![]() |
*خطيبتي مريضة*
*خطيبتي مريضة*
ربط الحب بين قلبينا البريئين فصارا قلباً واحداً تحيط به روح واحدة، أينما أنظر لا أرى غيرها، أنستني كثيراً مما حولي من بشر أو شجر، حتى زرقة السماء وصفائها كنت لا أراها إلا بعينيها، تعاهدنا أن نكون سوية طيلة العمر، ولم نقبل يوماً أن يفرقنا أهل أو ظرف ما أو مال، سنحارب كل شيء ليكون حبنا دائماً في الأعلى. استمر العمر سعيداً هانئاً، نلتقي كلما أذن الوقت، لا نمل من اللقاء أبداً، وحبيبتي كانت حلوة جذابة، أخاف عليها من نسيم الصبح، ومن شعاع القمر. أتممت دراستي الجامعية بمرتبة ممتازة، وبدأت البحث عن عمل، وحبيبتي كانت ما تزال في سنتها الجامعية الثالثة، وأمامها سنتان على الأقل للتخرج. الأهل لا يمانعون علاقتنا، ولم نضطر يوماً للتخفي أمام أحد، فعلاقتنا مثالية وواضحة أمام الجميع. ما أن بدأت العطلة الصيفية، حتى جاءني اتصال مستغرب من والد حبيبتي، يطلب مقابلته في مقهى اعتدنا الذهاب إليه كثيراً في الماضي، وصلت دونما تأخير وإذا بأبي خطيبتي ينتظرني مهموماً أمام المقهى، دلفنا إلى الداخل بسرعة، واختار العم الطاولة الصغيرة في الزاوية البعيدة، وبدون مقدمات فاجأني بقوله: *عزيزي، لدي رسالة من ابنتي، سأقولها وأرحل، لقد طلبت إنهاء العلاقة معك، وعدم الاتصال بها بتاتاً، وتلك رغبتها، وهي لا تريد أن تذكر السبب، كما إنها مكتئبة لأبعد مدى، وقد سجنت نفسها في البيت، لا تغادره أبداً، أرجو أن تجد لك طريقاً آخر بعيداً عن ابنتي. وقبل أن أستوعب ما قيل أمامي من كلمات، قام العم عن مقعده بتوتر وحزن ظاهر، ورحل. وقع الخبر علي كالصاعقة، هل أنني في حلم، سنوات عدة مستمرة من الألفة والمحبة، ويأتي الفراق بهذه الطريقة، وبدون إبداء أي سبب!!! كيف لمثلي أن يتحمل ذلك! لم أستوعب الموقف، يجب أن أسمع الخبر من حبيبتي شخصياً وليس من والدها، أرن على هاتفها، فلا أسمع إلا "الرقم خارج الخدمة"، ماذا حصل! أكاد أجن! لا أدري كيف أستمر في حياتي! وبدأت البحث عن صديقات حبيبتي، اللواتي يعرفن قصتنا، أشكي لهن ما حصل، يستغربن، ويعدنني بالتدخل، وبعد مدة أسمع منهن اعتذاراً صريحاً: *نحن آسفون، لن يمكننا عمل أي شيء، ولم نتمكن من معرفة سبب ما حصل. ومضت الأيام، والفضول يزداد في قلب عمر حتى وصل مداه، ولم يتمكن أن يعرف سبيلاً واحداً لكشف الغموض الذي أحاط بانسحاب حبيبته سلوى من علاقتها به. لقد كانت أروع خمس سنوات في حياته، تفاهما على كل شيء، سوياً رتبا بيت الزوجية، كانا على وشك بدء المرحلة الأخيرة وتتويج كل الحب بالزواج، هو لم يعرف غيرها، ولم يفكر بغيرها، وجودها معه جعله لا يرى غيرها أبداً، فكيف لهذا الحب أن يذهب سدى. ومضى عمر يفكر ويحدث نفسه، ولكنه لم يضع أي احتمال أمامه أن يتخلى عن حبيبته، سأستمر في