منتديات منابر ثقافية - وجهة نظر حِمَار

كنت فيما مضى أرى الحمير على طول الوادي وقت الضحى واقفة كعادتها متصنمة سارحة وكأنها مشغولة تفكر في شيء ما
كنت بمجرد رؤيتها أنذكر وصف أهل القرية لكل شخص يقف وحيدا وقت الضحى فينعتوه ب "حمار القائلة "
هذا النعت يردده جميع أهل القرى أنه نوع من الاستفسار لسلوك الحمير الغريب
على كل حال اختفت هذه الحمير من قريتنا ولم نعد نرى سوى جثثها بين الحين والأخر وقد سلخ منها الجلد تتجمع حولها الهوام بسبب "إيجياو"، وهي مادة جيلاتينية تستخلص من جلود الحمير، يعتقد أنها تعالج الأرق وتمنع ظهور أعراض الشيخوخة إضافة أنها تعمل كمحفز لموضوع شغل فكر الرجال لن أتطرق إليه
المهم أنه كانت لدي عادة غريبه مثلها مثل عادة الحمير لم أجد لها تفسيرا وهي أنني عند كل ظهيرة وعندما تكون الشمس في كبد السماء أصعد تل يشرف على القرية وأجلس فيه لمدة ساعة واحدة فقط ثم أعود أدراجي
وفي أحد تلك الظهيرات وعند نهاية ساعتي أطل علي حمار من خلف صخرة ثم تجرأ واتجه إلي خافضا أذنيه وبمجرد وصوله رفع رأسه وأخذ يحدق بي فقلت: أهلا أبو صابر الحمد لله على السلامة .
وتابعت حديثي وأنا أدقق في عينيه الناعستين قائلا: كيف نجوت من شباب القرية ؟!، يجب عليك توخي الحذر فأنت لم تعد نكرة كما في السابق بل أصبحت ذا قيمه إنك أغلي من الغزال في عيون البشر وقمت من مكاني وأنا في طريقي للمركبة مسحت رأسه بحنان وقلت أستأذنك يا صديقي: هل من خدمة أقدمها لك؟
وعندما تجاوزته بعدد من الأمتار سمعت كلمة (نعم)... كانت الكلمة مصدرها الحمار أنا متأكد من ذلك فالتفتُ مرعوبا جهة الحمار وأخذتُ أتمتم بآيات من القرآن .
فبادرني الحمار قائلا: هدئ من روعك يا أخي فالذي أمامك هو حمار ابن حمار، سألته إن كان يحتاج خدمه، فأجاب: بنعم والآن إن كنت تعني ما تقول فأنا في حقيقة الأمر في حاجة ماسة لخدمة منك
فقلت متلعثما: هل أنت جني ؟!
فقال بضيق: الجن مساكين بالنسبة لكم معشر البشر، والآن استمع إليّ جيدا أنا حمار لديه مشكله هل بإمكانك مساعدته؟!
لا أعلم كيف تجرأت وقلت له اعذرني فأنا لم يحصل لي الشرف وأن تحدثت مع حمارٍ في حياتي قط، المهم ما نوع الخدمة التي تريد أن أقدمها لك
فقال وقد سالت الدموع على خديه الطويلين: لم يبق لي في هذه الدنيا سوى زوجتي أتانا ابنة جويحش ،وابن جوحيش إن كنت تنوي مساعدتي أبعدنا من هنا وخذنا إلى منطقة نائية لا يمكن للإنسان أن يصلها
فقلت: وماذا عن الذئاب والضباع
فقال الذئاب والضباع أكثر رحمة منكم أنتم أيها البشر!