مشروع دودة الجليد (Project Iceworm)

مشروع "دودة الجليد" كان خطة أمريكية سرية خلال الحرب الباردة، أُطلقت عام 1959 بهدف بناء شبكة من الأنفاق تحت جليد غرينلاند لتخزين وتشغيل صواريخ نووية موجهة نحو الاتحاد السوفيتي.
لكن المشروع فشل بسبب الطبيعة غير المستقرة للجليد القطبي، وأصبح لاحقًا أحد أكثر المشاريع الغامضة في التاريخ العسكري الأمريكي.

خلفية المشروع

بعد الحرب العالمية الثانية، دخلت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في سباق تسلح نووي محموم.
سعت واشنطن لإيجاد مواقع استراتيجية خفية لإطلاق الصواريخ النووية، فاختارت غرينلاند نظرًا لموقعها الجغرافي القريب من القطب الشمالي، كمنطقة يمكن من خلالها استهداف موسكو خلال دقائق.

عام 1959، أطلق الجيش الأمريكي مشروعه السري المسمى "دودة الجليد" (Project Iceworm)، بالتنسيق مع الحكومة الدنماركية جزئيًا، ولكن دون علمها الكامل بالأهداف العسكرية الحقيقية للمشروع.

معسكر القرن (Camp Century): الواجهة العلمية

لإخفاء الهدف العسكري الحقيقي، أُنشئ ما يسمى بـ "معسكر القرن" (Camp Century) كواجهة علمية تحت غطاء “دراسة الجليد والمناخ”.
بدأ البناء عام 1959، وكان يهدف إلى اختبار إمكانية بناء مدينة كاملة تحت الجليد.

مكونات المعسكر:

22 ثكنة أقيمت على منصات خشبية مرتفعة.

شبكة أنفاق بطول نحو 335 مترًا استخدمت كـ “شوارع تحت الأرض”.

مولد طاقة نووي صغير لتشغيل القاعدة.

أنظمة تدفئة وإنارة ومطابخ وصالة ترفيه ومرافق طبية.

استخدمت مركبات سويسرية خاصة لنحت الجليد ونقله.


كان المعسكر يستوعب حوالي 200 جندي وعالم يعيشون ويعملون تحت درجة حرارة تصل إلى -30 مئوية.

الأهداف السرية

الهدف الحقيقي للمشروع كان بناء شبكة أنفاق تمتد لأكثر من 4000 كيلومتر تحت الجليد، تحتوي على ما يصل إلى 600 صاروخ نووي باليستي عابر للقارات (ICBM).
كان يُفترض أن تكون هذه القاعدة غير قابلة للكشف بواسطة الأقمار الصناعية، وتشكل خط دفاع وردع نووي ضد الاتحاد السوفيتي.

كان المشروع يعتمد على أن الجليد سيبقى ثابتًا، مما يتيح إنشاء “مدينة نووية” بالكامل تحت سطح الأرض تُدار بسرية تامة.

التحديات والأسباب وراء الفشل

رغم التقدم الهندسي المذهل، واجه المشروع مشاكل كبيرة:

1. عدم استقرار الجليد: تبين أن الغطاء الجليدي في غرينلاند يتحرك ببطء، مما أدى إلى تشققات وانهيارات في الأنفاق.


2. البيئة القاسية: درجات الحرارة المنخفضة والرياح العاتية جعلت الحياة والعمل شبه مستحيلين.


3. صعوبات لوجستية: نقل المواد والمعدات والوقود إلى الموقع كان مكلفًا للغاية.


4. التكلفة العسكرية والسرية: المشروع أثار اعتراضات سياسية ودبلوماسية، خاصة من الدنمارك بعد انكشاف نواياه.



بحلول عام 1966، تم إغلاق معسكر القرن رسميًا، وأُعلن فشل مشروع “دودة الجليد” من الناحية العسكرية.

إعادة الاكتشاف (2025)

في عام 2025، كشفت وكالة ناسا أثناء مهمة علمية في القطب الشمالي باستخدام رادارات متطورة عن بقايا القاعدة المجمدة تحت جليد غرينلاند.
أظهرت الصور شبكة من الأنفاق والمباني المطمورة في الجليد، وُصفت بأنها “حضارة مجمدة في الزمن”، مما أعاد الجدل حول المشروع بعد أكثر من ستين عامًا من نسيانه.

الأثر البيئي والمخاطر الحالية

تحت جليد غرينلاند ما زالت نفايات المشروع مدفونة، وتشمل:

وقود ديزل ومبردات مشعة.

مواد كيميائية ومياه ملوثة.

أجزاء من المفاعل النووي الصغير الذي كان يُستخدم لتوليد الكهرباء.

ومع ذوبان الجليد الناتج عن تغير المناخ، يخشى العلماء من أن تتسرب هذه المواد إلى البيئة المحيطة، مما قد يؤدي إلى كارثة بيئية في القطب الشمالي.

الدلالات التاريخية والاستراتيجية

يجسد المشروع ذروة التوتر النووي في الحرب الباردة.

يعكس الابتكار العسكري والهندسي في مواجهة الظروف القطبية القاسية.

يسلط الضوء على الآثار البيئية طويلة الأمد للمشاريع العسكرية السرية.

يُظهر كيف أن الطموح العسكري الأمريكي آنذاك تجاوز حدود الواقع الطبيعي والعلمي.

الخلاصة

مشروع دودة الجليد كان محاولة جريئة لتحويل الجليد إلى درع نووي استراتيجي، لكنه انتهى كدرس تاريخي في فشل المشاريع السرية العملاقة أمام قوى الطبيعة.
واليوم، مع استمرار ذوبان الجليد، لا تزال بقايا هذا المشروع تُذكّر العالم بأن أسرار الحرب الباردة لم تُدفن تمامًا بعد.