عرض مشاركة واحدة
قديم 04-03-2012, 10:51 PM
المشاركة 351
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
مقابلة مع الروائي الموريتاني موسى ولد ابنو

الإثنين, 18 نيسان/أبريل 2011 04:37
يعد الكاتب الموريتاني موسى ولد ابنو من ابرز كتاب الرواية المغاربية المعاصرة،حيث يتميز عالمه الروائي بالكثير من الغرائبية والعمق ،كما يتميز بانفتاحه على فضاءات متعددة في عوالم السرد،وهو ما يصعب معه تصنيف أعماله الروائية ،نظرا لغياب سمات واضحة لها،لكونها تجمع سمات متعددة ومختلفة،مما يعني انه يكتب بشكل تجريبي يكاد يكون فريدا في الرواية المغاربية المعاصرة والموريتانية بشكل محدد ،فرواياته توظف الخيال العلمي والدراسات المستقبلية ، وأدب الرحلة، و الفلسفية،و الأمثولة "الأوليجاركية"، مما يتعذر معه نسبتها إلى أي شكل من تلك الأشكال الروائية، لكن أعماله الإبداعية رغم ذلك تفصح عن مشروع فكري كبير ونظرة ثاقبة للمستقبل ،لكأن الصفة التوحيدية الشائعة تصدق عليه وهي"فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة"أما لغته فتمتاز بالكثير من التكثيف واستخدام الإيحاءات الدالة،وقوة المخيلة الشعرية والبناء السردي.

والكاتب موسى ولد ابنو يمتاز بالعصامية في الحديث حول تجربته الروائية ورغم ذلك استطعنا أن نجري معه حوارا شاملا حول بعض الإشكالات التي تطرحها الرواية في عالم اليوم ،وتلك منها التي يعالجها في رواياته "مدينة الرياح،الحب المستحيل وحج الفجار"


مدينة الرياح.. رواية كارهة للبشر
الإبداع في المشرق العربي، والنقد مغربي.. خطأ شائع، فالإبداع والنقد موجودان في كليهما، لكن التواصل شبه غائب، ومعرفة كل منهما بالآخر غير تامة، وفي هذا المقال نحاول أن نلقي الضوء على رواية مهمة على الرغم من أنها ليست حديثة الصدور، من أدب شبه مجهول في معظم أرجاء الوطن العربي هو الأدب الموريتاني، لعلها تكون بداية لنهتم أكثر بأن نعرف إبداع بعضنا البعض.
رواية "مدينة الرياح" للكاتب الموريتاني موسى ولد أبنو، (ط.أولى سنة 1996م- دار الآداب ببيروت).


رحلة الإنسان
الرواية رحلة في الزمان والمكان معا، رحلة شخص وقع في أسر العبودية طفلا، فكره الظلم الإنساني، ثم كره الجنس البشرى نفسه، وقد استطاع الكاتب أن يبني روايته ببراعة لتعبر بنائيا عن فكرته الأساسية، فقسم الرواية إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي "برج السوداء"، و"برج البيضاء"، و"برج التبانة"، وهذا التقسيم مواز لرحلة بطل الرواية في الزمان، فالقسم الأول يعبر عن العصور المظلمة؛ عصور استعباد الإنسان الصريح لأخيه الإنسان، والقسم الثاني عن عصر النهضة الأوروبية حيث استطاع الإنسان الأبيض تطوير إمكاناته ليسيطر على بقية الجنس البشري، والقسم الأخير يشير إلى مستقبل البشرية حيث يتنبأ الكاتب بأن تصبح الأرض مجرد سلة قمامة نووية كبيرة لبقية كواكب المجموعة الشمسية.
كل قسم من هذه الأقسام الثلاثة يتكون من مقدمة وخمسة فصول، وهي عبارة عن رحلة في المكان، ينتقل خلالها البطل من مكان لآخر في نفس العصر، وقد لعب الكاتب على اتجاهين مختلفين في تناول التاريخ، أحدهما يرى أن التاريخ يعيد نفسه، فنجد الشخصية الرئيسية في الرواية "فارا" ينتقل من عصر لعصر ليجد أنه لا شيء تغير في طبيعة البشر وظلمهم لبعضهم البعض، كما يستخدم الكاتب أسلوب الحلقة الروائية ليبدأ الرواية من نقطة وينتهي بها عند نفس النقطة، كما يبدأ انتقال البطل من عصر لعصر بنفس الطريقة، بل يعيد استخدام نفس الوصف في هذه الحالة والذي يستغرق حوالي صفحتين يكررهما الكاتب لتأكيد فكرته عن إعادة التاريخ نفسه وبالتالي عدم وجود الأمل في شيء أفضل، لكنه في الوقت نفسه يكتشف مع بطله أن الإنسان يطور وسائل الشر بشكل لا يمكن أن يخطر ببال، وهو هنا يستند إلى الفكرة القائلة إن التاريخ يسير في خط مستقيم إلى الأمام، وهذا السير إلى الأمام لا يعني بالضرورة إلى الأفضل، بل غالبا –وهنا يرى الكاتب أنه دائما- العكس.


