عرض مشاركة واحدة
قديم 05-05-2012, 11:55 AM
المشاركة 5
زهراء الامير
فرعونيـة من أرض الكنانـة
  • غير موجود
افتراضي
بين الناس


كم من أناس بسطاء ولطفاء, وحيدين لفظتهم الحياة, التقيت بهم في السنوات التالية.ومما يبعث الذعر في نفسي أن أتذكر كم من الأشخاص الرائعين قضوا دونما أية غاية حسنة خلال هذه السنوات.


مكسيم غوركي - بين الناس



بين الناس .. الجزء الثاني من ثلاثية مكسيم غوركي التي تحكي سيرة حياته. بعد وفاة والده و والدته, وتشرد العائلة في بيت الجد, يرحل أليوشا من البيت , ويقتحم عالم الحياة الروسية الفقيرة, عالم العمال الذين يبحثون عن الفرح بين ثنايا الحزن.. كيف ستكون رحلة أليوشا الصبي ذو العشر سنوات في عالم الكبار, وبين الناس والمجتمع الذي لا يعرف شيئاً عنه؟


لم يكن البؤس والفقر أرحم مقارنة بحياته الأولى في بيت العائلة. في بيت العائلة الذي ارتحل عنه كان يتكلم مع جدته التي تعطف عليه متى ما أراد ذلك. كانت تحكي له قصص يسمعها منها الكبير قبل الصغير, وتعلمه أسس الإيمان الذي يجب أن يتحلى بها المواطن الروسي العادي. لكن الآن, وبين الناس, لن يجد من يتحدث إليه , أو يفرح معه , أو يشتكي إليه فقر الحال, مما ولد في قلبه شعور الحنين إلى الجده وأبناء الخال.

عمل طاهياً في أولى مراحل حياته, ولم يتم أيام قليلة في المنزل الذي يعمل فيه حتى أحترقت يداه, ودخل المستشفى وهو صغير , بعد أن ترك الحساء يغلي فترة طويلة دون أن ينتبه لدرجة غليانه. ثم انتقل بعد ذلك يعمل في بيت أخت جدته, كخادمة , ينظف الأواني النحاسية , ويمسح أرض المطبخ, ويغسل الصحون, ويتسوق لشراء حاجيات المنزل. هذه الفترة من حياة مكسيم جعلته يصادف أغلب أنواع البشر على مختلف اتجاهاتهم. لم يصادف الاستغلاليين , والمتوحشين ذوي القلوب السوداء أمثال معلمته وحسب , بل قابل الأناس الطيبون كذلك, وأحبهم , لكن لم يعلم أن أغلب من أحبهم إما خذلوه في حياته, و إما ماتوا بالقرب منه, لا يفصل بينه وبينهم إلا مسافة قليلة جداً. لم يتحمل مكسيم هذا الجو القائم على شتى أنواع العمل الشاق , كصبي في العاشرة من العمر يقوم بكل واجبات المنزل. بل والأكثر تحطيم احلامه بأن يكون رساماً في يوماً ما. فالمعلمة كما يصفها اليوشا ضربته باللوحة التي يرسم عليها .وتقفز علواً و هبوطاً عليه, مما أفقده الوعي. يقول أليوشا عن فترة حياه في هذا البيت بما معناه أني كنت لا أرى فيما حولي إلا الشر الذي لا يعرف الشفقة .

ها أنا ذا أجلس من جديد
على أرض الطابق العلوي الكبير

أقص قطعاً من الورق
وأذوب قطعاً من قصدير

أتمنى لو كنت كلباً
بحيث أستطيع الفرار

هنا يخاطبني الجميع قائلين :
اخرس , أيها المغفل
وتعلم كيف تطيع الكبار