منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   (الخطيئة)بقلم عبدالمجيد جابر. (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=3283)

عبد المجيد عامر محمد جابر 01-26-2011 04:50 PM

(الخطيئة)بقلم عبدالمجيد جابر.
 
( الخطيئة)بقلم عبدالمجيد جابر.

كان سعيد طالباً يدرس في كلية الطب، نشيطاً ذكيا أريبا ،وصفاته تعجبني، فهو ملتزم في دراسته, من أوائل الطلاب ،فكان نموذجيْ ،لذا كنت أزوره كل أسبوع في شقته، وشيئاً فشيئاً وبمرور الأيام تعرف على امرأة متزوجة تدعى سعاد، موظّفة في إحدى الوزارات,وكانت ذات حسن وجمال ,وقدّ واعتدال ,وبهاء وكمال، لها جسم ناعم، وشعر فاحم ،موردة الخدين ,لها حظٌ وجدّ ,ذات طرف كحيل ،وخدّ أسيل ، و وجه مليح، ولسان فصيح، وخصر نحيل.
وفي كثير من الأحيان كانا يذهبان إلى فندق ويجلسان على طاولة، يتجاذبان أطراف الحديث، تطورت العلاقة بينهما إلى حد أن سعاد أخذت تتردد على سعيد في شقته,وأخذ سعيد يتراجع في دراسته ,ويتهرب من أصحابه ,فكأنه عافهم بعد أن دخلت سعاد عالمه، وملأت عليه دنياه .
عاتبتُه ذات يوم وسألته عن سبب انقطاعه عنا ,فقال :
حينما أحببت سعاد أدركت أن حبها تاجٌ وأني ملك ،وهي محرك نبض قلبي، تمده بزاد الثقة والقوة والاطمئنان ,لقد احتوتني واحتويتها ,توحدنا ,فأنا هي ,وهي أنا ,وأصبح قلبي لا يحتوي الدماء فقط، ولكن تتربع فيه سعاد ,بل هي ليست في قلبي بل في شغافه وسويدائه ،حياتنا مملكة هي الملكة وأنا الملك .
لاحظت أن سعيداً لم يعد ينظر إليّ ولا إلى زملائه الآخرين ،فلقد جفانا وطوى أيامه عنّا كطي السجل ،وكلما توطدت علاقته بسعاد ازداد عنا بعداً على بعد ،فهو لا يريد سماع نصائحنا له بالابتعاد عنها.
وبعد بضعة شهور قررت زيارته أملآ في ثنيه عن نهجه , فواجب الصحبة يقتضي ذلك، فتوجهت إلى منزله ظهيرة يوم،,وعند وصولي إلى الباب سمعت في الداخل عويلاً وصراخاً ,قرعت الجرس وأدركت أن هناك مشكلة ,فتح سعيد الباب و وجهه غاضب ,ويداه ترتعشان ،فقال وهو يتمتم :تفضل .
دخلت فإذا هي سعاد تبكي وتصرخ ،أدركت أن ساعة عزهما قد أزِفت،وأيّام مجدهما قد ولّت،وأنّ لحظة الحقيقة قد أتت,تهيبت في الحديث في بادئ الأمر ,وأخذت أُلطّف الأجواء ويبدو أنها عندما اطمأنت إليّ أخذت تكمل حديثها ,فقالت :لقد سرقت يا سعيد قلبي ,سرقت عقلي وفؤادي بكلامك المعسول,كنت أظنك إنساناّ فإذا بك وحشٌ، وحشٌ يتخفى في جسم إنسان، إنك ذئبٌ أغبر ,لقد قدتني إلى الهاوية ولم تعلمني بأنك مصاب بمرض الهربس، الذي يجتاح أوصالي الآن،ويفترس أعضائي مثلما افترست أيها السعيد بل الشقي عفتي ,وأبعدتني عن زوجي،وحفرت لي قبري، وها أنت تريد أن تيتم أطفالي ...لقد ذهبتُ بالأمس إلى الطبيب، فأخبرني باني مصابة بهذا المرض اللعين ،وعنّفني ، وسألني: أمارست الرذيلة؟ ...يا إلهي من سؤال قلب حياتي ضداً،هدّ نفسي هدّاً،وشدّ أعصابي شدّا،رماني وما عدّا،ولم أستطع عن السؤال ردّا،وليس لي عنه بعداً.