برج السوداء
يعثر بعض الباحثين على جثة مدفونة على عمق سبعة أمتار في قمة جبل، يخضعون جمجمة الجثة لبعض الاختبارات والتحاليل، ويوصلونها بالحاسب الآلي، لنبدأ قراءة أفكار ومشاعر هذه الجثة التي عاشت في الفترة من 1034-2055م!!
تستولي قافلة تجار الملح على الغلام "فارا" مقابل لوح من الملح يأخذه أبوه، وترحل القافلة حيث يقدم الكاتب وصفا أنثروبولوجيا للرحلة بما فيها من سادة وعبيد وجمال، وما يواجهونه من عقبات بيئية أو مشاكل صحية، وكيف يداوون مرضاهم بالأعشاب والتعاويذ، وكيف يحملون البضائع على ظهور الجمال، وكيف يتحركون في منخفضات الصحراء ومرتفعاتها وقد ربطوا العبيد من أعناقهم، ثم صفوا الجمال وبينها العبيد كسلسلة متصلة، ثم يصلون إلى مدينة أودافوست حيث يُعرض "فارا" في سوق العبيد، ويشتريه رجل اسمه "ازباعره" فيساعده "فارا" في تأسيس مدرسة بالمسجد لمذهب الإباضية، وفي المدرسة يتعلم "فارا" اللغة العربية، ويحفظ القرآن وتفسيره، ويعي المناظرات الكلامية والفلسفية.
يكتشف أهل أودافوست أن آبار المدينة جفت، يصلون صلاة الاستسقاء، وفي نهاية الصلاة يفاجئون برجل دميم يخطب فيهم منددا بهم لاسترقاقهم المسلمين رغم ادعائهم الإسلام، وتعاليهم، وتكالبهم على الدنيا.. يتعرف "فارا" على أمة جميلة "فاله"، ويشاركان في التحضير لثورة العبيد التي تفشل لوشاية بعضهم ببعض، ويلقيه سيده في بئر الكنيف ليعاقبه، يأتيه الرجل الدميم "إذا كنت ترفض القدر، فاهرب من البشر، والجأ إلى الصحراء، وانتظر أمر ربك". فيهرب إلى منطقة "تنين الرمال" التي يعتبرونها موطنا للجن وأن النجاة من تيهها نادر الحدوث.
في هذا القسم من الرواية نستمع إلى صرخات "فارا" المطالبة بالمساواة معلنا كراهيته المطلقة للبشر واحتقاره لهم "هذه الرمال النقية، السابحة في الضوء، كان يمكن أن تكون ذات جمال مطلق، لو لم تكن ملوثة بهذا البشر".
برج البيضاء

