الموضوع
:
مكسيمـ غوركي : إنــه عالـمـ كامل !!
عرض مشاركة واحدة
05-05-2012, 11:56 AM
المشاركة
6
زهراء الامير
فرعونيـة من أرض الكنانـة
تاريخ الإنضمام :
Apr 2012
رقم العضوية :
11083
المشاركات:
326
هرب أليوشا من هذا المنزل, ليعيش بين الشوارع والأرصفة, يقتات من حسنات الحمالين في المرفأ, وفي هذه المرحلة دخل أليوشا رحلة العمل الثالثة في حياته, انضم إلى مركب يسمى " الدوبري " ليعمل هناك غسالاً للصحون. إن فكرة العمل على سطح مركب يوجد فيه عدد هائل من كبار السن يعطي فكرة عن تشكل رؤية مكسيم تجاه العمل والحياة والدين والقيم الإنسانية. كان يدخل في حوارات جانبية مع بعض العمال المختلفين في درجة معاملتهم له عن الحياة و وجود الله , ومدى أهمية الإيمان في قلب الإنسان. كانت بعض الأراء مرعبة له, ولم يتقبلها عقله, ولكن لم يجد إجابات لبعض الاسئلة التي كانت تطرح بين الكبار. مما أوقعه في حيرة من أمره. و كان هناك بعض ممن اتجه لهم يستمع لـ أرائهم في أمور الحياة والدين . مما جعله يتعرض للصدمة بسبب فكرة " أن الإنسان هو العدو الألد للإنسان"
لا داعي لذكر ما كان يحدث داخل هذا المركب, فالشقاء والعمل الكثير لم يكن بأقل مما كان أو يتوقعه مكسيم, فالضرب والدخول في مشاجرات, والإستماع إلى قصص البحارة وما عانوه هو خط رئيسي في هذه الرحلة . كل قصة يسمعها أليوشا كانت محفورة في ذاكرته . وتعطي خلاصة له عن قيمة دينية أو إجتماعية مفقودة يفتقدها المجتمع الروسي في العهد القيصري.
ترك أليوشا العمل على سطح المركب وتنقل بين عدة أعمال مختلفة , فتارة يعمل في محل لصنع التماثيل الدينية , وتارة يعود لبيت أخت جدته للعمل من جديد كخادمة للمنزل, ومربياً للأطفال . وأخيراً يعمل مراقباً في مدينة تائهة يراقب العمال وهم يهدمون في كل خريف الدكاكين الحجرية, ويعيدون بناءها كل ربيع.
" رحت افكر وأفكر و أنا أسير, ما أحلى أن أصبح لصاً أسرق من الأغنياء وأعطي الفقراء. ما أروع ان أذهب إلى إله جدتي وعذرائها الطاهرة فأروي لهما الحقيقة كاملة عن حياة التعساء البائسين, وكيف يدفنون بعضهم بعضاً في الرمل المخيف بطريقة مؤذية راعبة, وكم على وجه البسيطة من مؤذيات لا جدوى منها, فإن صدقتني العذراء سألتها أن تمنحني الحكمة الكافية لأبدل هذه الأمور وأجعلها أفضل وأكثر رخاء, أن تجعل الناس يصغون لي ويؤمنون بي "
مقارنة بالجزء الأول - طفولتي - كان هذا الجزء غنياً لمكسيم في مجال تشكل رؤيته في عالم القراءة والتأليف الأدبي وحب القراءة. يتميز مكسيم عن غيره من الأدباء الروس بأن الكتاب لديه صعب المنال . القراءة كانت تعني أن يتخذ مكسيم مكاناً منعزلاً في البيت, بعيداً عن أعين العمال أو سكان البيت, على ضوء بقايا شمعة . كان يعاني وهو في سنه الصغير شوقاً ملحاً للقراءة, فيأخذ أحياناً من رف الأواني المنزلية قدراً نحاسياً يحاول بها أن يعكس ضوء القمر على صفحات كتاباً ما. فيصيبه الفشل , ويزداد الظلام في المكان, فيذهب للقراءة تحت ضوء شموع الأيقونات واقفاً , وحين يتعب ينام في مكانه ويستيقظ على صراغ عجوز المنزل وضربها.
مجرد أن يتم اكتشافه وهو يقرأ يعني تلقي سيل هائل من الشتائم وأسوء أنواع الأوصاف . إن لم تصل للضرب, وقطع الوعود بعدم قراءة بعض الكتب, خصوصاً الدينية منها. فالقراءة شر مستطير ولا سيما عندما يكون الفتى صغيراً حسب وجهة معارضي قراءة مكسيم للكتاب.
" حين أفكر الآن فيما جره علي ولعي المفاجئ المتزايد بالمطالعة من صنوف الحرمان والإذلال والهموم يتنازعني الحزن والفرح في آن واحد .
