UVB-76: اللغز الإذاعي الذي حيّر العالم لأكثر من نصف قرن

تُعد محطة UVB-76، المعروفة عالميًا باسم “The Buzzer – الطنّان”، واحدة من أكثر الألغاز الإذاعية غموضًا واستمرارية في تاريخ البث عبر الموجة القصيرة. فمنذ أواخر سبعينيات القرن الماضي وحتى اليوم، لا تزال هذه المحطة تبث إشارة طنين متواصلة تقريبًا من الأراضي الروسية، مع رسائل صوتية مفاجئة وغامضة أثارت فضول الباحثين ومحبي الغموض حول العالم.

أولًا: ماهية محطة UVB-76

UVB-76 هي محطة إذاعية تعمل على الموجة القصيرة Shortwave، وتبث على التردد 4625 كيلوهرتز. تشتهر بإرسال صوت طنين متكرر يشبه نبضًا ميكانيكيًا منتظمًا، يُعاد بثه نحو 25 مرة في الدقيقة.
يستمر هذا الطنين على مدار 24 ساعة دون توقف إلا خلال لحظات نادرة، ما يجعل القناة إحدى أكثر الإشارات الإذاعية المستمرة في العالم.

الغموض لا يكمن فقط في طبيعة الصوت، بل في عدم وجود أي إعلان رسمي من أي جهة حكومية روسية يؤكد أو ينفي وظيفتها.

ثانيًا: التاريخ والظهور الأول
ظهرت UVB-76 لأول مرة في نهاية السبعينيات، وتحديدًا في الفترة بين 1973–1976، بينما تم توثيقها رسميًا عام 1982 عن طريق هواة الراديو.
طوال هذه العقود، حافظت المحطة على نفس التردد تقريبًا ونفس الطنين، مع تغييرات طفيفة في الشيفرات وأسماء النداء.

وقد شهدت أعوام 2010–2015 زيادة غير مسبوقة في النشاط، مما جعل المحطة محط اهتمام عالمي.

ثالثًا: طبيعة الإشارة ومكوناتها
1. الطنين الأساسي

الطنين هو العنصر الأشهر، وهو:

صوت واضح يشبه “buzz… buzz…”

يتكرر بشكل منتظم

يدوم أقل من ثانية

محاط بخلفية صوتية حقيقية تظهر أحيانًا ضوضاء الغرفة
يعتقد الباحثون أن الصوت يصدر عن جهاز ميكانيكي موضوع أمام ميكروفون، وليس تسجيلًا رقميًا.

2. الرسائل الصوتية المشفرة

على الرغم من ندرتها، تظهر فجأة رسائل ناطقة باللغة الروسية، تتكون من:

أرقام

كلمات روسية

رموز قصيرة

أسماء نداء جديدة


مثل:
“УВБ-76… 93 882… НАИМИН… 04 986…”

وقد أدت هذه الرسائل إلى اعتقاد واسع بأنها شيفرات عسكرية.

رابعًا: المواقع المحتملة للمحطة
تمكن هواة الراديو من تتبع مواقع بث مختلفة خلال العقود الماضية، من أبرزها:
1. موقع بوريسوفو – شمال غرب موسكو

كان الموقع الرئيسي حتى عام 2010، حيث عُثر على محطة مهجورة تحتوي على:

مباني خرسانية

أبراج هوائي

أسلاك مقطوعة

آثار تجهيزات عسكرية

2. موقع سانت بطرسبورغ (Nikolskoe)
بعد 2010، انتقل البث إلى موقع قرب سانت بطرسبورغ، مع تقوية ملحوظة للإشارة.

3. مواقع مساعدة
هناك اعتقاد بوجود محطات إعادة وتقوية أخرى موزعة في غرب روسيا.

خامسًا: من يدير UVB-76؟
رغم عدم وجود إعلان رسمي، فإن جميع الأدلة تشير إلى أنها تابعة للجيش الروسي.
التحليل يدعم هذا عبر:

طبيعة الرسائل

الأسلوب المشفّر الأقرب للشيفرات العسكرية

تغيّر أسماء النداء بما يتوافق مع تنظيمات القوات

تزامن البث النشط مع أحداث عسكرية


يُرجَّح أنها تخضع لإدارة المديرية الرئيسية للاتصالات في الجيش الروسي.

سادسًا: الحوادث الشهيرة عبر تاريخ المحطة
1. حادثة 2010 – توقف غير معتاد

توقفت الإشارة لعدة ساعات، وخلال ذلك سُمع:

تحريك أثاث

أصوات أشخاص يتحدثون

طرق أبواب
ثم عادت الإشارة من موقع جديد.
اعتُبرت هذه الحادثة دليلًا على انتقال فعلي للمحطة.


2. حادثة بث الموسيقى 2013

بثت المحطة أغاني روسية قديمة لمدة دقائق، ربما عن طريق خطأ داخلي.

3. الرسالة الطويلة 2015

ظهرت رسالة صوتية مُطوّلة بكلمات مشفرة، وتعد من أهم الرسائل التي أثارت التساؤلات حول طبيعة عملها.

4. النشاط العالي بعد 2022

شهدت المحطة رسائل أكثر من المعتاد، مما دفع كثيرين لربطها بالأحداث العسكرية.

سابعًا: النظريات حول وظيفة المحطة
1. قناة عسكرية للاتصالات المشفرة (الأقرب للصحة)

يعتقد الباحثون أن الطنين هو مجرد “إشارة حضور” للتردد، بينما تُرسل الرسائل عند الحاجة فقط.

2. نظام إنذار للطوارئ

قد تُستخدم لإرسال أوامر سريعة للقوات البرية أو الاحتياط.

3. جزء من نظام الردع النووي

نظرية “اليد الميتة” claim بأن توقف الإشارة قد يشير لحدث خطير، لكن لا توجد أدلة قوية عليها.

4. محطة مراقبة ترددات

الطنين يحافظ على تردد القناة ويمنع أي محطة أخرى من احتلاله.

ثامنًا: لماذا تستمر UVB-76 حتى اليوم؟
الموجات القصيرة لا تزال مفيدة رغم تطور الاتصالات لأنها:

تعمل لمسافات شاسعة جدًا

لا تعتمد على الإنترنت أو الأقمار الصناعية

مناسبة للاستخدام في حالات الحرب والكوارث

يمكن التقاطها بالأجهزة البسيطة


لذلك تُعد خيارًا مثاليًا للعمليات العسكرية الحساسة.

خاتمة
تظل محطة UVB-76 واحدة من أعظم الألغاز الإذاعية في العالم، فقد استمرت لأكثر من خمسين عامًا تبث طنينًا مستمرًا ورسائل مبهمة، مع عدم وجود أي توضيح رسمي حول وظيفتها.
ورغم النظريات العديدة، تبقى الحقيقة محصورة داخل الجدران التي تحتضن الميكروفون الصغير الذي ينقل صوت الطنين إلى ملايين المستمعين حول العالم.