الروائي المورتاني موسى ولد أبنو
ينفرد "فارا" بنفسه في الصحراء، يصلي ويتعبد، وينفد ماؤه وطعامه حتى يشرف على الهلاك، تهبط سحابة تحييه بمائها، ويرى "الخضير".. يطلب "فارا" من الخضير أن يعيده إلى العدم ليكفر عن ذنب وجوده، يخبره الخضير أن هذا مستحيل، لكنه يمنحه فرصة السفر إلى المستقبل، له أن يختار محطة مستقبلية ليعيش فيها، وإذا لم تعجبه فسيختار أخرى، لكن الثانية ستكون الأخيرة وسيموت فيها.
تعثر قافلة الباحث الأثري الأوروبي "فوستباستر" وعشيقته السوداء "فاله" على "فارا" الذي يلاحظ أحوال القافلة باندهاش، لكنه لا يستطيع الإجابة عن أسئلة الباحث الأثري؛ من هو ومن أين وإلى أين؟؟ أكثر من تسعة قرون تفصل بين الزمن الذي تدور فيه أحداث "برج السوداء" وأحداث "برج البيضاء".
"فوستباستر" يبحث عن أطلال مدينة أودافوست التي اختفت تماما، في الحلم يتذكر "فارا" أودافوست ويتحدث عنها بالتفصيل، لكنه في اليقظة لا يتذكر شيئا، تصل قافلة الباحث الأثري إلى مدينة تجفجه فتجد آثار معركة بين المستعمرين والأهالي، وقد قام قائد الحصن بتعليق وجهاء المدينة ليعترفوا بمكان الثوار الذين يسميهم إرهابيين والذين قتلوا القائد السابق للحصن.. يشعر "فارا" أنه يدور في دائرة جهنمية، وأن الزمن الذي انتقل إليه ليس بأفضل من الزمن الذي هرب منه. فيهرب مرة أخرى إلى خلوة ينتظر فيها أمر ربه.


برج التبانة
ينتقل "فارا" إلى سنة 2045م، ليجد نفسه أمام مركز لتخزين النفايات السامة، وقد أصبحت البلاد ملكا لأبنائها، وحاكمها "تنفل" أحد أحفاد "فارا" و"فاله"، والذي حول البلاد إلى مقلب زبالة نووية، مقابل المكاسب التي يحصل عليها هو وحاشيته، والعاصمة هي مدينة الرياح، المآل الأخير للشر البشرى الذي أصبحت معه "الكرة الأرضية مصنفة الآن من قبل النظام العالمي مستودعا للقمامات على مستوى المجموعة الشمسية". يعمل "فارا" إجباريا في مركز النفايات السامة، ثم يهرب من المركز.
وفي مدينة "أطويل" يتعرف إلى "فاله" المغرمة بالطبيعة، والتي هربت من مدينة الرياح المجللة بالغبار المشبع بالإشعاعات النووية.. "فاله" لديها ابن منعوها من اصطحابه لأنه لم ينه دراسته الإجبارية، وعندما حاولت اختطافه مرتين وضعوها في السجن، وهي مستعدة لدفع حياتها ثمنا لإنقاذه من مدينة الرياح.
يشارك "فارا" "فاله" في عملية مقاومة لاصطياد سائقي شاحنات النفايات النووية، فيتم القبض عليهما، بعد أشهر من سجنه يعلم "فارا" أن "فاله" عادت إلى مدينة الرياح، وأنها ستتزوج الحاكم لتأمين مستقبل ابنها، ويتم الحكم على "فارا" بالإعدام في نفس المكان الذي بدأ فيه خلوته الأولى، وقد تيقن من أن نبوءة الخضير آتية لا محالة "لو واصلت السير في المستقبل، فإنك ستجد الأرض وقد أصبحت كومة رماد، والشمس وقد انطفأت".


الظلم مستمر.. والثورة أيضا
على الرغم من مقت الكاتب للظلم الإنساني، ووصفه للعبودية الصريحة، ثم الاستعمار الأجنبي، ثم استعباد الحكام المحليين لبلادهم، فإنه اضطر أن يصف الوجه الآخر من الصورة، وهو التمرد والثورة، وحتى إن لم تكتمل تلك الثورة وتؤتي ثمارها، فالعبيد حاولوا التحرر، والثوار حاول القضاء على المستعمر، وأنصار البيئة يحاولون مقاومة زرع مراكز النفايات النووية في بلادهم، فالظلم مستمر وقوي وجبار، لكن الثورة مستمرة أيضا مهما تكن وسائلها ضعيفة وأنصارها قلة، وهذا ما يمنح شعاعا من الأمل في ليل اليأس الطويل من البشرية التي لا يرجو الكاتب منها خيرا.


