حالة إنسانية

يجلس على كرسي, وهو متجهم الوجه, الذي يوحي بلوحة تشكيلية من جيل الحرب العالمية الأولى,حيث ترتسم ملامح الشدة المكسوّة بمسحة من الكآبة ازدادت هذه الحالة بعد فترة من إحالته على التقاعد, الأمر الذي أحدث فراغاً هائلاً في حياته, مما جعله عصبي المزاج يضجر من كل شيء, من بيته وزوجته و أولاده إلى المجتمع المحيط به. يلقي السلام, والذي لا يكاد يتجاوز شفتيه, ويشير بالانتقال إلى قناة الجزيرة.
أرهفُ السمع بترقب شديد, لأتلقى تلك النبرة المنكسرة’ فأردُّ عليه السلام, وأنا أتأمل وجهه و أحاول اختراق رهبة الصمت لأنفذ إلى عوالمه الداخلية الصمّاء التي استعصت على محاولاتي , أمام تلك الأسوار أنسج أفكاراً حول طريقة تفكيره وتشطح متباعدة شرقاً وغرباً, ولكن بلا جدوى وكأنني أدور في حلقة مفرغة أعود و خيوط الخيبة تُطوّقُ لأفكاري, لأدخل في دهاليز التوجس و الرهبة من ذلك الوجه. وأتوجه بفضول عجيب لِولوج عالمه وذلك من خلال سؤال صديقه الحميم الذي يأتي كل شهر لقص شعره كل شهر, ضحك كثيراً حتى بانت نواجذه, وأخيراً تمالك نفسه, وقال: كان الله في عونه, إنه طيب القلب كريم الطباع قليل الكلام والأصدقاء, عصامي جاد في حياته, ومعاناته من الفراغ اللعين الذي استحوذ على حياته لو يستطع التأقلم مع وضعه الجديد.
- نعم كان الله في عونه .
مرّت فترة ولم يأت لقص شعره, وعاودتني ذكرى الحنين لرسم لوحة التجهم الدائم الذي عشعش في مخيلتي, جاء صديقه في الشهر التالي, فسألته عن أحوال صديقه, فقال: كان الله في عونه, جاءته جلطة دماغيّة, أصابته بشلل نصفي....!!!
دارت بي الأرض, كدت أن أقع , توقف عقلي عن التفكير, وهو يحدثني عن حالة صديقه, ترقرت الدموع في عيني, ولساني يردد" كان الله في عونه".
----------------------- انتهى
بصرى الشام 20-6- 2011