عرض مشاركة واحدة
قديم 08-06-2010, 02:40 PM
المشاركة 5
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • موجود
افتراضي رد: تعلم كيف تـُربي .. وتعلم كيف تـُنشئ
الأول
ستكون تلك القصص بما لها من أساليب مشوقة دافعا لاستقرار الطفل فى المنزل وعدم سعيه الدائم للخروج إلى المجتمع فى ظل المحاذير التى نعانيها بعصرنا الحالى ..

والثانى
ستكون تلك القصص هى الطريق والتدريب اللازم لحب القراءة والذى من الممكن أن يكبر تدريجيا مع الطفل فيستبدل ما يطالعه بما يناسب كل مرحلة سنية قادمة .. إضافة إلى أن تعود القراءة سيكسب الطفل الثروة اللغوية اللازمة لتدشين اللغة العربية السليمة بأعماقه وهو أهم هدف فى تلك الفترة

بقي أن نقول أن تلك الفرة هى فترة التأديب الجبري بمعنى أن العقاب يكون ماديا بالضرب عند الأخطاء ولكن بمراعاة لوازم هامة .. تلك اللوازم تتوافر فى أن العقاب يكون متناسبا مع الخطأ من ناحية ومع تكراره من ناحية أخرى ..

إضافة إلى الحرص الكامل فى عدم التجاوز فى العقاب مع ضرورة وجود المكافاة فى حالة الالتزام وتعميق الشعور لدى الطفل أنه سيكافئ بشكل مضاعف على أفعاله الحسنة التى يقوم بها بمبادرة منه حتى لو كانت مجرد ممارسة هواية الرسم مثلا .. فيجب أن يـُظهر الأب اهتماما فائقا بما يقدمه إليه الابن مهما كان المقدم منه تافها أو عرضيا لأن مجرد سعى الابن لكسب رضا والده أمر بالغ الأهمية يجب أن يكون فى قمة اهتمام الأب .. نضيف إلى ذلك أن العقاب المادى للطفل يجب أن يقترن بهيبة الأب بمعناها الصحيح ..

فما أبعد الفارق بين طفل يخشي من أبيه ويخافه وطفل آخر يخشي إغضاب والده ..
فالطفل الأول تحكمه عقدة الخوف من عقاب والده بينما الثانى يحب والده ويحترمه بأعماقه على نحو يجبره على السعى إلى رضاه وهى نفس نظرية الحاكم المتسلط والحاكم الصارم العادل كلاهما يتمتع بخشية مواطنيه لكن الفارق ضخم بين الخشية مع الاحترام والحب والخشية مع تمنى زوال أسباب الخوف


وتأتى المرحلة الثالثة حاملة معها رياح الادراك والفتوة والأهم مرحلة البلوغ وما يتبعها من آثار .. وتلك المرحلة ليست مرحلة تعليم جبري لكنها مرحلة مصاحبة وإختبار لما سبق أن تعلمه الطفل فى سابق السنوات ..

بمعنى أن دور الأب هنا يقتصر على المتابعة الحثيثة لتصرفات الابن وتركه على حرية نسبية وليست مطلقة واختبار ردود أفعاله إزاء الأشياء بحيث تكون رقابة الأب هنا خفية والعقاب لا يكون هو الجزاء الوحيد إزاء الخطأ كما فى المرحلة السابقة بل يكون العقاب الأول هنا مصارحة الفتى بخطئه وإحراجه أمام نفسه كصديق أخل بوعده أمام صديقه ..

ومع العتاب أو العقاب المناسب يكون الاصلاح وإعادة التأهيل مع الوضع فى الاعتبار حقيقة بسيطة للغاية تغيب عن معظم الآباء .. أنهم كانوا فى يوم من الأيام فى سن أبنائهم وفعلوا نفس الشيئ وربما أكثر لكنهم عندما تثور ثائرتهم على تقصير الأبناء يتعاملون مع أفعالهم بسن الأب لا بسن الشاب الجامح الرغبة

ومن مطالب المرحلة الثالثة شدة الحرص والمتابعة عن بعد بشكل ما لصداقات وأقران الأبناء .. والرقابة هنا يجب أن تكون بعيدة لحفظ اتزان الابن فى سنه الحرجة المتمردة والتى يشعر فيها بكيانه ويرفض من داخله تدخل الأبوبن فى حياته الشخصية أو توجيه اللوم إليه أمام الغير " وهى عادة سيئة لدى بعض الآباء ترتب أثارا نفسية ضخمة " .. ومن هنا كانت أهمية أن تكون المرحلة الثالثة مرحلة مصاحبة وتقارب شديد بين الأب والابن ..