الضمائر واللغة
في الصفحات 7و8 والسطور الثلاثة الأخيرة من الرواية نجد صوت الراوي العليم الذي يتحدث عن كيفية العثور على الجثة، وتوصيل الجمجمة بالحاسب الآلي، ثم كيف أصبحت كل حياة "فارا" شريطا محفوظا في المكتبة العمومية بمعهد أركيولوجيا الفكر البشرى.
لكن الراوي الأساسي في الرواية هو "فارا" الذي يتحدث بضمير الأنا، وهو سارد غير عادي، لأنه سارد عليم، فهو يسرد وقائع حياته وأفكاره ومشاعره وتنقلاته عبر المكان والزمان، لكنه في الوقت نفسه ميت، والحاسوب هو الذي يقرأ كل ذلك من خلال ذاكرة جمجمته، وهذا السارد أعطى الكاتب فرصة جيدة للتغلغل في أفكار "فارا" ومشاعره، ليصفها، ويحدد منابعها، وأسبابها، ويحللها، رابطا إياها بصيرورة تاريخ الجنس البشري، الذي لم يكن أكثر من تطور أساليب الشر.
وفي الرواية سارد آخر هو "فوستباستر" الذي استخدمه الكاتب ليكتب رواية قصيرة داخل الرواية الأساسية التي يحكيها "فارا"، ليلقي الضوء على حياة "فاله" التي شاركت "فارا" جميع سفراته عبر الزمان بنفس الاسم وإن كانت بأشكال مختلفة. وهنا يستخدم السارد ضمير المخاطب.
كما استطاع الكاتب أن يلون استخداماته للغة السرد حسب مقتضيات الحال، فجاءت اللغة وصفية مباشرة عندما يقدم مشهدا واقعيا، أو يصف وقائع تهم الباحث الأنثروبولوجى والاجتماعي، وكانت لغته أقرب إلى التصوف عندما يستبطن مشاعر "فارا" في خلوته التي ينتظر فيها أمر ربه، وهي لغة ذات نَفَس فلسفي واضح عندما يعلن "فارا" رأيه في الجنس البشرى وملاحظاته عنه.


ملاحظات سردية
على الرغم من الوعي الشديد الذي كتب به المؤلف روايته فإنها لم تسلم من بعض الملاحظات التي أعتبرها غير هينة؛ فصوت الكاتب يظهر في بعض مواطن الرواية معطيا معلومات أو وصفا لا نتخيل أن الشخصية التي تتحدث تعرفها، أو تناسب ثقافتها، فهي بالأحرى نابعة من ثقافة الكاتب نفسه، كأن يشبه "فارا" نفسه بآليس في بلاد العجائب.
وعندما يقدم الكاتب "تالوثان" رئيس القافلة المتجهة إلى أودافوست في صفحتي 20 و21 تظن أنه يقدم شخصين وليس شخصا واحدا، في ارتباك سردي واضح.
الأهم من ذلك أن الكاتب يأتي بحكاية فرعية عن تالوثان لا تضيف شيئا للرواية بل تعوق سيرها (ص28 إلى ص32) ويقع الكاتب في خطأ سردي كبير؛ لأن الرواية التي نقرؤها عبر الحاسوب من ذاكرة جمجمة "فارا" لا يمكن أن يوجد فيها خط سردي لما يدور في ذهن "تالوثان".