حاولتُ أن أهدّئ من روعها وابتعدت عن توبيخهما؛ ، لأنني شعرت ما فيهما، فيهما ما فيهما،ففيهما الذي يكفيهما، شعرت بعظم المأساة التي تجتاحهما، وأنا لا أريد أن أزيد الطين بلة، وأسرعت إلى المطبخ لأعمل لهما كوبين من عصير الليمون، واصطحبت سعيداً معي، وتركتها في الصالون بعد أن استأذنت منها ,فقلت لسعيد:
ماذا صنعت بهذه المرأة ،وأي خطيئة ارتكبت؟
-الشيطان أطغاني وأفسدني.
-عد إلى ربك ,واطلب الصفح منه.
-وهل سيغفر لي؟
-الرجوع عن الخطأ خير من التمادي في الباطل .
-وكيف أتخلّص من مرضي اللعين ومما حلّ بسعاد ؟
- بالعفة وبالأمل.
- وكيف أصابك البلى؟
- في الإسكندرية،من سائحة أجنبيّة.
أمسكت كوب العصير، وعدت به لسعاد وسمعتها تقول مخاطبة نفسها وهي تنتحب:
يا رب , ماذا أصنع ؟ ما ذنب زوجي الذي سيصاب إذا لم يصب بعد بهذا المرض؟ وممن ؟
مني، من طيشي، من نفسي، من جهلي ,ماذا أقول له ؟ ماذا سيكون موقفي عندما يعلم أني الذي جلبت له هذا المرض وذاك العار ؟
ما ذنبه عندما يصيبه ويصيبني الشلل ويقعده ويقعدني ؟ ماذا أقول له بعد أن جرحت قلبه وأدميت جسمه،ودنّست حرمته؟ ماذا أقول لصويحباتي وأهلي وخلّاني وعشيرتي وعشرتي؟ماذا كنت؟ وكيف أصبحت؟
مَن يقوم بتربة أطفالي ؟أنا مجرمة، أنا أستحق الموت .
أخذتُ أهدئ من روعها، وأردفتْ قائلةً :
كيف أهدأ وحياتي غير محتملة ،عديمة القيمة والجدوى , هي جحيم لا تطاق,فلا يوجد حلٌ للخلاص ,أشعر بألمٍ يجتاح أوصالي ويمزق أحشائي ويفجر شراييني ,أشعر بالنار في صدري والوجع في رأسي والحياة حيّات ،وآمالي واهيات،وأحلامي هاويات،وأفكاري ذاويات. صرخت، وهي تقول: أيها العين، أيها الجبان ،أيها الوحش، أيها الخنزير، ماذا صنعت في ،ّ في جسمي، في عقلي، في نفسي ،في كبريائي، في أسرتي؟
وأخذت تصرخ وتصرخ وتصرخ حتى أغمي عليها.
استدعيت على عجل سيارة ,لم يستطع سعيد مساعدتي في حملها فيبدو أنه قد أصيب بانهيارٍ عصبي ,طلبت من السائق ومن امرأة كوشية كانت تجلس تحت شجرة المساعدة في حملها ,أدخلناها السيارة ,وبعثت بها إلى المستشفى، وعدت إلى بيتي والأفكار فيّ تجول، أتحسّر على ظلم الإنسان للإنسان،وظلم الإنسان لنفسه ،وتعاسة بعض الناس في عقولهم.
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

