![]() |
عشق اللغة العربية ينفجر في يومها العالمي
عشق اللغة العربية يتفجر في يومها العالمي
أخوف ما أخاف منه أن ينضب معين هذا الحب الذي تحول إلى نزيف داخلي، لا أدري متى يحن قلبك وترحمين قلبا لهيب الشوق قد أحرق وريده، لا أستطيع أن أتمادى في حبي لك صغيرتي عصفورتي حتى تنسفين كل أحلامي وتقبرين كل أيامي، لا أخفيك وردتي العطرة أن رائحتك الزكية دمرت كل أحاسيسي. انحنى وانتحب، فامتدت إليه يدي تكفكف دموعه، مع أول لمسة أحسست أن تلك الدموع تحمل دفء ليال خوال، سكر فيها القمر من أعين العاشقين... جال فكره في ذكريات يفتش فيها عن الخيط الناظم للأحداث التي تبعثرت على أرصفة السنين، يود ما يود حتى إذا اقترب ما يود، عاكسه القدر فعصف بأحلامه وأرداها هشيما تذروها الرياح. يحترق بين الماضي والحاضر، ويتلاشى كالشفق ذاك الحلم الذي يختلج بين الضلوع. لكن مازال يكابد المسير نحو الهدف الحلم، يستصغر كل الأحلام في سبيل معانقة حلمه الأكبر، حلمه هو أن يكون كاتبا بهذه اللغة الجميلة. لقد ولد بين أحضان جبال الأطلس شرب من عيونها، هناك تربى وهناك ربا حلمه. هي طفرة في حياته، هي نجمة ساطعة الضياء، استوحى خيالها من ماضي السنين، هي من تمتلك حضورا مشعا في حياته، بل هي حياته. أي سماء تظله، وأي أرض تقله، وهو يعيش خارج الزمان والمكان، يلامس يدها فتصطك رجلاه ويتهاوى كالريشة تهوي بها الريح في مكان سحيق، تغمره غيبوبة العشق فيرى لا يرى إلا ما يراه ذلك البدوي وهو يتأمل قنديله في ليلة ظلماء فالفَراش يقدم نفسه قربانا إلى النور لينتحر، عفوا كل ذلك من أجل أن يفوز بلمسة حارقة، في عمقها حانية، لأنها تمده بحياة في عالم أزلي، لا غرابة فالإحراق في نظره إشراق، هكذا يرى نفسه ذلكم هو صاحبي؛ يراها نورا كلما احترقت أشرقت. لا تستغربوا أحبائي فهي وما أدراك ما هي، هي فلسفته في الوجود، وأكثر من ذلك، فهي طريقه إلى المعبود، كلام مقبول أو مردود لا يهم، فالحب أعمى. يا كاتبا في الهوى انظر إلى عيناي كم هما ذابلتان حزينتان، فما همّي أن يضيع كياني في سبيلها، فلقد سرت على التراب الذي سارت عليه، أشم عطرها، قلبت تحت الحجر، سألت ظل الشجر، على حافة هذا النهر حدثني الطير أنها غسلت يدها ثم طارت. لكن أين أنا؟ ما بالها لا تلتفت إلى كياني المجروح، ما ضرّها أن تسمع صوتي المبحوح، حبذا لو أنارت هذا الظلام الذي يلازمني. دلني يا كاتبا في الهوى ما بالها تحرمني لذة الاستعباد، فأنا أقبل أن أكون عبدا في كنفها يقبل رجليها، يمسح عنهما غبار المسير. يا كاتبا في الهوى قل لها ارحلي أينما شئت فإن قلبي مجدولة شعيراته الدموية بقلبك فترفقي فالقلب عندك قلبان أقسما أن يرحلا معا إلى الأبد. أقسم لكم يا حضرات، بالذي نفسي بيده، لو قسمت حبي لها على أهل الدنيا لكفاهم، ولو كان عشقي لها مالا لأغناهم...