نص المقابلة

ماهي الأسئلة الكبرى التي تطرحها الرواية في عالم اليوم؟


قبل أن أجيب على جوهر السؤال المطروح أريد في البداية الإشارة إلى مسالة مهمة ،وهي ما يقال دائما من أن الرواية جنس دخيل على الأدب العربي وعلى الثقافة العربية بشكل عام ويقال كذلك إن الكتاب الروائيون العرب بدءو كتابة هذا الجنس الأدبي محاكين في ذلك كتاب الرواية في الأدب الغربي وأنا بالنسبة لي لا أصدق هذا الطرح ولا هذا الادعاء ،وللحديث عن تجربتي الشخصية في الكتابة يمكنني أن أقول لك بأنني لم اختر الشكل الروائي الذي اكتب به كما أنني لم اكتب فن الرواية كخيار،بمعنى أنني لم انطلق من تخطيط مسبق ،ولك أقرر ذات يوم بأنني سأتحول من دارس ومدرس للفلسفة كي أصبح كاتبا روائيا ،فانا كما هو معروف متخصص في الفلسفة وخريج جامعة السربون بفرنسا،بعد ذلك تخرجت من المعهد العالي للصحافة بباريس واشتغلت في العديد من الوظائف قبل العودة إلى موريتانيا حيث عملت في مجلة "جون أفريك"ذائعة الصيت واشتغلت بعد ذلك في الأمم المتحدة وكنت اسكن بالولايات المتحدة الأمريكية وإبان تلك الفترة لم يكن لدي ابسط اهتمام بالأدب الروائي ولم أكن قد قرأت أي رواية ،لكنه في سنة 1989طلب مني زميلي وصديقي المرحوم جكانا أن أسس معه قسما للفلسفة بجامعة نواكشوط الفتية واستجابة لطلبه قبلت الدعوة وعدت إلى العاصمة نواكشوط حيث كنت اقطن في بيت متواضع بحي شعبي بمقاطعة السبخة الحالية وفي هذه الفترة بالذات كتبت رواية الحب المستحيل وربما يعتبر من المفارقة أنني كتبت في هذا الحي الشعبي حيث لا توجد محفزات كبيرة على الإبداع مقارنة بما كان متاحا لي وأنا أقطن بمدينة نيويورك فبعد العودة إلى نواكشوط إذن وجدتني اكتب رواية الحب المستحيل حيث نشرت نصها الأصلي باللغة الفرنسية سنة 1990لكن تعريبها لم يتم إلا في سنة 1994

هل تريد أن تقول بان الرواية ليست إجابة عن سؤال محدد مرتبط بمعطيات وظروف معينة؟


هذا ما حصل معي حينما كتبت روايتي الأولى حيث أن ظروف العمل في أكبر وأهم مدينة بأكبر دول العالم وأكثرها تأثيرا في العالم ،وتعدد القضايا الكبرى المطروحة ،كل ذلك لم يجعلني أكتب رواية الحب المستحيل ،لقد تم ذلك فقط في حي السبخة الشعبي،وببيت متواضع جدا، وأنا اعتبر هذه الرواية تأليفا جديدا في الزمان والمكان ،وأتذكر إنني عندما أنهيت كتابة رواية الحب المستحيل سلمتها لأحد الأصدقاء وكان آنذاك رئيس قسم الأدب الفرنسي بجامعة نواكشوط، فلما اطلع عليه أخبرني بان هذا النص يدخل في صميم الرواية الأدبية وهو الذي شجعني على نشرها ثم لجأت إلى تعريبها في ما بعد،من جهة أخرى أشير إلى أن الكاتب قد يرسم تصورا عاما للموضوع، لكنه حين يستغرق في كتابة النص يصبح هذا الأخير هو المتحكم في النهاية، بمعنى انه لا يمكن تصور ما سيقوله النص ،فمصيره يتحقق بعد كتابته وهي نفس التجربة التي خضتها في الكتابة، لكنني بعد الانتهاء من الاشتغال بالنص أعيد قراءته كقارئ وليس ككاتب.


أنت تفضل أن تقول بان رواية الحب المستحيل قد عرفت طريقها إلى القارئ العربي عن طريق التعريب ولا تقول الترجمة؟


هو في الحقيقة تعريب وليس ترجمة،فالتعريب هو إعادة كتابة العمل من جديد مع الحفاظ على روحه، فالشخوص لازالت هي نفسها وكذلك الأحداث والعقدة ،فالتعريب هو إعادة بناء للمنجز الإبداعي وتقديمه بصيغة جديدة تتواءم مع السياق التاريخي والبعد الثقافي للغة المنقول إليها النص الأدبي.


