الموضوع
:
أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية.
عرض مشاركة واحدة
02-09-2012, 01:03 PM
المشاركة
241
ايوب صابر
مراقب عام سابقا
اوسمتي
مجموع الاوسمة
: 4
تاريخ الإنضمام :
Sep 2009
رقم العضوية :
7857
المشاركات:
12,768
العشاق
د. جوني منصور
رواية " العشّاق" لرشاد أبو شاور في طبعتها السادسة (2004) عن
المؤسسة العربية للدراسات والنشر ـ بيروت، تؤكد من جديد حيوية القضية الفلسطينية
وكونها، أي القضية، ليست مسألة عابرة إنّما تبحث في ثنايا هذا العالم عن إحقاق
العدل وتثبيت الحقوق المشروعة لشعب شُرّد بصورة وحشية لم يشهد مثلها التاريخ البشري
من قبل
.
والرواية في مختصرها تنقل صورة التشرد الفلسطيني منذ العام 1948 حتى
مطلع السبعينات، خاصة تلك الصورة القاتمة للغاية التي أعقبت نكسة أو نكبة 1967 وما
حل بفلسطينيي المخيمات من مصائب وكوارث
.
وأبو شاور لم يتمحور فقط في الأحداث
المتعلقة بالفترة التاريخية المشار إليها سابقا فحسب، بل إنه سعى في صفحات كثيرة من
روايته إلى تثبيت التاريخ العريق والقديم للفلسطينيين في ارض آبائهم وأجدادهم
.
وإذا كان أبو شاور قد اختار مدينة أريحا وضواحيها مركزًا أساسيا ورئيسيا لأحداث
روايته، فإن هذا الاختيار جاء ليؤكد مدى ارتباط الفلسطيني بأرضه وعلاقته غير
المنقسمة مع تاريخه وماضيه
.
فأريحا وما تمثله من عراقة في التاريخ والدور
الإنساني الذي لعبته لم تتفرغ كليّا من سكانها، أو بالأحرى لم تتحول إلى مدينة
فارغة من أهلها، بل إن أهلها بقوا فيها على مدى قرون طويلة متناقلين تراثها بكافة
مركباته
.
وبالرغم من العواصف العاتية التي لحقت بهذه المدينة عبر المسيرة
التاريخية الخاصة بها وبسكانها، إلا أنها ما زالت صامدة في وجه العتاة الظالمين
.
وهذا ما عكسته هذه الرواية في طرحها هجمات يشوع بن نون وورثته في عصر الظلام
الحالي
.
وبكون مسيرة تاريخ الفلسطيني غير مفروشة بالورود إنما بالأشواك
والأشواق في الوقت ذاته، فإن الحب والعشق لا يبرحان أحداث هذه الرواية. كيف لا،
فالفلسطيني الذي أحب، وما زال، أرضه وجبالها ووديانها وأنهارها ومدنها... ، يعرف
كيف يحب أخيه الإنسان ويحترمه ويقدره. فالحب الصافي والنقي والحقيقي يواكب أحداث
الرواية بين محمود وندى اللذين يخططان مستقبلهما رغم كل الصعاب والمتاعب. فقرار
الفلسطيني أن الحياة ستستمر، وهو أي الفلسطيني المجبول بالصلابة والقوة والعنفوان
يعرف كيف يحب وكيف يتحول حبه هذا إلى تضحية حقيقية ملموسة على ارض الواقع
.
ولا
يفوت ابو شاور في روايته هذه، وهو المعروف عنه مواقفه الثابتة والصريحة من توجيه
الانتقاد السياسي اللاذع للأنظمة العربية كافة حول تعاملها مع الفلسطينيين عبر
التاريخ الخاص بالقضية، إصراره على أن الفلسطيني قادر لوحده على إدارة قضيته
وتوجيهها نحو الوجهة الصحيحة والسليمة ليحقق حلمه في إقامة دولة فلسطينية حقيقية
غير مقطوعة ومشلولة
.
سأحاول في دراستي هذه التطرق إلى بعض الجوانب التاريخية
المطروحة في رواية "العُشّاق" بهدف فهم وإدراك كيفية نجاح ابو شاور في تجنيد الحدث
التاريخي لتثبيت الحدث أولاً ثم لاستخدامه في بناء الرواية
.
ومجددًا لست بصدد
دراسة الملامح الروائية أو الفنية في هذه الرواية، إنما ما تحويه من أحداث تاريخية
جُندّت على مسار تقدم الرواية
.
