منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر مختارات من الشتات. (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=26)
-   -   حوار الغياب (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=7212)

محمد عبدالرازق عمران 11-23-2011 01:11 AM

حوار الغياب
 
( حوار الغياب )
[justify]هي : لا تعبث معي من جديد ، يبدو الوقت غافيا على ذراعيّ الشباك حاملا صورتك بهيا وباسما كأنما فجر يتسلل بهدوء إلى أحلام النائمين حين تسللت إلى ثقوب الشباك في ذاك الصباح .. منذ تلك اللحظة صرت أحملك في داخلي .. أحضنك مع ذكرياتي القليلة والدافئة معك .. منذ عشرين سنبلة وأنا أحضن تلك الصور القليلة .. أنبتها في روحي .. أسقيها كي تنمو وتتكاثر .. تزهر وتتوالد كي لا يقتلها غيابك .. تتحرك كأنما ترعى تلك النبتة .. تسقيها .. تتفقدها .. وتدندن كأنها تهدهد رضيع بين ذراعيها ثم تضمه إلى صدرها لكنها تفزع لفراغ يديها .
هي : أنت تهرب حتى من أوهامي .. حقا مضت عشرون عاما وأنا مزروعة على حافّة الانتظار .. متوحدة مع طيفك وصورك المتناثرة فيّ .ز أحارب كي لا يدخلني العفن .. كي لا يتسلل الخراب إليك .. كي تعود من زمن الغياب الطويل تتلحف صورك القديمة .. طفولتك .. ابتسامتك .. ضياء عينيك .. دفئك القديم .. عمري الذي خبأته لك .. وتفاصيلي التي لم يمسها العطب .. عد .. أمنح سنوات الانتظار قليلا من المطر .. أزرع النجوم في ليلي ..وامنح نومي الأحلام .. وصيامي الطويل لحظة اشتهاء تتحرك في عدة اتجاهات كأنما تستعد للقاء .
هي : تتذكر موعدنا الأول عندما تسللت إليك حين غفت أعين الساهرين إلى سطح البيت .. كانت أغصان الياسمين تتشابك بخفقات قلبي .. رحل القمر في تلك الليلة إلى جهة أخرى من الكرة الأرضية .. انسحبت النجوم تاركة ظلمة الليل تستر لقاؤنا المسروق .. رأيتك بوضوح .. حفظت تفاصيلك .. احتفظت بها كأنما كنت ألقاك كي أودعك من اللحظة الأولى .. أصابعك الناعمة القوية تضغط على أصابعي من خلال ذاك الفراغ الصغير في ذاك الجدار الذي يفصلنا أيدينا .. وأنفاسنا تتلاحق .. روحينا يوقدها الشوق واللهفة تريد أن تقفز وتتوحد .. هذا كل ما كان .. فجأة وخلال سحر الليل وظلمته الدافئة عمّت أنوار قوية تمزقنا على ذاك الجدار .. غبت في أيديهم وتركت يدك على ذاك الجدار .. أخذني ليل آخر وأصابع أخرى جافّة وقاسية عبثت بطفولتي .. سرقوا جسدي وأحلامي .. غيّروا ملامحي .. فعلوا كل شئ وأخذوا كل شئ .. لكنهم لم يصلوا إليك أنت وقلبي وأوهامي وذاك الشّباك الذي احتفظ بلحظة لقاء نظراتنا في ذلك الزمن القديم الجميل .. إنه هنا في قلبي أحفظه لك بعد عشرين وشمة انتظار رسمها غيابك على جسدي .. عشرون نجمة تضئ المكان في انتظارك .. هل تعرف إنني أشك أحيانا بأنك مررت ذات لحظة حبّ بذاك الزمن القديم كي تسرق عمري وتمضي أو كي تنتزعك أيدي العبث من لحظتي ووجودي ، وأتحوّل في انتظارك إلى مقبرة تدفن فيّ الجثث التي تعبرني في كل مساء تمتص رحيق شبابي وتحوّلني بدورها إلى جثة وتصير مقبرة لي .. أخذوني في تلك الليلة حين غيّبوك في ظلمة المجهول .. ألبسوني كفني وزيّنوا وجهي حتى غابت ملامحي .. زفّوني إلى ظلمة المقبرة .. وفي تلك الليلة علت جسدي أوّل تلك الجثث .. صرخت أناديك وأنياب تلك الجثة تنغرز في لحمي حتى غبت عن الوعي ، كانت تلك ليلة عرسي ومعرفتي بلغة الجسد .. تعلمت أن أغيب عن وعيي وأترك جسدي ميّتا لتلك الجثث التي تزحف فوقي مثل الديدان من جثة إلى جثة .. من غياب إلى غياب وأنت لحظة في الذّاكرة لا تأتي ولا تذهب خلال عشرين سنة .. عشرين انتظار .. عشرين موت يتكرّر .. وامرأة تنام في انتظارك على خدّ ذلك الشباك الذي ينتظر مثلها مثلي .. وأنت لا تتخلق .. هل أنت وهم كنت ذات ليلة ياء ظلمتي ؟ زهرتي التي احتفظت بعبيرها وسط عفن الجثث .. فسد المكان وعمّ الموت .. لكنك تحضر فيّ كميلاد الفجر .ز كلما نسيت أو تناسيت وجهي وطفولتي وعشت في حضيرة الدجاج .. أتحرك وسطها ، مثلها ، أشبهها .. أنسى كل شئ إلا كوني أنتمي إلى دائرة التشابه ولا شئ يميزني .. حتى بعض القبح .. تنهض فيّ وتوقد داخلي شموع الوعي بإنسانيتي التي خلعتها مع كل ما تبقى منك على باب الحظيرة .. أحسّ بدبيب قلبي ينتفض في أعماقي ويذكرني بأنني غريبة وسط كومة التشابه .. أكتشف أنني لا أنتمي إلى الدائرة ولا إلى هذا القبح .. أنهض أخربش جدار العزلة .. أثقب دثار الوهم .. أنزف وأنا أتنسم الضوء القادم مع ذكرياتي الدافئة معك .. أنزف وأنا أجرح غشاء النسيان الذي يدثرنا وأحلم بعرسنا على وجه الشباك المزروع في وجه الزمن .. أريد وجهي الذي رأيته في عينيك .. أريد أنا .[/justify]
( عائشة إدريس المغربي / ليبيا )


الساعة الآن 03:22 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team