وفى العصر الحالى .. صارت مسألة رقابة الأقران وأصدقاء الأبناء أهم مهمة للأب فى تلك الفترة .. مع كل ما يسببه الأقران من كوارث فادحة بشخصية الأبناء ولذلك على الأب توخى الدقة فى الكشف عن تصرفات الابن ومعاملتها بشكل مختلف

فان كانت ناجمة عن وسوسة لأحد أقرانه .. وأتى الابن بفعل خاطئ تحت تأثير القرين ـ مهما كان بسيطا ـ هنا يجب أن تكون ثورة الأب عارمة وقوية بعكس الحال اذا كان الخطأ بفعل الابن ذاته ومن عقله هو .. يكون العقاب مخففا

لأن تلك الطريقة ستدفع الابن لادراك خطورة الانسياق خلف قرين من ناحية .. ومن ناحية أخرى فان ما يتسبب فيه الابن من أخطاء تكون ناجمة عن عقله هو أمر سهلُ معالجته بجلسة عتاب أو عقاب واحدة لأن الأب يخاطب عقل ابنه مباشرة ويقنعه ..

أما إذا كان الفعل من وسوسة الأقران فهنا لن تفيد جلسات المصاحبة لأن ما سيفعله الأب سيفسده القرين فى اليوم التالى .. ونقطة أخرى بالنسبة للعقاب البدنى والذى يجب أن يتغير فى مفهومه عن المرحلة السابقة .. بحيث يكون العقاب فى أضيق الأحوال ولابد أن يتحلى الأب بطبيعة الرصانة والعزة فى غضبه لأن اعتياد الآبناء على ثورة وعقاب الآباء يسقط هيبة هذا العقاب من حسابهم نهائيا باعتباره أمرا روتينيا يحدث بسبب أو بدون سبب

وتتطلب المرحلة الثالثة باعتبارها مرحلة المصاحبة ضرورة هامة هى الحوار الدورى بين الأب والابن وهو أمر إذا غفل عنه الآباء سيكون كفيلا بتدمير المرحلتين السابقتين لأن الحوار داخل المنزل سيغنى الشاب عن طلبه خارج المنزل

والحوار بين الأب والابن يجب أن يكون بمحتوى معين لا مجرد سؤال عن الأقران أو الأحوال فى الدراسة وما إلى ذلك من أحاديث تعمق بداخل الابن فكرة الولاية لا فكرة المصاحبة..

والأب المربي حقيقة هو من يدرك الجانب الفكرى الذى يلفت نظر الأبن فيحدثه فيه بأسلوب يتعمد فيه الأب اظهار احترامه لوجهات نظر الابن حتى لا تؤدى استهانة الأب بوجهات نظر الابن إلى الاشكالية المعروفة بين الجيل القديم والجيل الجديد والتى نسمعها بالعبارة العامية المأثورة " أبويا دقة قديمة .. "

كما يجب أن يركز الوالد فى المناقشات على المقارنة بين التجارب وتقرير المثل العليا بشكلها الصحيح أمام أبنائه لأن فترة المراهقة هى فترة الذبذبة بين إدراك الحق والباطل لا سيما ونحن فى عالم متغير يمتلئ بالمتناقضات .. فحرص الأب هنا لازم وجوبا ليعرف الأبناء سير سابقيهم من العظماء ولماذا وكيف أصبحت لهم تلك المكانة فضلا على إظهار المفاهيم الصحيحة للمعانى التى اختلت كالفن والابداع والتحضر والرقي والقوة والحرية والحق وكيفية ممارسته .. فكلها أصبحت مجالات مشوهة بعد إطلاق نفس الأوصاف على أنشطة مخالفة للطبيعة الفطرية

هذه ببساطة المبادئ العامة لاخراج النشئ .. وهى التى تاهت عن عقول الآباء فى خضم الظروف الحياتية المتقلبة وانحسار دور المجتمع تماما فى تربية الناشئين .. وتلك المبادئ لن تكون قابلة للتطبيق مع الآباء الفاقدى الثقافة والمعرفة فى الأصل لأن القاعدة تقول " فاقد الشيئ لا يعطيه " ..
كما أنها لن تكون ذات نفع مع الآباء والأمهات اللواتى فضلن الطموح الشخصي على منح الوقت والجهد الأكبر لرعاية الأبناء والاكتفاء بتوفير المستوى المعيشي الملائم وفقط باعتبار أن توفير هذا المستوى كفيل باخراج الأبناء الى خضم الحياة سالمى النفس والبدن أو كما يحلو للبعض ترديد المقولة الشهيرة " متربيين أحسن تربية "

أو إظهار الضجر ليل نهار من أثر مسئوليات الأبناء وتكاليفها وكلا الطريقتين تخلق حساسية وشعور بالمن لدى الأبناء .. وهذا طبيعى لأن تربية الأبناء ليست عملية ربحية خضع لقوانين السوق المعهودة ..

بل هى أخطر مهمة للانسان كما أنها سر بقائه ومقياس حضارته وأساس رسالته فى هذه الحياة ..

ويكفي أن ندرك أن التربية السليمة للأبناء تكفل الخلود للآباء .. بينما الأب الغافل عن مفهوم التربية الصحيحة يموت حين يموت ..