![]() |
مدارات التصوف والشعر في الثقافة العربية الإسلامية
يشكّل التصوف الإسلامي الذي بدأت أولى بوادره في الظهور في القرن الأول للهجرة , ليبلغ أشدّه في القرون الثلاثة اللاحقة , الحلقة الأكثر غموضا ً والأكثر إثارة للجدل , إن على المستوى العقائدي , أو على المستوى العملي , أو على المستوى الفلسفي المحض , أو حتى على المستوى الفني ( ممثلا ً في المتْنَيْن الشعري والنثري على السواء ) . ويمكن أن يشار إلى التصوف دائما ً على أنه الطريق الذي سلكه الفرد فإنه لن يرجع عنه أبدا ً ( من وصل لم يرجع ) وهذا الذهاب بلا عودة هو ما يثير جمهرة الأسئلة المرتبطة بمعنى التصوّف وغايته وأسراره واصطلاحاته وشطحاته .. إلخ , إنه ذلك العلم الغريب والمنهج المتلبس بالغموض والسرّية , من تجرأ من سالكيه على الكلام - بالشعر أو بغير الشعر - كان نصيبه على الدوام سوء الفهم وسوء المنقلب , فيتُهم بالزندقة والكفر , وقد يُقتل أو يُصلب أو يُنفى من الأرض , لذا ذهب إلى وجوب الصمت وحكمة ( ما كل ما يُعرف يُقال ) أساطين التصوّف كالشبّلِي مثلا ً , حين أشار إلى مجاهدات الطريق وأسراره وكراماته باللفظ الرمزي والمصطلح , وليس بالتعبير العادي المباشر , لالتباس الحال نفسها من جهة , ولتجنّب فهم العوّام القاصر عادة عن بلوغ الأرب من الكلام لفظا ً ومعنى ً . ونحن أولاء في هذا الموضوع الذي نعقده للحديث عن التصوف , نريد أن نجلّي ما أمكن من تاريخه ومصطلحه وأيديولوجيته , وجهازه المعرفي , لا سيما وأنه علم زاخر يجمع علوما ً شتى كعلوم القرآن والحديث والفقه والشريعة والأصول والعقائد وعلم الكلام والأدب والبلاغة وعلم النفس والطبائع وغيرها من المعارف .. إنه علم العلوم ومنتهى الإدراك , وكفى به وصفا ً يدلّل على صعوبته ما يقول عنه أصحابه من أنه علم لدُّني لا يصل إليه الإنسان بمحض تحصيل وتنقيب , بل بمحض توفيق وتوقيف . http://4-hama.com/up//uploads/images...70da1c004f.jpg وللحديث بقية إن شاء الله ... |
في أصل التسمية والاصطلاح : ما التصوف أصلا ً ؟ في اللغة العربية نجد أن أصل كلمة تصوّف يرجع إلى عدة مصادر أو اشتقاقات أهمها الصوف , وهي المادة الأولية التي كانت تصنع منها الملابس قديما ً , وتحديدا ً ملابس الفقراء لرخص ثمنها وخشونتها , وإلى هذا الرأي يميل أغلب الدارسين ومنهم المستشرق الألماني ( نولدكه ) الذي بين في يقين في مقال نشر سنة 1891 أن الكلمة مشتقة من الصوف . يقول الكلاباذي : ( ومن لبسهم وزيّهم سمّوا صوفية , لأنهم لم يلبسوا لحظوظ النفس ما لان َ مسّه وحسن منظره وإنما لبسوا لستر العورة , فتجوزا بالخشن من الشَّعر , والغليظ من الصوف ) . وهو يدعم رأيه هذا بحديث أبي هريرة في وصف أهل الصفة أفقر الصحابة المهاجرين : ( يخرّون من الجوع حتى تحسبهم الأعراب مجانين . وكان لباسهم الصوف , حتى إن كان بعضهم يعرق فيه فيوجد منه رائحة الضأن إذا أصابه المطر ) . كما يؤكد أن الصوف لباس الأنبياء وزي ّ الأولياء . أما الحسن البصري - وهو من أوائل المتصوفة - فيقول : ( لقد أدركت ُ سبعين بدريا ً ما كان لباسهم إلا الصوف ) كما يذهب إلى هذا الرأي العلامة ابن تيمية دون أن يعتبر لبس الصوف شرطاً ضروريا ً في التصوف : ( وهؤلاء نُسبوا إلى اللبسة الظاهرة , وهي لباس الصوف , فقيل في أحدهم ( صوفي ) , وليس طريقهم مقيّدا ً بلباس الصوف ولا هم أوجبوا ذلك , ولا علقوا الأمر به , لكن أضيفوا إليه لكونه ظاهر الحال . يتبع إن شاء الله .. |
الساعة الآن 05:28 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.