كلما جلستْ إليها جفوني تشكو رحيلها وأنا بين يديها، ساعتها أدرك أن أحلامي لا ترقى لأحلامها. وأنا الآن لا أدري أجلست إليها أم هي التي جلست إلي؟ فلقد أحسست وكأن أركاني قد طارت من مكانها، خذوها من أمامي فمازالت منتصبة أراها ترعى عيوني حواجبها؟ لا لا اتركوها لقد تحولت إلى دبيب يسري في مفاصلي، وكأني أسمع نغمة صوتها الهامس يقطع السحايا ويسحق الأحشاء، أتلوى من عذابه لكني أحبه فهو الترياق أصله سم لكنه يداوي، فشكرا لك قاتلتي أحييت ما مات في بالأمس، ألا تسمعين؟ فأنت معذبتي، لا بل أنت قاتلتي، فالجسم خال يعتريه خيالك، والجسد فراغ يسكنه طيفك، والخاطر مجروح يضمده عطفك، والروح فزعة يهدئ روعها حنانك، ألا اسقيني فقد احترق كبدي، فلهيب الشوق يكاد يتحول إلى نار يغديها بعدك وهجرك. مالي ومالك صادفت قلبا فارغا فتمكنت... أحسني خلاصي فإني مربوط إلى هواك... فجمر اللظى، واحمرار اللمى، وكأني بك تصبين الزيت على النار، ألا ترحمين قلبا تشظت أعشاره، وعقلا انشطرت أفكاره، وفؤادا تمزقت أوصاله؟ أنا المخطئ؛ أنا الذي هجرتها حتى يئست من عودتي. لكن عذري في هجري وهجرتي أني تقلبت في هواها حتى أعادني القدر إلى أحضانها مكبلا باكيا، وها أنا حينما عدت ارتميت في أحضانها بعد هجر طويل؛ طويت فيه أسفارا من الوجد وضلوعي تكتوي بنيران حبها، هجر مازالت آلامه تعتمل في قلبي تؤجج مشاعر الحسرة على فراق محبوبة تعاطيت حبها خمرة حتى أسكرتني على مر تلك السنوات. لا أخفيكم كان الفطام قسريا موجعا، رحلت عنها وأنا أكتم حبا عنيفا يسكن بين جوانحي، له هدير لم تصمد ضلوعي في صده وستره . من شرفتي أطل على جحيمي، إليك ربي أشكو غربتي بين أهلي وصحبتي، يطول الليل حتى أظن أن طول الليل لن يزول، ظلمتي وظلامي، وغربتي وأحلامي، ينسخني الزمان فأصير عهنا منفوشا في سماء ليل بهيم، سواد يتبعه سواد، يلتهم كل بياض، أحلامي متناثرة هنا وهناك، أي شعر يخرج من فوهة جحيم، وأي كلام يصور تفاصيل الجوع العاطفي لأحرفك الجميلة، اصطليت بنيران جمالها، ليال قلبتني دقائقها وثوانيها على جمر المعاني السامية لكلمة الحب. صراخ الضمير وعي اللسان، وخز القلم وصمت الكلام، يحملني الصمت إلى هناك، هناك أعانق جنون الكلمة قراءة وكتابة. قرأت وكتبت فسالت دماء تحكي عذاب الضمير ووخز القلم... لا يهم كلما زاد الألم فاض الإبداع، وتدفقت ينابيعه تسقي القلوب الظامئة التي تعيش على ضفاف الحياة فتعيش حياتها متسولة معنى من هنا ومعاني من هناك . أنكر غربتي... تسألني في تعذيب مستمر أوراق الكتب والمجلدات، يا ترى من أنت؟ وما هذا الذبول الذي يتربع على عينيك؟ ما هذا الألم الذي يملأ مقلتيك؟ ما سر هذا الدمع الذي يتحجر في مآقيك؟ فيجيبها الدمع في هطول متواصل تكاد منه الجفون تنخلع، عشق فوق عشق فوق حلم يغشاه ضباب. |
| الساعة الآن 09:01 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.