منتديات منابر ثقافية - الرّسم بالكلمات

( الرّسم بالكلمات )

[justify]أهرب من الظلمة .. وأتحاشى قراءة الكلمات المضيئة في كف الليل ، كي لا أراك في حنيني واشتياقي الذي يشعل قلبي ، وأتفادى الإنصات لسكونه .. الذي يغتابك بوضوح كلما سارعت بإخفائك خلف همهماتي الخافتة كي لا أسمعه .. أو إذا فاجأني بنقض عهدي لك على تلمس طريقي دون معين .. سوى ذكرياتي التي أحب .. أو كلما تسلل طيفك إلى نفسي .. ونثر عطرك في أرجاء المكان يسمم به غيابك الحاضر دائما ، وهو يتصيّد التفاتاتي القلقة بحثا عنك .
ولأنني أخاف الظلمة .. ها أنا ذي أنتظر أن تنقضي دولة الظلام .. وأن يرفع الفجر رايته في آفاق السماء معلنا السلام ، كي أهب لنفسي الفرحة المستبشرة لأطير إليك مع أوّل خيط من خيوطه الفضية .. أشكو منك إليك ، وألقي بثقل المعاني والنظرات .. على حواشي الأيام الكدرة ، بغيومها الخالية من المطر .
ووسط دوامتي تلك ، وخليط من الأشياء تستلقي في نفسي تثير جدلا عقيما يحيرني ، لا ينفك يدفعني باتجاهك ، ويفرض على يقيني سؤالا خجولا .. ينام في عقلي بلا غطاء ، يرفض التدفئة على نار التبصر ، ويطلب منك وفي إلحاح ، بأن تخبرني .. ماذا يعنيهم مني ومنك ؟.. ماذا يعنيهم مني ؟ إذا كان اختياري يتناسب ومقاييس القيم عندك ، وإذا كان سقف تفكيرك ، بإمكانه أن يطال الفهم في تلميحاتي .. ويصطاد خلفها ما يعجز الآخرون عن رؤيته .. ماذا يعنيهم مني ؟ إذا كان احترامي لك يسيّج خصوصيتي معك ، وإذا كانت رعايتك لي تجد في نفسي أرضا خصبة لعرفان زرعته لتحصد منه هذا الكم من التقدير .. ماذا يعنيهم مني ؟ إن كانت دنياهم تضيق بهم ، وعالمي الصغير بجدرانه الأسمنتية والذي لا يختلف في بنائه عن بيوتنا في المدن القديمة ، ذات النوافذ المشرعة بالداخل ، والمفتوحة على الذات ، وهو بالتأكيد لا يتسع لترهاتهم ، ولن يؤثث يوما بمفرداتهم ، وتلميحاتهم ، ما دمت أوصد بابه دونهم .. ماذا يعنيهم مني ؟ إذا كانت حشمتي تعرّي ما في نفوسهم ، وصدقي يترفع عن مناقشة صغائر أمورهم ، قبل كبائرها ، وإيماني بنفسي يجردهم من حقوق غير مشروعة منحوها لأنفسهم ، يصيغونها وفق أهوائهم وميولهم ، ويضعونني بها في قالب ينتج صورة زائفة ومشوهة لي .. وماذا يعنيهم مني ؟ إذا كان إيماني بك .. يحجب عن عيني سبلا تضيع فيها المعاني الخيّرة ، وتهدم وتقذف فيها حصون التمنع عن سواك .. وأخبرني .. ماذا يعنيهم منك ؟ إن كان يشجيك صوتي ، وتغذيك كلماتي ، ويروي ظمأك مكان أملؤه بأنفاسي ، واهتمامي ، وهمساتي .. ماذا يعنيهم منك ؟ إن كنت تحب الظلام ، وتملك القدرة على قراءته والقراءة فيه ، وتمتاز بفك طلاسمه ، واستخدام تمائمه كتعويذة ، تمنع عنك أذى النفس ، وأذى العيون ، وأذى النفّاثات في العقد .. ألا تحتار مثلي في كيفية إخبارهم بأن القناعات لا تتغير ولا تتجزأ ؟ وبأن الحياة تعطينا من فرص الشراء .. شراء أي شئ ، إلا الشرف واحترام الذّات ، وتمنحنا فرص المتاجرة في كل شئ ، إلا الضمير والكرامة ، وتقبل منّا أن نشرك في كل شئ .. ونؤمن بأن الله وحده لا شريك له .[/justify]

( مريم الحجّاجي / ليبيا )