![]() |
حــــــوار فــــــي الســـــماء
حوار في السماء كتب د. عائض القرني : يقول الله تبارك وتعالى : {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [البقرة : 29] هذه الآية يستدل بها أهل العلم على أن كل ما في الأرض فيه الإباحة ،وانه مباح ، وهي قاعدة أصولية أخذوها من هذه الآية . إن الله عز وجل قد احل الطيب المفيد وحرم الخبيث الضار ، وقوله تعالى:{خَلَقَ لَكُم} فلكم هنا للملكية أي : مباحا لكم وطيبا لكم ، ومهيئا لكم ؛ بشرط أن يكون هذا الشيء نافعا ومفيدا ، أما إذا كان ضارا فلا ، بل هو محرم . وإنما ذكر الله هذه الآية ؛ كما قال أهل التفسير بعد قوله ، سبحانه وتعالى : {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ} (البقرة: من الآية28) ليذكر منته على الخلق سبحانه وتعالى . {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً} (البقرة: من الآية29) . جميعا :تعود إلى ما في الأرض . وبعضهم يقول : تعود إلى الناس : لكم أيها الناس جميعا . والأقرب : أنها تعود على ما في الأرض . { ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} (البقرة: من الآية29) فسبحان الخالق ! ولكن نحن لا نتدبر ولا نتفكر ولا نعي . يقول بعض أهل العمل : إن المساس يبطل الإحساس ، فمن كثرة تعودنا على رؤية السماء ، ورؤية القمر ، ورؤية الشمس ، ورؤية النجم ، أصبحنا لا نتدبر ولا نتفكر ، لكن إذا خرج مصنوع جديد صنعه الإنسان تفكرنا فيه وتدبرنا. أعرابي يمشي في ليلة من الليالي ، ليلة مظلمة ، وفجأة طلع عليه القمر ، والقمر أزهى شيء عند العرب ، فدائما يشيدون به في أشعارهم ،ودائما يصفون الجمال بالقمر والبدر ، فنظر في القمر ، وقال : سبحان من سواك ! سبحان من رفعك ! إن قلت : جملك الله فقد جملك الله ، وإن قلت : رفعك الله فقد رفعك الله ،وإن قلت : بهاك الله وحسنك الله فقد حسنك الله ، والمقصود أن ما يعتاده الإنسان لا يأبه به دائما لطول العهد. {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ } (البقرة: من الآية29) ربما يقول أحدكم : هذه تدل على استواء الله على العرش . فأقول : هذه الآية لا تدل على ذلك ، بل غيرها يدل على ذلك بوضوح ؛ كقوله ،سبحانه وتعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه : 5] فهذه هي التي تدل على ذلك. أما هذه الآية فقالوا : أي : قصد ، سبحانه وتعالى ؛ لأنه عدى ذلك بإلى. وهنا سؤال يطرح بين طلبة العلم : هل خلق الله الأرض خبل خلق السماء ؟ أم العكس ؟ فهو سبحانه يقول : ( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات ) فكأن الأرض خلقت قبل السماء . لكن في آية أخرى يقول سبحانه وتعالى {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}[فصلت : 11] ، ويقول سبحانه وتعالى {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا}النازعات : 30] ، وقبلها قوله : {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا } . فان في هذه الآية : دلالة على أن الأرض خلقت بعد السماء. وفي آية البقرة : دلالة على أن السماء خلقت قبل الأرض . فما هو الجواب لهذا التساؤل؟ قد أجاب عن هذا حبر الأمة ، وترجمان القران ابن عباس ، رضي الله عنهما : بان الله خلق الأرض ، ثم استوى إلى السماء ، ثم دحا الأرض ، سبحانه وتعالى ، فالأرض أخذت مدة يومين ، والسماء أربعة أيام ، فكلها ستة أيام . قال : {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ }(البقرة: من الآية29) . هنا لم يذكر ، سبحانه وتعالى ، الأرض . وذكر ، سبحانه وتعالى ، في القران {وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ}[ الطلاق 12] يعني : سبع أراضين مثلهن ، ومما اكتشف ، كما سمعنا من كثير من الثقات الذين اعتنوا بعلم الهيئة والجيولوجيا ، أن الأرض سبع طبقات طبقة على طبقة ، وكل طبقة لها لون آخر ، ولها مزاج آخر ، ولها تكيف آخر ، ولها تضاريس تختلف عن الأخرى . إما السماوات ؛ فهي سبع مرتفعة ، بين السماء والسماء مسيرة خمسمائة عام. وبعض أهل العلم يقول : سماء من حديد ، وسماء من نحاس ، وسماء من فضة ، لكن ما علمت على هذا دليلا من المعصوم صلى الله عليه وسلم ، لكنها كواكب تدور فيها. وقد رأى صلى الله عليه وسلم السماوات السبع ، وقابل فيها الملائكة والأنبياء السابقين ، كما في حديث الإسراء . أسرى بك الله ليلا إذ ملائكتــه *** والرسل في المسجد الأقصى على قدم كنت الإمام لهم والجمع محتفـل *** أعظم بمثلك من هاد ومؤتــمم لما خطرت به التفوا بسيدهــم *** كالشهد بالدر أو كالجنـد بالعلم حتى بلغت مكانا لا يطار لــه *** على جناح ولا يسعى على قـدم فبلغ صلى الله عليه وسلم منزلة علية . قال ، سبحانه وتعالى : {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [البقرة 29] فبعد أن خلق الله الأرض أتى إلى السماء ، فسواهن سبع سماوات وخلقها بلا عمد ترونها . يقول بعض أهل العلم : {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [ لقمان 10] . لها عمد لكن لا ترونها ، ولكن الصحيح بلا عمد ، هكذا قائمة على قبة الفلك. فانظر : هل ترى في خلق الرحمن من تفاوت ؟ فانظر : هل ترى فيها من فروج؟ فانظر : هل ترى فيها من عيب؟ لان الذي بناها هو الله ، ولو كان مخلوقا لرأيت النقص ولرأيت العيب. ولذلك يقول بعض العلماء : لا يخلو عمل ابن آدم من نقص {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً } [النساء : 82] . أتى رسام هندي إلى ملك من ملوك الهند بلوحة ، قد رسم فيها سنبلة قمح ، ثم رسم على السنبلة عصفورة ، ثم عرضها للناظرين ، فأعجبت المشاهدين فهل الملك من حسن الرسمة. فأخذها هذا الملك وعرضها للناس ، وأعطى ذاك الرجل جائزة ، وقال للناس : من أراد منكم أن ينظر فلينظر. فاجمع أهل الهند على أن لا عيب فيها . فأتى رجل من غير الهند اعور ، فدخل عند الملك وقال : رأيت عيبا باللوحة!. قالوا : ما هو العيب ؟ قال : العصفور إذا نزل على السنبلة تميل ولا تبقى مستقيمة ، وهذا لما رسمها جعلها مستقيمة! قال الملك : صدقت وشطب على اللوحة ، واسترد الجائزة من الرسام ! قوله : { وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (البقرة: من الآية29) فيها قضايا : أولها : أن هذا عام لا مخصص له ؛ فالله عليم بكل شيء . وإذا قلت للإنسان : انك بكل شيء عليم ، فلا بد من مخصص ؛ لقوله تعالى : {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } [يوسف : 76] . ولكن من معتقد أهل السنة والجماعة : أن الله مع علمه بائن عن خلقه ، مستو على عرشه. ومن زعم أن الله حال مع خلقه ، قد افترى على الله ، وكذب على الله . بل الله ، عز وجل ، موصوف بصفات الكمال ، مستو على عرشه ، ينزل كل ليلة في ثلث الليل إلى سماء الدنيا ، فينادي فيقول : هل من سائل فأعطيه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ هل من داع فأجيبه ؟ فإذا طلع الفجر عاد سبحانه عودة تليق بجلاله ، ونزولا يليق بجلاله ، لكن لا يغيب عنه شيء فهو يعلم السر وأخفى . فما تناجى متناجيات إلا علم الله ما دار بينهما ، وما فكرت أنت فيه علم ما فكرت فيه ، وهو يعلم السر و أخفى. قالوا : ما أخفى من السر ؟ قيل : الشيء الذي تريد أن تفكر به. وقف صفوان بن أمية عند ميزاب الكعبة مع عمير بن وهب ، وهو يحاوره فقال : أتقتل محمداً؟ قال : اقتله ، لكن من لي بأطفالي وذريتي وزوجتي. قال : اهلك أهلي ، وأطفالك أطفالي ، اذهب واقتله ، وأنا أكفيك أطفالك. فذه وتسلح بسيفه ،ولكن غارة الله أقوى من عمير بن وهب. يا غارة الله جدي السير مسرعــة *** في سحق أعدائنا يا غارة الله وصل إلى المدينة ، يحمل قلبا كله حقد ، وكله ضغينة ، وكله بغضاء ، يريد الانقضاض على سيد البشر ليقتله ، ليرتكب أعظم جريمة ، وأعظم لعنة في التاريخ ، فدخل المدينة ، رآه الرجل المسجد الملهم عمر بن الخطاب. قد كنت اعدي اعدايها فصرت لها *** بفضل ربك حصنا من أعاديها فانطلق إليه عمر ، وكان رجلا سديدا ملهما ، فأخذ بتلابيبه وأتى يجره حتى ادخله المسجد. فرآه صلى الله عليه وسلم فقال : (( اتق الله يا عمير بن وهب ما لك ؟)) قال : يا رسول الله أتيت لأفك الاسارى اسارى بدر ، وأفك أصحابي من الاسارى. قال : (( كذبت وإنما جلست أنت وصفوان بن أمية تحت ميزاب الكعبة ، فقال لك : كيت وكيت ، وقلت له : كيت وكيت )). قال : اشهد أن لا إله إلا الله ، واشهد انك رسول الله(9) ! {يَا أيها النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }[التحريم : 1] إلى قوله :{قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ } [التحريم : 3] فقد آخره تعالى بما تبيته عائشة وحفصة رضي الله عنهما ، له . يا من يرى مد البعوض جناحها *** في ظلمة الليل البهيم الاليل ويرى نياط عروقها في جسمها *** والمخ في تلك العظام النحل اغفر لعبد تاب من زلاتــه *** ما كان منه في الزمان الأول فعلمه ، تعالى ، وسع المخلوقات ، وما علم الناس في علمه ، سبحانه وتعالى ، إلا كما يأخذ العصفور من البحر بمنقاره مرة واحدة. ذهب موسى رضى الله عنه والخضر رضى الله عنه في رحلة بحرية ، فأتى عصفور فأخذ بمنقاره قطرة ماء . فقال الخضر لموسى : يا موسى أتدري ما مقدار علمي وعلمك في علم الله ؟ قال : الله اعلم . قال : كما أخذ هذا العصفور من هذا الماء(10) . هذا علم المخلوق إلى علم الخالق ، سبحانه وتعالى . قال سبحانه وتعالى : { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} (البقرة: من الآية30) الآن ابتدأت قصة أبينا المجهود التائب إلى الله ، ومن يشابه أباه فما ظلم! فما معنى الخليفة ؟ قالوا : هو آدم . والصحيح : أن الخليفة ، يعني : قوما يخلفون قوما ، وهذا الذي رجحه ابن كثير ؛ كما قال تعالى{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ} [الأنعام 165] فبعضنا يخلف بعض قرنا بعد قرن ، وجيلا بعد جيل ، وأمة بعد أمة . قال الشاعر : خفف الوطء ما أظن أديم الأرض *** إلا من هذه الأجساد صاح هذه قبورنا تملأ الرحب *** فأين القبور من عهد عاد يقول : قبورنا ملأت الدنيا فكيف بالقبور التي سلفت وسلفت وسلفت ؟ وحكمة خلق الخليفة أن يسكن الأرض لمقاصد : منها : أن يعمر الأرض كما قال تعالى : {وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود :61] . ومنها : أن يأتي من ذرتيه الأنبياء والرسل صلى الله عليه وسلم والشهداء والعلماء والصائمون والمصلون . ومنها : أن يبتليه ، سبحانه وتعالى . كما قال:{إِنَّا خَلَقْنَا الْإنسان مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [الإنسان : 2]. ومنها : أن يظهر ، سبحانه وتعالى ، قدرته للعالمين ، لأنه لا يكون الملك ولله المثل الأعلى ملكا ، إلا إذا كانت له رعية يتصرف فيهم يقتل هذا ويعفو عن هذا ، ويعطي هذا ويولي هذا ويعزل هذا . فالله أراد أن يظهر سلطانه في الأرض ، وحكمته البالغة وقدرته النافذة ، ويظهر رحمته وعقابه فأتى بآدم. ومنها : انه أراد سبحانه وتعالى أن يظهر غفرانه ، ويظهر شديد عقابه ، فانه الغفور الرحيم شديد العقاب ، فكيف نعرف انه غفور رحيم إذا لم يغفر ؟ {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ } (البقرة: من الآية30) هذا مجتمع من الملائكة الأطهار في السماء ، ومن حكمته سبحانه وتعالى انه لم يجعل في الأرض من الملائكة ، ولم يجعلهم من الجن ولا من الحيوانات ؛ لان الحيوان شهوة بلا عقل ، والملك عقل بلا شهوة ، والإنسان عقل وشهوة ، فإذا أطاع ارتقى إلى أفضل من الملائكة ، وإذا عصى انحدر تحت البهائم. وذكر عن بعض المفسرين أن الملائكة قالت : يا رب ، لو أنزلتنا في الدنيا كنا حبسنا شهواتنا وما عصيناك أبدا . فقال ، سبحانه وتعالى : ( إني اعلم ما لا تعلمون ). فانزل الله ملكين ( هاروت وماروت ) وأعطاهم الشهوة مع العقل . فلما نزلا في الأرض جلسا في المحكمة يحكمان بين الناس ، فأتت امرأة جميلة ، فتنت هاروت وماروت ، فبقيت بهما حتى زنيا بها. فخيرهم الله ، عز وجل بين عذاب الدنيا وبين عذاب الآخرة . قالوا : نريد عذاب الدنيا فنكسهما ، سبحانه وتعالى ، في بئر هاروت وماروت في العراق بأرجلهما . والقصة ذكرها مجاهد بسند ضعيف كما في (( سير أعلام النبلاء )) ، وذكرها كثير من المفسرين (11) . المقصود: أن الله علم انه لا يصلح للأرض إلا آدم وذرية آدم. والقرطبي يذهب إلى أن إقامة الخليفة واجب بهذه الآية ، وفي استدلاله نظر ؛ لان الخليفة هنا هو الذي يخلف بعضهم بعضا . {قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} (البقرة: من الآية30) 0 كيف تعترض الملائكة على الله عز وجل ؟ كيف وقد قال ، تعالى عنهم في آية أخرى : {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [التحريم : 6 ]. والصحيح : أن هذا ليس اعتراضا ، وإنما أرادوا أن يظهر الله لهم الحكمة . قم لماذا قالوا : ( يفسد فيها ) فما هو دليلهم على انه سوف يكون فساد؟ قال بعضهم : إن الجن عمرت الأرض فترة من الفترات ، فتقاتلوا وافسدوا في الأرض ، فظنت الملائكة أن آدم سيكون مثلهم ، ذكر هذا ابن كثير وغيره. والإفساد يكون بالمعاصي والظلم والمنكرات. {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ} فكأنهم يقولون : نحن أولى منهم فنحن أهل التسبيح والتقديس. قال سبحانه وتعالى : {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ أي : اعلم حكمة لا تعلمونها ، واعلم سرا لا تدركونه ، واعلم مقصدا لا تصلون إليه . قال أهل العلم : مما علمه ، سبحانه ، من هذا انه سوف يكون من ذرية آدم : رسل ، وأنبياء ، وشهداء ، وعلماء ، ودعاة ، وصالحون ، كإبراهيم وموسى وعيسى ونوح ومحمد ، عليهم الصلاة والسلام ، وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وأبي ومعاذ وزيد بن ثابت ، ومالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد ، وابن تيمية وابن القيم وابن كثير ، وأمثالهم كثير . قال تعالى : {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأسماءَ كُلَّهَا } (البقرة: من الآية31) أراد الله ، سبحانه وتعالى ، أن يجعل خصيصة لآدم ، فعلمه الأسماء كلها : أسماء البشر والحيوانات والمخلوقات . قال ابن عباس : علمه اسم كل شيء : البقرة والحمار والفرس ، فهذا الجبل اسمه جبل، وهذه سارية ، وهذا مسجد ، وهذه شجرة ،وهذه زهرة ، وهذا ماء ، وهذا رجل ، وهذا طير ، وهذه دابة إلى غير ذلك من الأسماء . ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : (( أن موسى عليه السلام التقى بآدم فقال له: يا آدم أنت أبونا خلقك الله بيده ،و أسكنك جنته ، وعلمك أسماء كل شيء ))(12). لأن الخليفة والمسؤول لا بد أن يكون على علم وبصيرة ،ولذلك لما اختار الله لنبي إسرائيل طالوت قالوا : كيف يكون علينا ملكا ، ولم يؤت سعة من المال ؟ قال الله : {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} [البقرة 247] ففي العلم عالم ، وفي الجسم كذلك طويل يصلح للملك . والحسن من كرم الوجود وخيره *** ما أوتي القواد والزعماء {ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ} (البقرة: من الآية31) أتى سبحانه وتعالى بالحيوانات والحشرات والدواب والعجماوات ، وقال للملائكة : ما أسماء هؤلاء ؟ فسكتوا ، ثم قالوا : لا ندري ، اله اعلم ، { فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأسماءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (البقرة: من الآية31) أي : صادقين في إنكم أولى بالخلافة في الأرض ، وسكون الأرض من آدم . أو إنكم اعلم من آدم . {قَالُوا سُبْحَانَكَ}(البقرة: من الآية32) ما أحسن الرد، (سُبْحَانَكَ) تنزيه له تعالى عن النقص. {لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} (البقرة: من الآية32) فهذا أدب طالب العلم أن يقول : لا علم لنا إلا ما علمنا الله ، والله اعلم ، ولا يتسرب بالفتيا ، ولا يفتي بجهل ؛ لأنهم سو يخطئ ، ويصيبه من الخذلان والحرمان ما الله به عليم ، وينطفئ نوره ، ويأخذ ذمم وحجج الناس على كتفه ، ويكون جسرا إلى جهنم للناس . ولذلك كان الصحابة من اشد الناس حذرا من الفتيا ، فكانوا يتدافعون الفتيا . ويقولون : كان يتغير وجه الواحد منهم إذا سئل عن مسالة يخاف أن يغلط فيها . قال علي ، رضي الله عنه : ما أردها على صدري إذا سئت عن مسالة لا اعرفها ، فقلت : لا ادري . قالوا : نضرب لك أكباد الإبل من العراق ، وتقول : لا ادري . قال : اذهبوا إلى الناس ،وقولوا لهم : مالكا لا يعرف شيئا ! {قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} (البقرة:32) فعلم بلا حكمة اضطراب ، وحكمة بلا علم جهل ، والإنسان يجمع في اصله بين صفتين : ظلوما جهولا . قال ابن تيمية : ظلوما : يحكم بلا عدل ،وجهولا : يحكم بلا علم . ولذلك يشترط في الحاكم أن يكون عالما عادلا ، وهما صفتان جميلتان جليلتان . {قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأسمائِهِمْ } (البقرة: من الآية33) أي : بأسماء هؤلاء المخلوقات ،{ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} (البقرة: من الآية33) فالباطن لا يعلمه إلا الله ، أما الظاهر فيعلمه الناس {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخرة هُمْ غَافِلُونَ } [الروم : 7] {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخرة بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ }[النمل : 66] . وفي هذه الآية : شرف العلم ، وانه من أعظم المطالب في الحياة ، وان من جلس في حلقة العلم عند أهل العلم جميعا هو أفضل ممن تنفل ، ومن يصلي ومن يقرأ القرآن وحده . وأن من طلب مسالة ليعمل بها ، ويرفع الجهل عن نفسه فهو أحسن من أن يركع سبعين ركعة. واللم له وسائل ، فلا يكفي القراءة وحدها ، ولا يكفي الجلوس عند العلماء ، ولا يكفي حضور الدروس والمحاضرات ، بل تجمع الجميع : التدبر والحفظ والجلوس مع العلماء ، ولو كانوا اقل منك علما وبصيرة ، فإن الله يمنحك بالجلوس في مجالس الذكر والعبادة فتحا عظيما ، حتى يقول معاذ في سكرات الموت : ما كنت أحب الحياة إلا لمزاحمة العلماء بالركب في حلق الذكر . وكان معاذ يجلس في حلقة بعض الناس الذين هم اصغر منه علما واقل فقها ؛ ليفتح الله عليه من المعارف. فعلى المسلم أن يحرص على طلب العلم ، وان يقوي علمه ومطالعته ، وان يكون عنده وسائل عديدة في العلم . |
شكرا ً أختي ناريمان .. موضوع مميز و بأنتظار جديدك دوما . . . ود و ورد . . . علي |
شكرًا لكِ أستاذة ناريمـان على هذا الموضوع القيـّـم .. أسأل الله أن يبارك فيك ويجزاك عن كل قارئ خيرًا . . . تقديــــــــــري ،،،، |
أختي ناريمان أسعدَاللهُ تعالى صباحك ِ بوركت ِ لهذا الإختيار فإنهُ موضوع من الضروري جدا ً مطالعتهُ وقد أمرنا المولى تعالى و تقدس بتدبر آياته ِ الكريمة جزاك اللهُ كل خير تحيتي لك و تقديري حميد 7 2 2011 |
اقتباس:
أشكرك أخي علي على قراءتك هذا الموضوع وبارك الله في حضورك تحية ... ناريمان |
الساعة الآن 05:40 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.