![]() |
المكان المظلم
تفتّحت بصيرتهُ للتوِّ، المكانُ مظلمٌ كالليل الحالك، تتسلّلُ إلى مسمعه أصوات غريبة لم يسمعها من قبل، يسمع قرقعة دفوف وأنغام طبل منتظمة، وخرير سوائل من هنا وهناك، يشعر بخفة بالغة يكاد يطير ولكن شيئاً ما يثبّتهُ بالمكان، يشعر أنه في الجنّة ولكنها جنّة مظلمة، كلّما اشتهى شيئاً أتاه فوراً، ولكنّ الظلام يزعجه، يريد أن يرى النور، تمر الأيام والشهور وهو على هذا الحال، جسده ينمو ويكبر ويزدادُ جمالاً، ولكنه لا يبرح مكانه، لا يستطيع الخروج من هذا المكان المظلم، جسده ما زال ضعيفاً لا يقوى على الخروج من بوابة المكان الضيّقة المحكمة الإغلاق.
بعد مرور عدة شهور، شعر بقوة أكبر وبدأ يحاول الخروج من المكان، كان يتراجع إلى الأعلى ثمّ وبكامل ثقله يدفع إلى الأسفل، يستخدم يديه ورجليه ورأسه في محاولةٍ لشقّ فتحة صغيرة في الباب كي يستطيع النفاذ إلى الخارج، أصبح يستطيع سماع من في الخارج، يحاول تمييز ما يقولون لكنه لا يفهم لغتهم، وكلّما اجتمعوا يرتفع صوت القرقعة فيحاول الخروج مرة بعد مرة ولكن دون جدوى. وذات يوم، أتاهُ هاتفٌ يجهل مصدره، يخبره بأنه قد حان الوقت للخروج، فاستجمع قواه وبدأ يدفع بجسده إلى الأعلى حتى يندفع بقوة أكبر هذه المرة، وفعلاً بعد محاولاتٍ كثيرةٍ، استطاع أن يُطِلَّ برأسه من بوّابة المكان المظلم، وما أن أبصر النور حتى هزته صرخةٌ عظيمة تتخللها كلمات غريبة تشبه الترانيم أو الأدعية، صاح أحدهم: مبروك .. ولد .. إنّهُ ولد .. يتربى بعزكم! شعر بخوفٍ كبير، أراد العودة، حاول التمسّك بالمكان المظلم، ولكنهم يسحبونه بقوّة .. باءت جميع محاولاته بالفشل، وبعد دقائق وجد نفسه في مكانٍ يملؤه النور وقد استقرّ جسدهُ على ملاءة بيضاء فوق سريرٍ مرتفع، فأخذتهُ سيّدةٌ جميلة، وألقمتهُ ثديها وهي تربت على ظهره بلطف وحبّ، ومنذ ذلك الحين وهو يحبّها. |
رد: المكان المظلم
نص جميل حيك بحرفية وإتقان ...العنوان غامض، لذلك فهو يثير فضول القارئ ويستدرجه لنهاية غير متوقعة لم يكن من الممكن القول فيها بالحدس أو التخمين....وكانت ولادة جنين يحكي عن ماضيه في عالم يشهد بعظمة الخالق سبحانه الذي خلق كل شيء فأحسن خلقه..
تقديري لقلمك المبدع :31: |
رد: المكان المظلم
أعجبني وصفك الجميل الدقيق للجنين وهو يتوق إلى الانعتاق والخروج من الظلمة الدافئة إلى نور الحياة القاسية
دام قلمك متوهجا أخي القاص موسى تحياتي وتقديري |
رد: المكان المظلم
اقتباس:
قراءة رائعة تنم عن فكر عميق. شكراً على حضورك الرائع تحياتي واحترامي |
رد: المكان المظلم
اخي موسى إبراهيم لقد اعجبني قوة وصفك واعجبني أكثر هذان المقطعان واللذين يجعلان القاري يهيم بفكره محاولا الوصول الى دلالاته
مبروك .. ولد .. إنّهُ ولد .. يتربى بعزكم) ) (شعر بخوفٍ كبير، أراد العودة، حاول التمسّك بالمكان المظلم، ولكنهم يسحبونه بقوّة .. باءت جميع محاولاته بالفشل، وبعد دقائق وجد نفسه في مكانٍ يملؤه النور وقد استقرّ جسدهُ على ملاءة بيضاء فوق سريرٍ مرتفع، فأخذتهُ سيّدةٌ جميلة، وألقمتهُ ثديها وهي تربت على ظهره بلطف وحبّ، ومنذ ذلك الحين وهو يحبّها) أخيرا: نصك استاذي لروعته حللت عليه ضيف لمدة ساعة كامله لشعوري ان هذا النص او هذان المقطعان يحاولان إيصال شيء خاصة وقد انتهى بهذه العبارة (ومنذ ذلك الحين وهو يحبّها) نعم الأمهات هن مصدر الأمان بعد الله عز وجل لكل مخلوق |
رد: المكان المظلم
اقتباس:
سبحان الخالق خلق فأبدع، الحمد لله، تحياتي واحترامي |
رد: المكان المظلم
اقتباس:
هلّا قبلت اعتذاري وغفرت لي تأخّر ردّي لأسباب خارجة عن إرادتي، فلهذا التعقيب العظيم تقف الحروف احتراماً وتبجيلاً حضورك نور على نور .. شكراً لك تحياتي واحترامي |
رد: المكان المظلم
فخامة اللفظ وأصالته ..
كم أجدت الوصف والعزف على أوتار الروح تعودت في أعمالك الإبهار .. وأيضا عبق النحت اللغوي و البياني ! شكرا لأنك هنا من جديد :45: |
رد: المكان المظلم
اقتباس:
لا تكونين في مكان إلا كان النّور والدرّ المنثور فشكراً لحضورك وسخاء عطائك الذي أتمنى على الله أن يجعلني أهلاً له. تحياتي واحترامي وتقديري |
الساعة الآن 02:50 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.