الذين ساعدوا مكسيم في مجال القراءة إمراءتان. الأولى زوجة الخياط التي تركت في نفسه أثراً عميقاً ..أهدت إليه كتاب من تأليف مونتيبان, بعد أن ذهب إليها محذراً إياها من تصرف الجنود تجاهها. كان أول سطر يقرأه في حياته " البيوت كالبشر, لكل منهما ملامح خاصة ". القراءة الأولى لمكسيم فتحت له مجال لم يكن يحلم به . مكنه الكتاب من الإنتقال لعالم آخر, بأسماء وصلات وشخصيات مختلفة , أبطالاً ونبلاء النفس, وأشراراً تتطابق شخصياتهم مع الذين يعاصرهم في حياته الآنيه. كل مافي الكتب يبعث على الدهشة, إلى درجة أنه فكر بمساعدة بعض أبطال الرواية, ولكن تذكر أخيراً أن من يريد مساعدتهم كانوا على الورق. بينما هو يشاهد بعينه بعض مآسي الكتاب متجسدتاً أمامه تجسيداً حياً, بحيث يصعب مد يد العون, وهو شبيه بمثلهم.
" أثارت الكتب في نفسي شيئاً فشيئاً ثقة لا تتزعزع وهي أني لم أعد وحيداً في هذا العالم وأني سأشق لنفسي درباً في الحياة. كل كتاب جديد كان يبرز بصورة أوضح الفارق بين الحياة الروسية والحياة في البلدان الآخرى, ويبعث الاشمئزاز في نفسي, وفي ذات الوقت يزداد شكي في صحة أقوال هذه الوريقات المهترئة المصفرة ذات الجوانب القذرة "
الملكة مارغو, الشخصية الأكثر تأثيراً في قراءة مكسيم غوركي وهو صبي. تعرف عليها أثناء هروبه من عمله على ظهر مركب نهري في الفولغا. فاتنة ومثقفة جدًا، يقول مكسيم لولاها لم يكن كاتباً أبدًا. فهي التي دلته على الكتب المتنوعة، كانت تنصحه بأن يقرأ كتباً روسية, وأن يطلع على صميم الحياة الروسية. أهدت إليه في البداية كتاب " أسرار سان بطرسبورغ " . مما تكشف لمكسيم الاختلاف الكبير بين هذه المدينة, والمدن التي قرأ عنها كـ مدريد وباريس ولندن. كان يزورها بإنتظام , وكل مرة يزداد حباً له. ويعتبرها ملاكاً مسخرة له, إلا أنه صُدِم عندما رأى هذه الشابة تمارس الحب مع ضابطٍ شاب. "ظننتُ أنها ملاك!" , هكذا كان يقول مكسيم عنها. أهدت إليه في الزيارة الثانية وهي الأهم مجموعة من كتابات شاعر روسيا العظيم الكسندر بوشكين, ومجموعة شعرية للشاعر ليرمنتوف. وحين يذكر بوشكين يجب التذكير بأنه الأب الروحي للشعر والأدب الروسي. كانت قصائد بوشكين في ضمير الشعب الروسي مكان رائع الجمال, كل زاوية فيها تختلف عن الآخرى جمالاً. كان تأثير بوشكين على مكسيم مدوياً حتى أصبحت قصائده من أفضل ما قرأ وأقربه إلى قلبه, إلى درجة أنه حفظ جميع قصائده عن ظهر قلب . يقول غوغول الكاتب الروسي الواقعي الكبير، وصديق بوشكين ومعاصره: "عندما يذكر اسم بوشكين، تتألق في الذهن الفكرة عن شاعر روسي على نطاق الأمة كلها.. إن بوشكين ظاهرة فذة، ولربما، الظاهرة الوحيدة للنفسية الروسية. وفيه تجلت الطبيعة الروسية، والروح الروسية، واللغة الروسية، والخلق الروسي في تلك الدرجة من النقاء والجمال المصفى على عدسة بصرية بارزة".
عندما نريد أن نعرف تأثير بوشكين على مكسيم ,يجب أن نقرأ أشعار بوشكين السياسية والمقطوعات الهجائية المناهضة للتحكم والطغيان، والمدافعة عن حقوق الشعب المداسة وطبقة العمل الفقيرة التي كان يرزح مكسيم تحت سياطها, لكي نعرف أي رجل هذا الذي أحدث دوياً مذهلاً في حياة عدد هائل من الأدباء الكبار أمثال تولستوي و دوستويفسكي و غوغول و مكسيم وغيرهم من الأدباء المعاصرين.
من قصائد بوشكين المفضلة لدي
إن خدعتك الحياة
فلا تحزن ، و لا تغضب !
في اليوم الشجي اهدأ ،
يوم الفرح ، ثق ، لا بد آت !
القلب يحيا في المستقبل ،
فالحاضر كئيب !
كل شيء عابر ، كل شيء سيمضي ،
وما سيمضي – سيصبح أجمل .
ينتهي الجزء الثاني من ثلاثية غوركي , بعزمه الرحيل عن البلدة إلى قازان, ويحدوه أمل خفي في ايجاد وسيلة للتعلم والدراسة .
رد مع الإقتباس