حسام سيف 01-26-2011 05:02 PM

جميلة اخي الكريم القصة والاجمل منها مقاصدها النبيلة

فلقد استمتعت هنا
فتقبل صادق
مودتي وتقديري

عبد المجيد عامر محمد جابر 01-26-2011 06:59 PM

تحيّاتي
أشكرك يا أخي أستاذ حسام على رأيك البنّاء،وعلى مرورك الطيّب.

http://odaba2.blogspot.com

رقية صالح 01-26-2011 10:38 PM

رؤية واقعية من حياتنا اليومية من فساد الأخلاق والابتعاد عن ذكر الله
وإلى ما آل إليه جهل بعض الأفراد من أن يرد عملهم..
ليس ثقة بالله تعالى، بوعده وثوابه، بل ثقة بنفسهم القاصرة
وعملهم الناقص ومنهم سعيد الذي وصل إلى نهاية مؤسفة


المربي الفاضل القدير
أ. عبد المجيد
قصة جميلة فيها العِظَة لكثيرين ممن يتبعون أهوائهم
ونزعوا من نفوسهم الخشية والوجل
تحيتي وتقديري

عبد المجيد عامر محمد جابر 01-26-2011 11:15 PM

تحيّاتي
أشكرك أستاذة رقيّة على مرورك الكريم،وكلماتك الجميلة.
بوركت
.
http://odaba2.blogspot.com

سحر الناجي 02-07-2011 05:30 AM



عبد المجيد عامر محمد ..
هل تمر الخطيئة على غفوة القلوب أو غفلتها باستفاقة الفجأة ؟
هل نرتل البكاء لدى انحناءة لاستقامتنا .. فيهتز الضمير صارخآ ..؟
ولعل الترنح يأخذ بنواصينا إلى صرخة التراب .. وقبور ملغمة بالسعير ..
في مقتبل الطهر .. وحين نضوج ساطع للعفة تنحني الخطايا على أكتافنا ..
تنجلي كلما زرعنا بتلة ندم عند مضيق اقترافة رعناء ..
في قصتك تجلت الفضيلة راوية مترفة البهاء ..
فسادت في أجواء عالمك سحب رائعة البياض ..
سلام على روحك ..

عبد المجيد عامر محمد جابر 02-07-2011 07:38 PM

تحيّاتي
أشكر الأستاذة القديرة رقيّة صالح ، أشكركِ على مروركِ الكريم وعلى كلماتكِ الجميلة المعبّرة عن وعيكِ.
بوركتِ .
http://odaba2.blogspot.com

عبد المجيد عامر محمد جابر 02-07-2011 07:42 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رقية صالح (المشاركة 56626)
رؤية واقعية من حياتنا اليومية من فساد الأخلاق والابتعاد عن ذكر الله
وإلى ما آل إليه جهل بعض الأفراد من أن يرد عملهم..
ليس ثقة بالله تعالى، بوعده وثوابه، بل ثقة بنفسهم القاصرة
وعملهم الناقص ومنهم سعيد الذي وصل إلى نهاية مؤسفة


المربي الفاضل القدير
أ. عبد المجيد
قصة جميلة فيها العِظَة لكثيرين ممن يتبعون أهوائهم
ونزعوا من نفوسهم الخشية والوجل
تحيتي وتقديري

تحيّاتي
أشكر الأستاذة القديرة رقيّة صالح ، أشكركِ على مروركِ الكريم وعلى كلماتكِ الجميلة المعبّرة عن وعيكِ.

بوركتِ .http://odaba2.blogspot.com

عبد المجيد عامر محمد جابر 02-08-2011 11:35 AM

تحيّاتي
أشكر الأستاذة القديرة سحر الناجي على مرورك الكريم وعلى ألفاظك العذبة التي لا تصدر إلا عن فهم وإدراك .
بوركت وبورك المداد
.
http://odaba2.blogspot.com

عبد المجيد عامر محمد جابر 02-08-2011 11:42 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سحر الناجي (المشاركة 59516)


عبد المجيد عامر محمد ..
هل تمر الخطيئة على غفوة القلوب أو غفلتها باستفاقة الفجأة ؟
هل نرتل البكاء لدى انحناءة لاستقامتنا .. فيهتز الضمير صارخآ ..؟
ولعل الترنح يأخذ بنواصينا إلى صرخة التراب .. وقبور ملغمة بالسعير ..
في مقتبل الطهر .. وحين نضوج ساطع للعفة تنحني الخطايا على أكتافنا ..
تنجلي كلما زرعنا بتلة ندم عند مضيق اقترافة رعناء ..
في قصتك تجلت الفضيلة راوية مترفة البهاء ..
فسادت في أجواء عالمك سحب رائعة البياض ..
سلام على روحك ..

تحيّاتي
أشكر الأستاذة القديرة سحر الناجي على مرورك الكريم وعلى ألفاظك العذبة التي لا تصدر إلا عن فهم وإدراك .
بوركت وبورك المداد.

http://odaba2.blogspot.com


الساعة الآن 06:52 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team