المحاولة، ولن أيأس لأي سبب، هذه الفتاة من نصيبي، لن أتركها أبداً. في يوم من الأيام، بينما كان عمر يمر قريباً من المستشفى العام، لمح حبيبته تسند أباها، وهما في طريقهما للدخول إلى المستشفى، وعندما ركّز نظرته على المشهد، لم يدرِ حينها من يسند الآخر، هل والد حبيبته مريض لدرجة صعوبة أن يمشي لوحده، أم أن حبيبته هي المريضة لدرجة أنها تستند إلى والدها، ولا تستطيع المشي وحدها. وقف بسيارته عند الرصيف ينتظر، يريد أن يعرف، وقد ساوره الشك وبدأ ينهشه من الداخل، ومضت ساعتان كاملتان، وخرج الوالد، وصار واضحاً أن ابنته هي التي تستند إليه، وعرف الآن سبب تضحيتها وانسحابها وبعدها عنه حتى لا يشاركها الهم والمرض. اختلف الوضع أمام عمر، الآن عليه أن ينسى جميع ما فات من محاولاته السابقة، ويضع خطة جديدة تتناسب مع الوضع الفعلي الذي رآه أمامه. وبحماس الشباب الذي يحمله، وبقوة حب الخمس سنوات، وضع عمر خطة غريبة جنونية، *الفصل الثاني والأخير* وبحماس الشباب الذي يحمله، وبقوة حب الخمس سنوات، وضع عمر خطة غريبة جنونية، وبدأ في اليوم التالي بتنفيذها. في البداية، شرح الخطة بتفاصيلها لوالديه، الذين رفضا مثل هذه الخطة المجنونة رفضاً قاطعاً، ولكن عمر لم ييأس وأصر على موقفه، مما حدا بالوالدين أخيراً أن يوافقا ولو على مضض. وجاء الدور الآن على والدي حبيبته، فعليه أن يقنعهما ليكونا إلى صفه في تنفيذ الخطة، وبدونهما فالخطة ستبقى في مهدها ولن تتحرك قيد أنملة. هو يعلم أن والد حبيبته يقضي بعض الوقت مع أصحابه، بعد صلاة العشاء، في المقهى القريب، فذهب هناك وكمن في مكان كاشف للمقهى، حتى أزف الوقت، ودخل الوالد إلى المقهى وسلم على أصحابه، وما أن جلس حتى فوجئ بعمر يدخل المقهى ويسلم عليه ويستأذنه أن يتكلم معه منفرداً. قام الوالد وجلس مع عمر على طاولة بعيدة في زاوية المقهى، *عمي، لقد عرفت أن سلوى مريضة، أو مريضة جداً، وقد قضيتم أكثر من عام في المستشفيات حتى الآن، ولكن هل تعلم كم أن الفرحة والراحة النفسية هي خير علاج في مثل هذه الحالة. *حسناً يا بني، ماذا تعني بكلامك، أنا لا أفهم شيئاً. *عمي، لدي خطة لا يمكن أن تنجح إلا بموافقتك واشتراكك معي بها. *خطة !، لا أفهم !، إن الوضع صعب علينا، ولا يوجد خطط يمكنني التفكير بها الآن. *أرجوك عمي، اسمع خطتي، وأرجوك ألا ترفضها، إني أحب سلوى حباً كبيراً جداً، وصدقني، أنا لن أتخلى عنها مهما كانت الظروف حولنا صعبة. *يا بني، سلوى تصر ألا تتكلم معك، ولو اتصلت عليها فلن ترد عليك، هذا قرارها منذ ذلك اليوم الذي عرفت فيه بمرضها. *ولكنها لا تعرف أنني معها لحظة بلحظة، وأنني لم أبتعد عنها أبداً، أرجوك يا عمي وأتوسل إليك، أريد أن أخطب سلوى، وأن أكون قربها، ساعدني أرجوك. *كيف ذلك، هذا جنون، كيف