![]() |
الهديـــة
الهديـــــة
تم الأمر وكأن شيئا لم يكن ، واختزلت سنة من الإعداد و التهييء المضني وتوتر الأعصاب في ليلة واحدة . ليلة حبلت بالفرح والحزن والضحك والنحيب. تعانق الجميع كما تبادلوا أقذع الشتائم والسباب. وعند الفجر كان كل شيء قد انتهى ، فلم يعد أي أحد يحتمل لا كلاما ولا حديثا ولا بكاء. فالقوى قد أنهكت وصار لزاما عليها أن تستجمع لتلقي تهاني من لم تسعفه ظروفه لحضور الحفل ، أو لتبادل العتاب واللوم مع من لم توجه له الدعوة ، إما عمدا، عملا بمبدإ رد الصاع صاعين ، أو سهوا. فرح الحسين بكلمات التبريك كما امتعض لعبارات التلميح . لكنه أصم أذنيه عن كل ما يقال له . شخص واحد أثار انتباهه إلى شيء لم يكن يلقي له بالا من قبل . وبقدر ما تبددت مخاوفه من مشاكل الزواج وتبعاته ، استيقظ فضوله ، ووجد فيه تسلية لما يعتريه في بعض الأحيان من ملل. حين يدركه القنوط ، يلجأ إلى الشاطئ .. ويختلي بنفسه بعيدا عن كل من يعرفه . هو لا يحب المقاهي ، ويمقت رائحة السجائر وصخب الرواد المصاحب لنقرات النرد . لكنه هذه المرة لم ينعم بالوحدة التي كان ينشدها . انبعث جنبه أحد زملائه في العمل كأن الأرض انشقت عنه.. - ماذا تفعل هنا وحيدا ؟ - كما ترى... - هل سئمت من... - مماذا ؟ - من الحياة الجديدة... هذا طبيعي .. - أبدا.. لكني أرتاح لرؤية البحر . قال ذلك وتنهد ، فعقب الآخر بحماس : Cœur qui soupire n’a pas ce qu’il désire. - هكذا هو دائما هذا الفيلسوف . يحاول نبش كل شيء ليؤوله ويحلله نفسيا.. لم يعقب على قوله وساد الصمت . موج البحر يرغي ويزبد عند قدميه . رفع نظره إلى الآخر فوجده يرمق معتوها يتجرد من ملابسه . أطرق برأسه وتنهد من جديد . - ليس عيبا أن تصاهر معتوها. - أنا لم أشتك من هذا . - تنهدك ينم عن ذلك . - أوف ... تحليل نفسي جديد ؟ - قل لي .. ألم يكن الأخ الأكبر كذلك ؟ لم يعد يطيق البقاء . نهض ونفض الرمل عن سرواله من الخلف وقال بحدة : - أجل ..كان كذلك ... لقد بدأ الجو يبرد .. علي بالعودة.. أحس بالراحة وهو يستلقي على السرير، لكن أعصابه ظلت متوترة . يثيره تتبع الناس لسيرة الآخرين وكأن لا شغل لهم إلا ذلك .. ماذا يهم إن كان للزوجة أخ أو أخوان معتوهان ؟ لقد تزوج سكينة وقد ألم بكل حياتها وعرف كل فرد من أفراد عائلتها ، الأحياء منهم والأموات .. لم تخف عنه شيئا وحكت له عن كل التفاصيل ، بل ولم تتردد في ذكر حادثة قتل خالتها لزوجها بعد أيام من الزفاف بسبب حالة هستيريا كانت تصيبها عند كل طمث . اقشعر بدنه رغما عنه وهو يتمثل منظر الفأس وهي تهوي على الرأس تشقه نصفين . لكنه هدأ قليلا ونظر إلى ساعته اليدوية . لقد تأخرت سكينة عند أمها . سمح لها بالمبيت عندها ، لكنها أبت . فهي تعلم تقاعسه عن طبخ الطعام واكتفائه بقلي البيض مع استعماله دزينة من الصحون و الأواني. هل يمكن أن تأتي وقد سجى الليل ؟ .. لا بد أن يرافقها أحد.. أو.. ليذهب بنفسه كي يأتي بها…ستفرح بالمفاجأة التي أعدها لها ، ويعودان ليتسامرا معا . سيبادر بهديته قبل أن تناوله هديتها التي حدثته عنها في الصباح… مسكينة.. لم تطق صبرا حتى تفاجئه بها وظل السر يؤرقها حتى نفذ صبرها وباحت له بكل شيء . ليتها بقيت ليستأنس بها وتذهب عنه هذا الشعور الغامض من القلق . حقا لقد أذن لها على مضض بقضاء الليل هناك رغم شعوره بالوحدة بعيدا عنها ، لكنه يريد أن تشعر بالراحة حتى تمر أيام الطمث دون معاناة .. اعتراه فجأة رعب شديد .. حدق في الظلام والتفت إلى الباب حيث سمع حركة خفيفة . - من هناك ؟.. سكينة ؟.. هل عدت ؟ لكن الباب فتح على مصراعيه محدثا دويا وهو يرتطم بالصوان ، واندفع نحوه شبح منفوش الشعر ، يعوي كالكلاب، وقد أشهر فأسا يلمع نصلها على ضوء الفناء الباهت .. |
الأديب الكريم رشيد الميموني المحترم
مرحلة جديدة من كتابتك للقصة القصيرة . . أرى بوادر تكاملية هنا . . بمعنى أنك لم تنس شيئاً . . بالإضافة إلى تناسب العنوان مع قفلة النهاية التي تركت مفتوحة لتعطي للقارىء حرية التصور . . وهذا لا ينجح دائماً . . ولكن هنا . . ! فأنا لا أجد أفضل من ذلك . . عوزيزي . . تقبل مني التحية والتقدير . . دمت بصحة وخير . . ** أحمد فؤاد صوفي ** |
اقتباس:
يابى كرمك الحاتمي إلى أن يحضن كتاباتي المتواضعة و يسكب عليها من شذا ثنائك و أريج توجيهاتك . سعيد جدا ان تاتي هذه الشهادة التي اعتز بها من مشرف منبر القصص . سأكون دوما بانتظار إطلالتك هنا لتتألق حروفي ببصمتك البهية . ثق في حبي الأخوي لك أستاذ أحمد . |
الهدية كانت متناسبة مع حجم التوقعات أجاد النص رسم الفكرة بطريقة سرد متميزة و النهاية المفتوحة منحت النص جمالية أخرى أ. رشيد الميموني سعدت جدا بهذه النقلة الجديدة في أسلوبك القصي تحيتي لك |
اقتباس:
أشكرك أختي ريم من كل قلبي و أملي أن تنال كل قصصي اهتمامك . دمت في رعاية الله . ولك كل المودة و التقدير اللائقين بشخصك الكريم . |
الأديب المربي الفاضل أ. رشيد الميموني قصة حبلى بالفرح والضحك والحزن والنحيب لها فلسفتها الخاصة بك نهايتها مفتوحة Open End تجعل خيارات النهاية للقارئ عديدة أسعدني المكوث هنا وكانت قصتك أجمل هدية دمت بحفظ الله ورعايته تحيتي بعطر الجوري والياسمين |
اقتباس:
كم أغبط نفسي لهذا السيل من الثناء و الحفاوة التي تنالها كتاباتي المتواضعة . وكم أسعد حين أجد هذا التجاوب الرائع من أديبة مثلك . سأكون دوما بالانتظار كي أسعد ببصمتك المتألقة على متصفحي . دمت بكل المودة اللائقة بشخصك النبيل . |
الساعة الآن 04:13 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.