عرض مشاركة واحدة
قديم 01-30-2012, 11:55 PM
المشاركة 3
منى شوقى غنيم
انتقلت إلى أرحم الراحمين إن شاء الله
  • غير موجود
افتراضي
يقول بيار بورديو في كتابه «التلفزيون وآليات التلاعب بالعقول»: «أحد المشاكل الكبرى التي يطرحها التلفزيون هي العلاقة بين التفكير والسرعة. هل يمكن التفكير أثناء اللهاث بسرعة؟ وهكذا حصل التلفزيون على مفكرين (على السريع)، عندما أعطى مجال الحديث لمفكرين أجبرهم على أن يفكروا بسرعة متزايدة. مفكرون يفكرون بأسرع من ظلهم».
مشكلة السرعة حولت العلاقة بين التلفزيون والصحافة إلى علاقة انتفاعية، الغلبة فيها حكماً للتلفزيون كونه الأوسع والأسرع انتشاراً. ففيما تعمل الصحافة بتأن زمني يستهلك على الأقل 24 ساعة بين تحضير المواد للنشر والطباعة، تدور عجلة البث التلفزيوني كالمطحنة في عملية محو وتسجيل يومي للذاكرة. فكل نشرة أخبار تمحو ما سبقها لتسجل أحداثاً جديدة، تتطلب مجموعة من البرامج المواكبة تحليلاً وتفسيراً. وتحت ضغط الوقت، لا مناص من اللجوء إلى الصحافة، سواء من جانب الاستعانة بالأفكار، أو في اختيار الأشخاص المناسبين لتحليل ما وراء الأخبار. فلا يمكن لأي معد برامج أن يبدأ يوم العمل من دون الاطلاع وبشكل آلي على عناوين الصحف والمقالات المكتوبة.
إن الموضوع الذي يعالجه بيير بورديو في هذا الكتاب يتعلق في مستواه المباشر بتحليل بنية و آليات أحد منتجات هذه التكنولوجيا الحديثة التي تعرف بتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، لكن الموضوع غير المباشر (لكنه رئيس وأساس!) هو علاقة الإيديولوجيا بهذه التكنولوجيا. إذا كان من الممكن اعتبار أن العلم محايدٌ، فإن استخدامات العلم وتطبيقاتِهِ أي التكنولوجيا ليست محايدة. فيما يتعلق بتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات فإن التوظيف والمضمون الإيديولوجي لهذه التكنولوجيا يجد أوضح مثال له في الدور الذي يلعبه التلفزيون لا يقتصر الدور الخطير الذي يلعبه التلفزيون على التأثير المباشر على المشاهدين ولكن هذا التأثير يمتد كما يوضح بورديو في هذا الكتاب إلى مجالات الإنتاج الثقافي الأخرى وهو ما ينبّه إلى خطورته بشكل خاص. لقد كثر الحديث عن »نهاية الايديولوجيات« و»نهاية التاريخ«، كما تم الترويج لنظرية صموئيل هنتنجتون المعروفة »بصدام الحضارات« الخ. ولكن الشيء المثير للدهشة والتعجب أن هذه المقولات التي روِّج لها كثيراً في أوساط المثقفين ووسائل الإعلام خصوصاً بعد انهيار سور برلين والتحولات السريعة والعنيفة التي شهدتها دول شرق أوروبا، مروراً بحرب الخليج الأولى ثم أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما تلاها من حرب واحتلال لأفغانستان والعراق، هي في حد ذاتها تعبير عن أيديولوجيا تدّعي السيادة والانتصار على الأيديولوجيات الأخرى!. أيديولوجيا تعبّر عن نزعات عنصرية وفاشية جديدة تمثل تهديداً حقيقياً للإنجازات الرائعة التي حققها الفكر الإنساني عبر مسيرته الطويلة.

مما لا شك فيه أن المواجهات الأيديولوجية التي كانت سائدة طوال فترة الحرب الباردة قد انتهت بصورتها القديمة، أي المواجهة وجهاً لوجه وسيادة الخطاب الأيديولوجي المباشر. لكن التحول الجديد الذي طرأ خلال السنوات العشر الأخيرة من القرن المنصرم وحتى الآن هو انفراد ما يمكن أن نسميه بالأيديولوجيا الناعمة بموقع الصدارة في وسائل الإعلام المختلفة. »الأيديولوجيا الناعمة تتمثل فى تلك الجرعات اليومية بل اللحظية التى تبثها وسائل الاعلام »soft ideology«

الحديثة وكذلك الوسائط المتعددة

Multimedia وانتشار شبكة الانترنت على المستوى العالمي

هذه الجرعات تتغلغل وتنساب إلى عقول المشاهدين والقراء والمستمعين ومستخدمي الوسائط المتعددة والانترنت الخ. بهدوء وبلا ضجيج على عكس ما كان يتم في السابق. إن المجال مفتوح الآن لعمل دراسات على التوظيف والمضمون الأيديولوجي لكل هذه الوسائل والأدوات وهو ما يقدم له بورديو نموذجاً منهجياً في هذا الكتاب. إن طريقة التحليل التي يقدمها بورديو هنا يمكن تطبيقها على مجالات أخرى.

إن وسائل الاداعة و التلفزيون في الأنظمة الغير الديمقراطية تصنف ضمن إطار الأجهزة المحافظة التي تسعى إلى توفير هيمنة السلطة على الجمهور الواسع من خلال تمرير تقافة هجنة تسعى إلى تكريس ماهو قائم وتشكيل وعي يومي سادج لدى المتلقي وهدا هو صميم موضوع بورديو في كتاباته التي تنصب حول نقد البنية الوظيفية التقليدية في التلفزيون و التي يتم إخراجها بتخطيط من خبراء الداخلية/ الإعلام من داخل الكواليس و تمارس يوميا تحت عنوان إستراتيجية الإعلام في العهد الجديد.






هنا بين الحروف أسكن
http://monaaya7.blogspot.com/
من القلب سلامًٌ لمن زارني