عرض مشاركة واحدة
قديم 04-09-2012, 01:16 PM
المشاركة 368
ماجد جابر
مشرف منابر علوم اللغة العربية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
.... إنَّ أَخَاكَ مَنْ آسَاكَ ....

يقال : آسيت فلاناً بمالي أو غيره ؛ إذا جعلته أُسْوَةً
لك ، ووَاسَيْتُ لغة فيه ضعيفة بَنَوْهَا على يُوَاسي ،
ومعنى المثل إن أخاك حقيقةً مَنْ قدمك وآثرَكَ على
نفسه .
يضرب في الحثّ على مراعاة الإخوان .
وأول من قال ذلك خُزَيم بن نَوْفل الهَمْداني ، وذلك أن النعمان
بن ثَوَاب العبديّ ثم الشنيّ كان له بنون ثلاثة : سعد ، وسعيد
وساعدة ، وكان أبوهم ذا شرف وحكمة ، وكان يوصي بنيه
ويحملهم على أدَبِه ، أما ابنه سعد فكان شجاعاً بطلاً من
شياطين العرب لا يُقَام لسبيله ولم تَفُتْه طَلِبَتَهُ قطّ ، ولم يفرَّ
عن قِرْن .
وأما سعيد فكان يشبه أباه في شرفه وسؤدده ، وأما ساعدة فكان
صاحب شراب ونَدَامى وإخوان ، فلما رأى الشيخ حالَ بنيه دعا
سعداً وكان صاحب حرب فقال : يا بُنَيّ إن الصارم يَنْبو ،
والجواد يَكْبُو ، والأثر يعفو ، فإذا شهدت حرباً فرأيت نارها
تستعر ، وبطلها يخطر ، وبحرها يزخر ، وضعيفها ينصر ،
وجبانها يجسر ، فَأقْلِلِ المكث والانتظار ، فإن الفرار غير عار ،
إذا لم تكن طالبَ ثار ، فإنما ينصرون هم ، وإياك أن تكون صَيْدَ
رماحها ، ونطيح نطاحها .
وقال لابنه سعيد وكان جواداً : يا بني لا يبخل الجواد ، فابذل
الطارف والتِّلاد ، وأقلل التَّلاح ، تُذْكَرُ عند السماح ، وابْلُ
إخوانك فإن وَفِيَّهم قليل ، واصنع المعروف عند محتمله .
وقال لابنه ساعدة : وكان صاحب شراب : يا بني إن كثرة
الشراب تفسد القلب ، وتقلل الكسب ، وتجدّ اللعب ، فأبصر
نَديمك ، واحْمِ حريمك ، وأعِنْ غريمك ، واعلم أن الظمأ
القامح ، خير من الرأي الفاضح ، وعليك بالقَصْد فإن فيه بلاغاً .
ثم أن أباهم النعمان ابن ثَوَاب توفي ، فقال ابنه سعيد وكان
جواداً سيداً : لآخذن بوصية أبي ولأبلُوَنَّ إخواني وثقاتي في
نفسي ، فعمد إلى كبش فذبحه ثم وضعه في ناحية خِبائه ، وغَشَّاه
ثوباً ، ثم دعا بعض ثقاته فقال : يا فلان إن أخاك مَنْ وفَى لك
بعهده ، وحاطك بِرِفده ، ونصرك بوده ، قال : صدقت فهل حدث
أمر ؟ قال : نعم ، إني قتلت فلاناً ، وهو الذي تراه في ناحية
الخِباء ، ولا بد من التعاون عليه حتى يُوَارَى ، فما عندك ؟ قال :
يا لَهَا سَوْأَة وقعتَ فيها ، قال : فإنِّي أريد أن تعينني عليه حتى
أغيبه ، قال : لست لك في هذا بصاحب ، فتركه وخرج ، فبعث
إلى آخر من ثقاته فأخبره بذلك وسأله مَعُونَتَه ، فرد عليه مثل
ذلك ، حتى بعث إلى عَدَد منهم ، كلهم يردّ عليه مثل جواب
الأول ، ثم بعث إلى رجل من إخوانه يقال له خُزَيم بن نَوْفل ،
فلما أتاه قال له : يا خُزَيم ما لي عندك ؟ قال : ما يسرّك ، وما
ذاك ؟ قال : إني قتلت فلاناً وهو الذي تراه مُسَجَّى ، قال : أَيْسَرُ
خَطْبٍ ، فتريد ماذا ؟ قال : أريد أن تعينني حتى أغيبه ، قال :
هان ما فَزِعْتَ فيه إلى أخيك ، وغلامٌ لسعيد قائم معهما ، فقال له
خزيم : هل أُطلع على هذا الأمر أحدٌ غير غلامك هذا ؟ قال :
لا ، قال : انظر ما تقول ، قال : ما قلت إلا حقاً ، فأهْوَى خزيم
إلى غلامه فضربه بالسيف فقتله ، وقال : ليس عبدٌ بأخٍ لك ،
فأرسلها مثلاً ، وارتاع سعيد وفزع لقتل غلامه ، فقال : ويحك ! ما
صنعت ؟ وجعل يلومه ، فقال خزيم : إن أخاك من آساك ، فأرسلها
مثلاً ، قال سعيد : فإني أردْتُ تجربتك ، ثم كشف له عن الكَبْش ،
وخبره بما لقي من إخوانه وثقاته وما ردّوا عليه ، فقال خزيم : سَبَقَ السَّيفُ العَذَلَ ، فذهبت مثلاً .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكر لك أستاذنا ,وشاعرنا القدير عبد السلام بركات زريق موضوعك اللغوي الجميل ، وعلمك الغزير ، ومرورك الكريم، ونشاطك الرائع ، وجهدك الشامخ ، ونحن نتابع بشغف ما يخطه يراعك العذب من درر.
بارك الله فيك وفي يراعك.