*)
ذاكرة المكان وحيوية الحدث
يُكثر أبو
شاور من استخدام أسماء المواقع التاريخية والجغرافية في روايته هذه. ويحاول أن يورد
أكبر قدر منها، خاصة في كل ما له علاقة بمنطقة أريحا. إضافة إلى أسماء مواقع أخرى
بعيدة ذات صلة بأحداث الرواية، مثل القدس ونابلس والخليل
...
ولا يكتفي بذكر اسم
الموقع في سياق الرواية بل يحاول بعمق اكبر ذكر مرادفات أخرى للاسم ذاته، أو كما
يرد على السنة الفلسطينيين حسب مواقع عيشهم وتواجدهم
.
فـ " البحر الميت" وهو
الاسم الأكثر شيوعًا لتلك البحيرة الواقعة بين فلسطين وشرقي الاردن، والأكثر
انخفاضا في العالم تحمل أسماء أخرى كانت مستعملة لدى الفلسطينيين في السابق، وما
زال عدد قليل منهم يميل إلى استخدامها. فمن بين هذه الأسماء " بحيرة لوط"، " بحيرة
سدوم"، " البحيرة الميتة"، " بحيرة الملح". وهذه الأسماء مرتبطة تاريخيا وواقعيا
بالمكان ذاته المعروف بـ " البحر الميت" الى يومنا هذا
.
ويقدّم ابو شاور وصفًا
لمناطق محيطة بأريحا ـ محور أحداث الروايةـ فيذكر جبل القرنطل( ص 6 ، 47 ، 48) وهو
الجبل الذي جرّب فيه إبليس السيد المسيح، وفيه اليوم دير للرهبان الارثوذكس. وهذا
الجبل وقور وأسطوري في صموده وإشرافه على بقعة منطقة أريحا
.
وجبل التجربة هذا
الشامخ الجليل، حكيم وقور، صخري، برونزي في الصباح، رصاصي في الظهيرة، وداكن عند
المساء، وأسود في الليالي القمراء، رهبانه ونساكه ينتظرون المسيح " ما يدريني أنهم
لا ينتظرون، وأنهم ورثوا الانتظار عن أقوام خلت، وأن الانتظار هنا بلا فائدة. ولكنه
ضروري مع ذلك"(ص 101
).
لا يفقد الفلسطيني الأمل في عودته إلى موطنه وتحرير نفسه
وأرضه من الاحتلال، فهو ينتظر كالرهبان المشار إليهم في رواية أبو شاور، حتى لو لا
توجد فائدة من هذا الانتظار التاريخي الطويل والمديد إلا انه ضروري لوجود بارقة أمل
ما زال الفلسطيني يراها في أُفق حياته مهما حصل من أحداث مؤلمة وموجعة
.
ومع كل
هذا، لا يترك أبو شاور أبطاله ينتظرون من منطلق الضرورة الواجبة، بل يدعوهم إلى
تحقيق الأمل بالعمل، أي ضرورة التحرك وعدم التوقف على وجه الإطلاق
.
وبالنسبة
للمخيمات المحيطة بأريحا والتي ورد ذكرها في الرواية ولها علاقة وثيقة ووطيدة
بأحداث الرواية فهي:" مخيم عين السلطان" و" مخيم النويعمة" و" مخيم عقبة جبر"(ص6
).
ولا يفوت أبو شاور مسألة تجنيد المعلومات التاريخية حول مكتشفات أريحا الأثرية
بكونها أقدم مدينة في العالم، وذلك لتوثيق العلاقة الفلسطينية الحالية والحاضرة
بالماضي البعيد الضارب في عمق التاريخ
.
ومن بين المواقع الهامة في الرواية التي
لعبت دورًا بارزًا في حياة الفلسطينيين بصورة سلبية ـ "البناء الأصفر"ـ وأشير إليه
باللون وليس بالاسم للدلالة على انه السجن الذي شيده الانكليز زمن احتلالهم لفلسطين
أو كما يعرف بالانتداب البريطاني على فلسطين. واستعمله الانكليز لسجن وتعذيب
المقاومين الفلسطينيين ولم يتغير السجن إذ ورثه النظام الاردني وتابع أداء نفس
مهامه ووظائفه. وبعد نكبة 1967 جعله الاحتلال الاسرائيلي مقرًا للحاكم العسكري الذي
عرف كيف يستفيد من ملفات المخابرات الاردنية التي خلفها الاردنيون في هذا البناء
.
