تعلمك الكتب. علم الناس جاف مؤلم. ولكن العلم الذي يأتيك على ذلك الشكل هو الذي تبقى جذوره راسخة "


مكسيم غوركي - جامعياتي


جامعياتي .. أو مع الفلاحين . الجزء الثالث والأخير من ثلاثية مكسيم التي تحكي سيرة حياته. اعتماداً على عنوان الجزء , يبدو مكسيم كأنه دخل في مرحلة استقرار مكنته من الدخول للجامعة , ومخالطة أبناء الطبقة المتوسطة, وانتهاء مرحلة الفقر والتشرد. لكن بعض العناوين خداعة , تحمل تأويل آخر غير المرسوم في بداية القراءة. الجامعة التي دخلها مكسيم لم تكن جامعة تضم طلاب في سن معينة. بل جامعة كبيرة, فيها من شتى صور أنواع البشر.. جامعة الحياة, تضم إلى جانب الطلاب كل أنواع البشر من المساكين والمشردين والقتلة والثوار والسياسيين والعاهرات. لأول مرة يخالط جماعة الثوار ويتعرف على أبجديات الثورة, وجماعات ارادة الشعب, بعد استماعه لخطاب " اختلافاتنا " لأحد الثوار. يقرأ كتب عميقة مثل كتاب " هوبز - الدولة الديكتاتورية " و كتاب " الأمير لـ ميكافيللي ". الرؤية السياسية والثقافية تشكلت لديه في هذه المرحلة من اختلاطه مع الناس والتعرف على مآسيهم وأحلامهم. بدأ يستخدم كلماته الخاصة القاسية الثقيلة بدلاً مما كان يقرأ في الكتب. وهي كلمات قادرة على التعبير عن تشوش أفكارة .

هذه المرحلة من حياة مكسيم كانت بائسة كسابقها , ولكنها ثقفته . كانت بائسة جسدياً وأكثر بؤساً أخلاقياً.. فيها ارتحل عن بلدته , وجال خلال الإمبراطورية الروسية، لمدة خمس سنوات غير خلالها عمله عدة مرات، عسى أن يجد مهنة توفر له ولو بضع ساعات ينفقها في المطالعة والتثقف .مما سهل له مخالطة كل الأوساط، وتشربت روحه بروح الشعب وغرست فيه معاناته هذه حب الثورة على الظلم والقهر والصعاب.

أقسى ما في هذه المرحلة كان ابتعاده عن جدته العزيزة ,واتضح له في شيء من مرارة الالم أنه لن يجتمع مرة أخرى بصديق حميم هو جزء من نفسه. في هذه الظروف الغارقة بالبؤس يصل مكسيم إلى أقصى درجات حياته تشاؤماً وغضباً على الحياة, فيقرر الإنتحار والهروب من هذا العالم الذي يتحكم به الأقوياء. وبدلا من أن يصوب باتجاه قلبه ليقتل نفسه, صوب تجاه رئتيه ليعيش ويكتب حياتة ومأساته, التي تحكي سيرة ألوف من الفقراء. يقول مكسيم في أقصى درجاته حزناً بعد وفاة جدته

" أنا لم أذرف شيئاً من دموع ولكنني على ماأذكر بدوت كمن انهمرت فوقة ريح جليدية . أحسست بلهفة طاغية في أن أحدث كائناً من كان عن جدتي, وأن أذكر له مقدار ما كانت عليه من الحكمة والدماثة والرأفة. حملت هذه اللهفة الطاغية في قلبي أمداً طويلاً غير أنه لم يكن هنالك من استطيع أن أحدثة عن هذه الأشياء. فاضمحلت واضمحلت إلى أن انطفأت دون تحقيق . لم أملك حصاناً أحدثه أو كلباً أشكو إليه . واسفت على أنه لم يتح لي أن أبث حزني للجرذان ! "

يتبع لاحقاً