من هو الكاتب الروائي بالنسبة لك ،هل هو مبشر بقضية معينة، هل هو مصلح اجتماعي أو سياسي؟وبعبارة أخرى هل الكاتب موسى ولد ابنو يكتب الرواية من منظور فلسفي ،هل يريد التعبير عن أفكاره الفلسفية بالاتكاء على تقنية السرد؟


سبق وان سالت نفسي نفس السؤال لكنه بالصيغة التالية: لماذا اكتب الرواية؟لكنني توصلت إلى الإجابات التالية أولا أنا اكتب الرواية كفيلسوف لكن بشكل مختلف عن طريقة الفلاسفة القدماء ،ثانيا أنا اكتب الرواية لأنني وجدت أنها تدخل في صميم الوجدان العربي الإسلامي ،فالرواية ليست نمطا جديدا من الكتابة ولدينا العديد من الأمثلة على ذلك في حضارتنا العربية الإسلامية، كالرواية الفلسفية عند ابن سيناء ،ورواية حي ابن يقظان لابن طفيل ،والرواية جزء من المقومات الثقافية للحضارة العربية الإسلامية ،وهي من ناحية أخرى ليست ديوان الشرق ولا ديوان الغرب كما يقال بل ،إنها ديوان الإنسانية جمعاء ،من هنا يمكن أن أقول لك إنني بكتابتي للرواية لم أكن أصدر عن تقليد للغرب ولا أي كاتب مشرقي آخر، لكنني كنت استلهم التراث الديني الإسلامي الذي هو مرجعيتي الأولى وخصوصا النصوص القرآنية المقدسة وبالتحديد سورة الكهف"يقول جل من قائل (فاقصص عليهم القصص لعلهم يتفكرون)وقد لجأت إلى استنطاق التراث الديني وتوظيف القصص القرآني في رواية مدينة الرياح خاصة الجزء الأخير من سورة الكهف ،كما إن إشكالية معنى التاريخ كانت حاضرة بقوة في هذه الرواية إضافة إلى سؤال الوجود ،كنت أتساءل مثلا هل الإنسان يصير من سيئ إلى أسوأ،هل يصير من سيئ إلى أحسن ،هل الإنسان يصير تبعا لما يعمل في التاريخ ؟،ثم إن حكاية للازمن الموجودة في قصة أهل الكهف الواردة في القرءان هي التي جعلتني أنتج شخصية "كارا" في رواية مدينة الرياح،وأريد أن أصل إلى أن القرءان بأسلوبه القصصي أسعفني في حل معضلات تقنية كتابة الرواية ولست متأثرا بأي كاتب آخر،أما في ما يتعلق بالإجابة على الشق الأول من السؤال فأحيلك إلى رواية الحب المستحيل التي اعتبرها نقد لما آل إليه عالم التقنية ،ففي هذا النص نقد للعالم الذي غاب منه العقل وأصبح كل شيء محكوما بالتقنية الحديثة التي لا تستمع لمنطق العقل ،وقد لجأت في ذلك أيضا إلى استلهام البعد الإسلامي في القضية ،ففي الآية الأخيرة من سورة الأحزاب "إن الإنسان خلق ظلوما جهولا..."وربما نظرا لشمولية الطرح في هذه الرواية اعتبرتها رواية إنسانية، على الرغم من أن فكرتها الأولى كانت تدور حول كتابة نص موريتاني بحت ،حيث أنني تصورت شيئا ثلاثي الشكل على نمط الكؤوس الثلاثة للشاي أو الجوانب الثلاث لآلة "التيدينيت" "الكحلة،البيضة،لكنيدية".


إلى أين تتجه الرواية اليوم في ظل تقنيات الاتصال؟هل ستختفي أم سينحسر دورها مثلا؟


أنا اعتقد أن وسائل الاتصال وتطورها المتسارع من شانه أن يدعم النص التقليدي ويعطيه دفعا إلى الأمام، كما أن نفس الوسائل من ناحية أخرى تمثل تحديا كبيرا لهذا النص، لكونها أصبحت تفرز أنماطا جديدة من الكتابة الروائية تسمى" الكتابة التفاعلية" وهي الكتابة التي أصبحت تعطي الفرصة للقارئ كي يشارك في الصيغة النهائية للنص ،حيث لم يعد الكاتب هو المتحكم الوحيد في الصياغة النهاية للعمل المنجز، كأن يكتب فصلا أو فصلين ويضعهما في متناول القارئ عبر الانترنت ويضيف هذا الأخير فكرته على النص وهكذا حتى تكتمل الصورة النهاية التي تستجيب لذوق الكاتب والقارئ في نفس الوقت.


