![]() |
" ثقافة الحُب "
قال : هبت أفواج عديدة من بني البشر ، بقلوبها العامرة ، أو الخالية، بعقولها المثقفة ، أو الفارغة . من : هذه الأفواج لا نجد من لديهم ثقافة الحب . فعندما يستمتع الإنسان بمشاعر الحب بكل أمانه ، ومصداقية ، يعيش بسلام . وعندما يكتفي الإنسان بحبه وقناعته ، ستنتهي تلكم الخيانات . قلت : في نظري بات الحب اليوم مظلوم معناه ، فأصبح جسدا بل روح ، وحروف بلا معنى ! وأصبح أداة جريمة به ومن خلاله تقتل قلوب وتسلب عقول ، تعددت معانيه حتى احتاج الأمر لإفراد قاموس جديد ليرفق فيه مصطلحاته ليشمل المعنى ومرادفاته ، والذي في أصله ليس له غير معنا واحد ! فالحب اليوم واكب عصر السرعة ! فسرعان ما ينجذب القلب نحو قرينه من الجنس الآخر ومن غير مقدمات ولا وضع الحساب ، ومشروع وجدوى يكون به المآل ! فقط ... من أجل المغامرة وبتر أثار الملل ، وقضاء الأوقات حتى باتت المشاعر والعواطف لعبة يتندر ويتسلى بها من لا يقيم للحب : قداسة و لا حرمة و لا وزنا ! وبذلك : شُوه وجه الحب السمح النقي ، فأصبح البعض يتعوذ ويستعيذ كلما سمع اسمه ، ليحشره ويترك في قفص الإتهام ، ليصبح الحب اليوم مجرد اسطورة وأوهام ، وضرب من ضروب الخيال ، يقاس وجوده على وجود " العنقاء " ! " إلا ما رحم ربي " . ولهذا نجد الضحايا لتلك الخديعة تنطق الآهات ، وتدافع الشهقات و الزفرات ! للأسف : أصبحت كلمة " الحب " في عرف البعض وسيلة ابتزاز للوصول إلى دركات الغايات الخسيسة ، المنحطة ، الرخيصة ! من غير أن يلتفت وتراعى أحوال تلك الضحية ! ومن هنا : وجب تحرير ذلك المصطلح الذي يسوقه البعض ممن يشهرون ويذيعون عبارته ، كي : تعرض على العقل قبل أن تستوطن القلب ، وهي في أصلها وحقيقة أمرها ، عارية مجردة من مضمونها ومعناها محض ادعاء ، ليس عليه دليل ولا برهان ! ما أقسى الحب اذا ما صار مشيدا على قواعد السعادة ! من غير أن يجعل للعوامل المحيطة به أي حساب ، ليكون بذلك معرضا للإنهيار وللإدنثار ! نجري خلف العواطف ، لنرسم بها جنة الفردوس التي ليس فيها صخب ، ولا أوجاع ! متجاهلين بأن الروح ما تزال يطرقها معاول الأسى والأحزان ، فهي ما زالت ترتع في جنبات الدنيا الحقيرة ، التي لا تبقي ولا تذر ولا تستقر على حال ، نهيم والفرحة تغمر كل ذرة من ذراتنا فرحا وطربا كلما عانقنا محيا من اسكناهم سويداء قلوبنا ، لنعبر بهم لجج الحياة ، لنجعلهم بذلك محطة ومأوى نلجأ إليهم كلما ضاقت علينا الدنيا والأيام ، تمنينا : لو أن السعادة كتب لها العصمة والبقاء لتبقى متشبثة بتلابيب أيامنا التي يقلب ساعاتها تعاقب الليل والنهار ، غير أن ما سطره القلم لا بد أن يجري على صفحة واقع الحال ، فكم أتلو على مسامع الحياة تراتيل الأشواق ، ليتناغم مع تلاوتي الثقلان ، معلنين بصدق ما أبثه من أشجان ، أتبع صوت حادي الحنين لذاك الحبيب ، الذي غيبه طول السنين ، فما زلت أذكر يده التي مدها ، واقسم بالأيمان المغلظة بأنه يكون لي دوماً حبيب ، وما إن دار الزمان دورته حتى توارى بالحجاب فغاب عن الأنظار ، أيقنت حينها بأن الحب يقاسم الإنسان طور حياته ، وأنه يعيش على وقع أنفاس ، ما أن تتوقف تلك الأنفاس حتى يصبح بعدها في خبر كان ! عجبت كيف لذاك المرء يعيش في صمت ؟! وهو يتردد بين جنبات من يحب وهو بعيد الحس ؟! يتدفق ذلك الحب شلالاً من المشاعر على قلبه ، ولا ينطق مع كل ذلك لسانه ! لما لا تكون الوسطية هي مسافة أمان ؟! منها نحافظ على عقولنا وقلوبنا إذا ما دار الزمان دورته ، وحل مكان القرب البعد ، وحل محل الربيع الخريف ، وجففت ينابيع الوصل ، لما لا يُترجم القول الفعل ؟! بحيث يكون الحب في معناه الصحيح على أن يكون عبارة عن تضحيات ومواقف ، وأن يكون الحب راسخا ، محافظاً على جميل الذكربات ، ولو تغيرت الظروف وخرج الأمر عن نطاق السيطرة في أي ظرف وسبب من غير عمد أو تربُص ، ليكون للقدر اليد الطولا لتبديل الحال من ثابت مستقر لمتحرك مضطرب ، كم أتفكر في ذلك التحول العظيم الرهيب _ في حال المحب _ الذي يكون من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال ، ليتحول ذلك الحب العظيم لكره عظيم دفين ! هل ردة الفعل هي من تعمي البصر والبصيرة ؟! " لتُنسي ، أو تتناسى ذلك الإرث من الذكريات الجميلة " ؟! أما يكون الهلاك في اختيار ذلك الأسلوب في نزع ما علق في قلب وعقل من تغذى وشرب من ذلك الحب ؟! ليكون البكاء على الأطلال ، وجلد الذات هو الجزاء الوفاقا لذلك المكابر المحتال ! من تسلل كرهه في قلوبنا علينا أن نتحين الفرصة لنقيم المعوج منه إذا كان له القرب منا ، وإذا كان ممن يمتهنون مهنة العناد والتغاضي فيكفين تركه المقدم والأولى ولا نُوجع به بعد ذلك الفؤاد ، فما أجمل القلب عندما يكون خالياً من الحقد والنكال ، فبذلك يطول بنا المقام في روض راحة البال ، فما كان الصلاح إلى بغية الخَلق ، ممن علم علة وسبب الخَلق ، والإنسان رهين عمله وهو المحاسبُ عليه ، وما عليه إلا تهذيب نفسه وترويضها ، وأن يكون إضافة في الحياة بحيث يكون أصفاراً تلي يمين " الواحد " من الأعداد ، لا أن يكون أصفاراً تلي الشمال من " الواحد" من الأعداد ، حينها يكون لوجوده في الحياة لا يجاوز العدم ! |
الساعة الآن 06:42 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.