عرض مشاركة واحدة
قديم 12-25-2011, 12:16 PM
المشاركة 343
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
فيليب روث بعد فوزه بالبوكر :حياة في قصص.. وقصص في حياة
روبرت مكروم
ترجمة : أمير زكي
عندما أعلن فيليب روث قبوله جائزة البوكر العالمية التي تقدم كل سنتين، محتفية بستين عاما من الكتابة الروائية، من (الوداع يا كولومبوس) وحتي (نيميسيس)، كان يجلس علي كرسي خشبي في مكتب ملحق باستراحته بكونيتيكت. يبدو أقرب إلي قس متقاعد أو قاض أو كشيخ الأدب الأمريكي الكبير، وهو يتجه نحو التاسعة والستين. أداؤه أمام الكاميرا كان مثاليا؛ مقتضباً ومهذباً ولكنه لطيف. مختلطا بالسخرية من مترجميه حول العالم.
مرة أخري، هذا الرجل المنعزل المأخوذ بقصة شخصية لا تنتهي يُلقي عليه ضوء الشهرة الأدبية. يضيف بعد أن يتكلم لأقل من دقيقة: "هذا شرف كبير وأنا سعيد بقبوله". الكاميرا ظلت تعمل ووجهه يوحي بأنه لا يأخذ الأمر بجدية، فتند منه حركة صغيرة ولكن معبرة نصفها يقول: "لا يمكن أن تكونوا جادين". والنصف الآخر: "هل هذا حقيقي؟"
ولد لأسرة من الجيل الثاني من الأمريكيين اليهود في نيويورك- نيوجيرسي. في العام الذي وصل فيه هتلر للسلطة. وكان أبواه مخلصين لابنهما. أصغر من مايلر وفيدال وميلر، فهو جاء من عصر الخمسينيات، من أمريكا آيزنهاور مع ستايرون وأبدايك وبيلو وهيلر. هؤلاء كانوا جيلا من الشباب الأمريكي أرادوا إعادة صناعة دولة عظيمة بعد أهوال الحرب العالمية الثانية والوصول لذلك عن طريق الأدب.
لفترة طويلة ظل روث واحدا من القادة البارزين لهذه الجماعة الرائعة الموهوبة. هو يقيم في كونيتيكت، في عزلة مثيرة للإعجاب، يعمل نهارا وليلا، كرجل كبير وحيد وحساس. هو احتفي بحياته في رواية (الكاتب الشبح) 1979: "النقاء.. السكينة.. العزلة، كل تركيز المرء وتوهجه وأصالته محجوز للنداء المنهك والسامي والمتعالي، هكذا سأعيش". من النادر أن يأخذ كاتب هزليا عظيما نفسه بهذه الجدية.
عنونت عدة مرات ب(الصبي اليهودي) ثم (الاستمناء) ثم (المريض اليهودي يبدأ تحليله)، قبل أن تصدر أخيرا بعنوان (شكوي بورتنوي)، الرواية التي دفعته إلي ساحة الاهتمام الأدبي الشائع. روث الذي وهب حياته لتحرير غضبه، يصر علي أنه لا يستطيع تحديد خبرة واحدة اعتمدت عليها رواية النشأة العمرية تلك. موضوعات الرواية هي نفس موضوعات روايات روث الناجحة عن الهوية الجنسية لذكر يهودي أمريكي والعقد المزعجة لعلاقاته مع الجنس الآخر.
رواية في صورة اعتراف، وإن أخذها مئات الآلاف من القراء الأمريكان علي أنها اعتراف في صورة رواية. حققت بورتنوي مبيعات عالية وسريعة. بالنسبة لبعض القراء فوجبة مثل هذه لا يمكن أن تتكرر مرة أخري، أما بالنسبة لروث فهذه الرواية وضعت النموذج الذي ستسير عليه كل أعماله؛ أي التأمل الأدبي الذاتي الذي يأخذ صورة التعذيب. يقول مارتن أميس: "لا يوجد كاتب حديث أخذ تحليله الذاتي إلي هذا المدي وبهذا الأدب".