وسهلّت هذه الملفات على المخابرات الاسرائيلية وأجهزتها الأمنية من تنفيذ مختلف
عمليات القمع والبطش في حق الفلسطينيين العائشين في اريحا والمخيمات المحيطة بها
.
ومقابل جبل القرنطل في الطرف الآخر تمتد جبال موآب والتي تبدو كأنها أسوار
اسطورية تحرس اريحا ولا تتركها وحدها. وهذا أمل بضرورة التواصل العربي وعدم
الانقطاع عن صُلب القضية العربية ألا وهي مأساة فلسطين
.
ولا يفارق المكان موقعه
المركزي في الرواية، ويكثر أبو شاور من ذكر أسماء الأماكن التي لها صلة مباشرة أو
غير مباشرة بأحداث الرواية، وكلها مرتبطة زمنيا ومكانيا بتاريخ القضية الفلسطينية
وتطوراتها ، خاصة في الفترة الزمنية التي تدور حولها أحداث الرواية. فجبل القرنطل
وقد أشرنا إليه مرات كثيرة، والمخيمات الفلسطينية بالقرب من اريحا تلعب دورا مركزيا
في أحداث الرواية وتطورها. وقرى مثل: عين ديوك(ص 57)، وذكرين(ص 61)، والسموع(ص
141)
؛ ومدن مثل :دمشق(ص60)، ونابلس(ص 56)، وعمّان والخليل ورام الله والقدس
وأبوابها(باب العمود، باب الخليل، باب الاسباط)، وأزقتها التاريخية. كل هذه الأسماء
متماسكة بشدة في أحداث الرواية، ولها دور مركزي في تاريخ القضية واستمرارها
.
وهناك بعض الأمكنة التي تحمل دلالات قوية في عمق وصلب الذاكرة الفلسطينية،
فالجسر الفاصل بين الوادي الفاصل بين مخيمي النويعمة وعين السلطان يثير من جديد
سقوط الجرحى والقتلى في المظاهرات ضد حلف بغداد الاستعماري في العام 1955، مما دفع
بالفلسطينيين إلى الانتقام بكل ما له صلة بالانكليز صانعي هذا الحلف حتى من خلال
مشروع العلمي الزراعي في اريحا وجوارها(ص 18
).
ويحمل محمود ذكريات المكان من
خلال عودته إلى شريط الطفولة الفلسطينية الوادعة والهادئة والتي لم يكن شيء يعكر
صفوها:" سار محمود على امتداد مخيم عين السلطان، على الطريق المؤدي إلى نابلس، حتى
بلغ حافة الوادي، الذي يفصل المخيمين. الوادي جاف هذه الأيام، لكنه في الشتاء يهدر،
وتلاطم المياه الطينية المندفعة بين ضفتيه إلى الشرق
.
هنا لعبت، هناك بنينا،
بيوت الطين معًا، لكن المياه محت كل شيء، عند تعرج الوادي، لعبت أنا وحسن. كان يأتي
من مخيمهم مع الكثيرين من الاولاد مرات عديدة اشتبكنا ولاحقنا بعضنا بعض
بالمقاليع.." (ص 56
).
وما زال يتذكر البيوت التي يسكنها خلق جاءوا من بلاد
بعيدة، ومعهم سلاح، فقتلوا وذبحوا وطردوا... فصرنا على أرضنا وعلى أرض الآخرين،
وهذا العالم غرباء"(ص 58). إشارة منه إلى تغير الأدوار على أرض فلسطين بين أصحابها
الأصليين والشرعيين وبين الدخلاء والغرباء والمحتلين
.
وهكذا وفق أبو شاور في
جعل المكان جزءًا لصيقًا بالحدث التاريخي الواقع على محور زمني متحرك نحو الأمام في
مخزون القضية الفلسطينية
.
ومرة أخرى، فإن الأمكنة ليست خيالية إطلاقًا أو أنها
بعيدة عن واقع الأحداث التي جرت في مرحلة ما بعد النكبة حتى مطلع السبعينات من
القرن العشرين، إنها ـ أي الأمكنة ـ ذات المعنى التاريخي العملي في حياة
الفلسطينيين. فهو بهذا ـ أي أبو شاور ـ لم يكن بحاجة إلى صنع أماكن من نسج الخيال،
إنها موجودة وتحوي الرواية في جوفها>
يتبع....
رد مع الإقتباس