لكن هذا النمط من الكتابة يعرض النص للضعف من حيث قوة السبك وعمق الفكرة مادام متاحا لقارئ عادي أن يشترك في انجازه؟


لا اعتقد ذلك ،لان هذا النمط من العلاقات بين الكاتب والقارئ كان موجودا،وان كان التواصل بينهما هو الذي كان مفقودا،فالقارئ مثلا كان يقرأ النص رغم أن فكرة معينة أو أسلوبا معينا قد لا يعجبه ،لكنه لا يمتلك فرصة في التعبير عن ذلك.


لقد مضت حوالي ثلاث سنوات على صدور روايتكم الأخيرة حج الفجار والتي هي الجزء الأول من رواية ثلاثية، هل لنا أن نتساءل عن مصير الجزأين الأخيرين ؟


إن نية نشر الجزأين الأخيرين لا زالت موجودة،لكن الظروف العامة المحيطة بالكتابة تمتاز بالصعوبة خصوصا وأننا في موريتانيا نعيش أجواء سياسية تلقي بظلالها على كل شيء بما في ذلك الأدب الذي يحتاج أجواء هادئة إلى حد ما،لكن ما يمكنني أن اعد به هو أن الجزأين الثاني والثالث من حج الفجار قد يتم نشرهما باللغة الفرنسية قبل تعريبهما ،وأنا الآن بصدد كتابة الجزء الأخير باللغة الفرنسية تحت عنوان"mec paeenneمكة الوثنية" علما أن الجزء الأول الذي تم نشره تحت عنوان :حج الفجار"كان قد عرب عن النص الأصلي الذي كتب بالفرنسية تحت عنوان"l appel de l amie نداء الخليل"

ولماذا الكتابة باللغة الفرنسية،هل لأنكم أكثر تمكنا منها مقارنة باللغة العربية؟


أنا الجأ إلى الكتابة باللغة الفرنسية كهروب من اللغة الأم وكي أتمكن كذلك من النظر إلى اللغة العربية بموضوعية ثم إن الكتابة باللغة الفرنسية تساعدني أكثر على التحرر من القيود.


راج في الآونة الأخيرة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر بالتحديد مصطلح الإرهاب وهو مصطلح إن لم يكن بالجديد لكن الصيغة التي أصبح يطرح بها مختلفة عن ما كانت تتناول به في السابق ،أين الرواية إذن من هذه الظاهرة وكيف تقيمون علاقة الرواية بالإرهاب؟


أعتقد أن رواية الحب المستحيل هي أول رواية عربية تتحدث عن الإرهاب وترفضه رغم أنها نشرت قبل انتشار ظاهرة الإرهاب التي يتحدث عنها العالم اليوم ،ففي هذه الرواية يدور نقاش بين بعض شخوصها عن ظاهرة الإرهاب ،فاحدهم يخاطب الإرهابي قائلا"إن حياة بشر واحد أفضل من كل القضايا " .


كيف تنظر إلى علاقة الكاتب الروائي بالناقد، هل أن الروائي الناجح مدين لشخص الناقد أم أن وجود مبدعين جيدين هو الذي يساهم في وجود ناقد جيد؟


وجهة نظر الناقد حول النص المنجز أساسية جدا، فالنقد الجيد ينتج مبدعين جيدين كما أن الناقد الحقيقي مبدع لنص جديد.


ما هي قراءتك للساحة الأدبية الموريتانية اليوم؟


أنا أرى أن الأدب الموريتاني يمتاز بخصوصيتين على مستوى الأدب العربي وذلك من خلال قضيتين، الأولى هي ازدواجية الكتابة باللغة العربية والفرنسية،فنحن لدينا مبدعون يكتبون باللغتين، أما الناحية الثانية هي أن الأدب الموريتاني أصبحت تنموا فيه مدرسة للخيال العلمي وهذا شيء جديد، أما أهم الروايات التي تنحوا هذا المنحى وتكتب باللغة العربية فأذكر منها على سبيل المثال محمذن بابا ولد اشفغ والمختار السالم احمد سالم أما الذين يكتبون باللغة الفرنسية فاذكر روايتين متميزتين جدا لكاتب موريتاني مقيم بتونس ثم روايتي الحب المستحيل ومدينة الرياح.


اجري الحوار: جمال محمد عمر