أمكنك التفكير بطب مثل هذا في حالتنا! *أرجوك عمي، خذ الموضوع بجدية، واسأل الطبيب، ومهما يكن رأيه فسوف نقبل به بدون اعتراض، المهم أمامنا هو أن تتحسن صحة سلوى. *سأتشاور مع زوجتي ومع الطبيب المختص وأرد عليك. *أرجوك، لا تتأخر علي، لو يكون في الغد، فهذا أفضل. وفعلاً هذا ما حصل، اتجه الوالد إلى المستشفى، وشرح الوضع للطبيب الذي أثنى على الفكرة، وأكد أن ذلك قد يحسن الحالة، أما والدة سلوى فكانت وكأنها على جمر، وافقت مباشرة، تريد لابنتها أن تنجو من المرض، بأي شكل من الأشكال. تمت الموافقة على الخطبة، حمل عمر الخواتم معه، وقصد المستشفى بسرعة، وعندما وصل غرفتها، كانت سلوى نائمة، استأذن الممرضة أن يكون معها، أخذت الممرضة الأذن من الطبيب، وتركت عمر يدخل الغرفة المعزولة. دخل عمر الغرفة، وفوجئ بكم الأجهزة الموصولة على الجسد الضعيف، وفوجئ كذلك بالوجه الهزيل الذي لا يحمل لوناً ولا رونقاً، واقترب من السرير، وطبع قبلة طويلة على جبين حبيبته، التي بدأت تفتح عينيها، وشدهت أن من قبلها هو حبيبها الذي اضطرت للتخلي عنه وابعاده عنها حتى لا تظلمه معها ومع مرضها، وبصوت واهن استفسرت، *عمر! كيف أنك هنا، كيف ذلك! *أنا هنا لأني خطيبك رسمياً، لقد أقنعت والدك ووافق هو ووالدتك على الخطبة، انظري، لقد جئت لك بالخواتم، أما باقة الورد، فلم يسمحوا لي أن أدخلها معي. *كيف خطبتني، لا أستوعب ما تقول!. *حصلت على موافقة أبي وأمي، ثم اجتمعت مع والدك في المقهى، وطلبتك منه، استمهلني، وسأل والدتك كما سأل طبيبك والكل كان موافقاً. *هذا شيء غريب جداً، وكأنني في حلم. *اسمعي، يقولون إن مرضك صعب، وأنا أقول، عليك أن تأكلي كثيراً وتتناولين الدواء في مواعيده، وسأكون معك كل اليوم صبحاً ومساء، وحتى لو مللت من وجودي، فلن أغادر أبداً. *أنا أملّ من وجودك!، أنا أريدك معي طول العمر، ولكن ماذا أفعل! لقد كان المرض أقوى مني. *لا عليك، بإذن الله ستتحسنين، وسنعاود مشوارنا مرة ثانية، ستتجاوزين المرض، وتكونين بإذن الله بصحة جيدة. خمسة وأربعون يوماً، متصلة، لم يغادر عمر المشفى لحظة واحدة، أزيلت الأجهزة الطبية بالتدريج عن جسد سلوى واحداً تلو الآخر ، وآخر جهاز تمت إزالته كان بعد ثلاثين يوماً من وجود عمر بجانبها، انصلح نبض القلب، وعاد تورد الخدين، واستعادت سلوى شيئاً كثيراً من وزنها الذي كانت قد فقدته خلال المرض. ولم يمر سوى شهرين، حتى أحست سلوى أنها بصحة جيدة، وأنها تريد أن تغادر غرفتها إلى البيت، رفض عمر وأصر أن يأخذ حبيبته إلى مقهى مشهور كانا يرتادانه سويا من قبل، ليحتفل بشفاء حبيبته ويحتفل للمرة الأولى بخطبته وسعادته. ------------------xxx------------------- |
الساعة الآن 07:54 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.