عرض مشاركة واحدة
قديم 12-25-2011, 05:48 PM
المشاركة 8
سناء محمد
كاتبــة الشمــس
  • غير موجود
افتراضي
اسمحلي اخي الفاضل ايوب صابر بمشاركتك هنا



الأعمى ديفيد هارتمان , كانت أمنيته أن يدرس الطب , وكان الذين يعرفونه يعتقدون جميعاً أنه يستحيل عليه ذلك , حتى أسرته .

في ربيع 1968 أوشك ديفيد أن ينهي الثانوية بمعدل كاد يبلغ حد الكمال (3,8) من أربع نقاط , وتقدم بطلب الإنتساب إلى عشر كليات طبية , وفي مطلع إبريل تسلم رفض ثمان كليات , ثم وصل الرفض إلى التاسع .. ولم ييأس من ارتياده كلية الطب .

وبعد وقت قصير تلقى ديفيد رسالة موافقة من جامعة (تمبل) ومع هذا القبول دخل ديفيد معركة التحدي , دروس في التشريح التمهيدي انطوت على مشكلات خاصة تتعلق به هو , ومع ذلك استطاع أن يغوص بيديه المحميتين بقفازين من المطاط داخل الجثث لتلمس مواضع الأعضاء الكبيرة وتعرف هيئتها , إلا أن تعرف الأعضاء الأصغر حجماً والأكثر تستراً مثل الضفائر العصبية استوجب استخدام يديه العاريتين , وهذا ما أقحمه في سباق أصعب لتعلم الأشياء الضرورية قبل أن تفقد أصابعه حاستها بسبب ملامسة محلول (الفورمالدهيد) الذي يستخدم في المختبر لوقاية نماذج الكائنات من الفساد .
استمر ديفيد بالرغم من الأضرار التي تعرض لها وواجهة صعوبة أكبر في علم الأنسجة والذي يتعين عليه أن يعتمد في هذه الدراسة على أساتذته وزملائه في وصف ما يرونه بالمجهر , وعلى تلمس رسوم حفرت باسلوب شبيه بطريقة برايل أعدها له أساتذته .

راح ديفيد ينظم مكتبة خاصة به , تحوي المراجع التي تحتاج إليها في دراسته , وزودته مجموعة من متطوعي "جمعية التسجيل للمكفوفين" مجاناً بأشرطة سجلت عليها ثلاثين مجلداً من الكتب المقررة على ديفيد .
وما كاد ديفيد يباشر سنته الطبية الثانية حتى وجد نفسه غارقاً في حال ميئوس منه , فحتى يمكنه متابعة ست محاضرات في اليوم الواحد قام ديفيد بتسجيل المحاضرات كلها على آلة واحدة ثم نقل الأشرطة إلى بيته لتسجيل ملخصات لها على آلة ثانية , لكن هذا الأسلوب استغرق منه قرابة الساعتين لتسجيل كل ملخص لمحاضرة من ساعة واحدة اي بمعدل (12) ساعة لإتمام واجباته الدراسية المنزلية .. معاناة وجهد متواصل ولكن بروح لا تعرف اليأس .

مرت الأيام والسنون حتى جاء يوم 27/5/1972م الذي تسلم ديفيد فيه شهادة الدكتوراه في الطب , وبعد مرور بضعة أسابيع على تخرجه , احتفلت جمعية تسجيل للمكفوفين ذات مساء بمناسبتين مهمتين , مرور (25) عاماً على تأسيس الجمعية , ووقوع حدث عظيم في تاريخها , إذ اقتحم أشد رعاياها طموحاً ميدان الطب , وأشاد رئيس الجمعية بديفيد وهو يقدم له جائزة مؤسسة الجمعية , لأنه أظهر انتصار الروح البشرية , ثم قال : ( إننا نشعر بهذا المثل الذي ضربه لنا ديفيد هارتمان بأن إيماننا بالإمكانيات غير المحدودة للناس جميعهم قد تجدد , وبأن الحماسة تصنع المعجزات )

لماذا ينجح هذا الأعمى ويهزم عشرات المراجع الطبية الضخمة ونتشكك نحن الطلاب أصحاب الحواس السليمة من قهر الكتب المقررة علينا , رغم سهولتها وكثرة المحذوف منها ؟
حتماً ليس الجواب بأننا لا نملك القدرات الذهنية المطلوبة لذلك , إن عقولنا جبارة تمتلك قدرات هائلة , لكن الجواب الواضح , أن الكثيرون منا قد استسلم عند العقبة الأولى أو الثانية .