![]() |
إنه ولدي - نزار ب. الزين
إنه ولدي قصة واقعية نزار ب. الزين* ***** أخيرا بلغت حضنك الدافئ يا أمي ، بعد مغامرة طولها عشرون يوما بلياليها ، أتدرين يا أمي منذ أن ابتعدت عني ، لم تمضِ ليلة واحدة دون أن أحلم بك حلمان ، حلم اليقظة و حلم المنام .. كنت أقضي الساعات و أنا أخترع و أخطط و أبتكر ..وسائلا للوصول إليك ... اخترعت مصعدا يصلني بالقمر لو كنتِ فوقه ، و ابتكرت غواصة تقلني إليك لو كنت تقطنين أعماق البحار ، و خططت لتسخير النسور لتحملني إليك حتى لو كنتِ في مشارق الأرض أو مغاربها... فكرت كثيرا ..حلمت كثيرا .. اخترعت و ابتكرت و خططت... قاسيت و كابدت ....بكيت و تألمت ..... قاسيت من ظلم أبي ، و كابدت من من حقد زوجته ، و التي ناصبتني العداء منذ اليوم الأول لدخولها منزلنا .. و باقتراح منها، أرسلني صبيا عند ميكانيكي : " تعلم صنعة تفيدك ، أفضل لك من المدارس .. " قالها و قد تجمدت عواطفه ! و أنا منبطح تحت السيارات ، كنت أفكر بك ، و أنا أحمل صناديق العدة الثقيلة ، كنت أتخيل لقائي بك ، و أنا أتعرض للصفع و الركل و أقذع الشتائم ، كنت في سري أستنجد بك .... بكيت كثيرا يا أمي ... تألمت كثيرا يا أمي ، و إذ وجدت في أعماق خزانتي ما ظننت أنه يكفيني من نقود ، كنت أخفيتها عن زوجة أبي ، قررت الرحيل إليك ، معتمدا على المعلومات القليلة التي حصلت عليها من رسالتك الوحيدة التي استلمتها منك .. كنت قد بلغت السادسة عشر ، فتمكنت من استخراج جواز سفر ، و تمكنت من الحصول على تأشيرة دخول من قنصليتين عربيتين ، و لكن قنصلية الدولة حيث تعيشين – و هي عربية أيضا ( ! ) - رفضت منحي التاشيرة . و مع ذلك بدأتُ المغامرة ، مغامرة طولها عشرون يوما من الشقاء ، تنقلت فيها من بلد إلى بلد ، قطعت فيها مئات الأميال ، أغلبها في صحراء قفراء ... ركبت مع سائقين طيبين ، و ركبت مع حثالة راودني أحدهم على نفسي ، ثم رماني في قلب الصحراء لأنني لم أساير رغباته الشاذة .. و اعتقلتني شرطة دولة مجاورة ثلاثة أيام ، عندما وجدوني نائما في مرحاض إحدى محطات الوقود .. و أخيرا ، اجتزت الحدود مع متخصص في تهريب الأشخاص ، بعد أن انتزع مني كل ما بقي لدي من نقود .. عشرون يوما يا أمي من المعاناة ، نسيتها لحظة رؤيتتك ... ***** آه يا ولدي المسكين ، أواه يا محمود يا ابني الحبيب ، لكم تألمت ، و لكم عانيت عندما اضطرني ظلم والدك إلى هجرك مرغمة ، اعتبرتني المحكمة ناشزا و جردتني من كل حقوقي بما فيها حضانتك ، قال لي أهلي أنك ذكر و أنك ستتمكن من تجاوز المحنة ، رطبوا ناري المشتعلة بكلمات جوفاء عجفاء ، و لكن هيهات أن تُطفئ ناري . قاومت زواجي الثاني ، رفضت الفكرة من أساسها ، فقد كانت تجربتي الفاشلة المؤلمة كافية لأن تصدني عن كل الرجال ، و لكنهم تمكنوا من غسل دماغي ، قالوا لي : " سوف تبتعدين بهذا الزواج عن جو المأساة .. سوف تنجبين الأطفال ..سوف تنخرطين في حياة جديدة ... و لسوف تسلين فراق فلذة كبدك محمود " ؛ و لكن هيهات يا ولدي ، فطوال السنوات العشر ، لم تمضِ فيها ساعة دون أن أتمثلك في وجهي . فكرت كثيرا ..حلمت كثيرا... قاسيت و كابدت ....بكيت و تألمت .....أرسلت لك الرسالة تلو الرسالة ، و لخيبة أملي لم أتلق إجابة واحدة منك ..ترى هل منعوا رسائلي عنك ؟ ترى هل غيَّر أبوك عنوانه إمعانا بقهري ؟ نعم ، لقد اندمجت بحياتي الجديدة ، أنجبت أخويك ، غرقت في تنشئتهما حتى أذني ، و لكنني ظللت دائما و أبدا أتمثلك في وجهي ، أتمثل الطفل الرقيق ، الطفل الذي تشبث بأثوابي ، صارخا ، باكيا ، رافضا الذهاب مع الشرطي الذي صحب والدك لتنفيذ حكم قاضٍ أظلم من أبيك .... كيف أنسى وحوش الغاب و هم ينتزعونك من حضني ؟؟.... فكرت كثيرا ..حلمت كثيرا... قاسيت و كابدت ....بكيت ... بكيت .. بكيت ... و بكيت ! و إذ شاهدتك ..بعد كل هذه السنين ، شعرت أن روحي رُدت إليّ . ***** ما الذي تقوله يا أبا فهد – هداك الله – أتتهمني بمعاشرة ولدي ؟؟ أستغفر ربك و تب إليه من إفكك .. حرام و الله أن تجول بفكرك مثل هذه الترهات .. إنه ولدي ..و لدي ...ولدي.... إنه ولدي و أنا أمه ، إنه مثل فهد.. و مثل عبد الله ..هل تتهمني بمعاشرة فهد إذا ما استلقى إلى جواري يا رجل .. يا مؤمن .. يامن لا تترك فرضا أو سنة تفوتك ؟ إنه و لدي يا ابا فهد .. إنه قطعة من فؤادي و كبدي ..عشر سنوات مضت كأنها دهر ، عشر سنوات من الحرمان ، حُرمت من لقائه و حُرم من حناني ، عشر سنوات يا أبا فهد ، جعلته كالعطشان في صحراء ليس فيها غير السراب ، ثم تلومه إذا وجد الماء الذي يرويه ، أتلومه إذا استلقى إلى جواري ؟ و حضن يدي ، و أخذ يقبلها بشغف ؟ أنا لا أعرف فيك إلا ابا عطوفا و زوجا كريما و إنسانا يخشى ربه .. كيف تتطرق إلى ذهنك مثل هذه الأفكار يا ابا فهد ؟؟ أتقول أنه غريب بالنسبة إليك ؟ أتقول أنك لم تستطع هضم وجوده في دارك ؟ أتعتبره إنسانا متطفلا على حياتك ؟ أنت الذي أنعم الله عليك بكل هذا المال ، تشكو من وجوده ؟ و أنا التي كنت آمل الكثير أن تفعله من أجله .. أن تعامله كإبن لك .. إذا كنت متضايقا منه إلى هذه الدرجة ، تدبر له إقامة مشروعة تمكنه من البحث عن عمل يعتمد فيه على نفسه ، إنه ميكانيكي ماهر ، دفعه أبوه الظالم إلى العمل مذ كان في التاسعة من عمره ، بوسعك و أنت سكرتير الشيخ ، أن تدبر له إقامة مشروعة ، و أن تسعى له بعمل مناسب ، بل و بوسعك أن تنشئ له عملا مستقلا يديره .. هذا ما كنت و لا زلت أرجوه منك ، يا ابا فهد ... ***** يتشبث عبد الله بثوب أمه ، صارخا ، باكيا ، رافضا أوامر أبيه أن يبتعد عنها... يقف فهد بعيدا و قد غسلت دموعه الصامتة وجهه .. يحمل محمود بيسراه حقيبة ثياب والدته ، و يسند بيمناه جسد والدته المتهالك .. يغلق أبو فهد باب دارته خلفهما بشراسة ، فيخرج صوته قنبلة مدوية فجرت كل القِيَم و المُثُل و المبادئ الإنسانية . و تبدأ – من ثم – رحلة عذاب جديدة لمحمود و أمه ..... ------------------------ *نزار بهاء الدين الزين سوري مغترب عضو إتحاد كتاب الأنترنيت العرب الموقع :www.FreeArabi.com |
الأديب الكبير نزار ب. الزين المحترم هنا نقول . . آه ما أصعب الحياة . . وما فيها من أشباه الرجال . . هل يتحمل الإنسان كل هذا الألم . . وكل قسوة الشقاء . . يا أصحاب الضمائر النائمة . . هل تظنون الله غافلاً عما تفعلون . . !! أديبنا المبجل . . ملأت قلبي بالذعر والألم . . وأنا أعلم بأن قصصك هي من صميم الواقع . . تقبل من أخيك التحية والدعاء بالتوفيق . . دمت متألقاً . . ** أحمد فؤاد صوفي ** |
اقتباس:
**************************** أخي المكرم أحمد فؤاد من عجائب الحياة ، وُجود الشر إلى جانب الخير و الجيد إلى جانب السيء و القاسي مجاورا للحاني و أمثال ابو محمود و زوج أمه تعج بهم الدنيا *** أخي العزيز تفاعلك مع أحداث النص رفع من قيمته أما ثناؤك و دعاؤك الطيب فسيبقيا محل اعتزازي دم بخير و رخاء نزار |
الساعة الآن 11:58 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.