بعد بورتنوي وجد روث ملاذا من الشهرة عن طريق شخصيته الأدبية البديلة (ناثان زوكرمان)، وعن ضغط الحياة الأدبية الأمريكية عن طريق إقامة رحلات طويلة إلي أوروبا وإنجلترا، انتهت بزواجه من الممثلة (كلير بلوم). كل من الفترة الوسيطة لأدبه التي ضمت روايات زوكرمان، وزواجه الثاني (زوجته مارجريت مارتينسون التي كان قد انفصل عنها ماتت في حادث سيارة عام 1968) كانا مثقلان ببحثه المحموم عن الاكتمال الأدبي.
كتب زوكرمان (علي سبيل المثال درس التشريح والحياة المضادة) أبهجت وأغضبت نقاد ومعجبي روث. تقول كاتبة سيرته الذاتية (هرميون لي): "حيوات في قصص وقصص في حيوات، هذه هي لعبة روث المزدوجة". الكاتب نفسه يكره أن يُسأل عن ذواته المختلفة، يشكو قائلا: "هل أنا روث أم زوكرمان، كلاهما أنا، ولا أحد فيهما أنا. أنا أكتب روايات ويخبرونني أنها سيرة ذاتية، وأكتب سيرة ذاتية فيخبرونني أنها روايات، لذا فطالما أنا غامض وهم أذكياء، فدعهم هم يقررون".
مثلها مثل الفكاهة الحادة لرجل وُهب للمحة الكوميدية المضحكة التي لا تُنسي، فالعجرفة المزعجة ملائمة جدا لروث. اعتقاده الواثق في أصالته وتفرده أربك أولا ثم سمم علاقته بكلير بلوم، التي صرحت أنها أرادت: "قضاء حياتي مع هذا الشخص الفريد". فطلقته عام 1995، بعد سنوات من الخلاف.
روث كتب عن علاقاته النسائية في رواياته مثل (خداع) 1990؛ وهي قصة مطابقة تماما لعلاقته مع امرأة إنجليزية مثقفة. بلوم انتقمت في 1996 في مذكراتها (مغادرة بيت الدمية)، كتبت: "أنا لم أهتم أبدا بالسؤال إن كانت تلك الفتيات خيالات جنسية، ولكن ما جعلني مذهولة هو أنه وضعني في صورة المرأة الغيورة التي يتم خيانتها باستمرار. وجدت أن الصورة بشعة ومهينة".
الآن روث حر، يتحدي مقولة سكوت فيتزجيرالد: "أنه لا توجد فصول ثانية في الحيوات الأمريكية". يدفع نفسه إلي حمي التأليف. قال للنيويوركر: "لو استيقظت في الخامسة ولم أستطع النوم وأريد أن أكتب، فأنا أخرج لأكتب".
هو يكتب وهو واقف في مكتب منفصل عن المنزل الرئيسي الذي يعيش فيه. لا يمر يوم بدون أن ينظر للكلمات الثلاث الكريهة: qwertyuiop، asdfghjkl، zxcvbnm (وهي الكلمات التي تجمع حروف الصفوف الثلاثة لأزرار اللغة الإنجليزة بلوحة المفاتيح علي جهاز الكمبيوتر، يقول: "وعندما أكتب فأنا في العمل، أنا مثل طبيب في غرفة الطوارئ، وأنا طبيب الطوارئ".
يظل موضوع روث كما يقول مارتين أميس هو: "نفسه.. نفسه.. نفسه". هو لا يزال حذرا تجاه الأجيال الأصغر. وفيديو قبوله لجائزة البوكر العالمية يخبرنا أنه يعرف أنها لعبة علاقات وليست جائزة أصيلة، وإن كانت هناك جائزة أصيلة بالنسبة للكتب، فالجائزة المهمة الآن _ نوبل _ هي الجائزة التي لم يحصل عليها بعد.
عن الأوبزرفر