![]() |
يوميات مدرس - رشيد الميموني -
بين الماضي والمـضارع من الأشياء التي لا زلت أتذكرها ، وقوفي أمام الثانوية رفقة زملائي و نحن تلامذة بالسلك الإعدادي ، ننتظر انفضاض اجتماع الأساتذة ليخبرونا عن نتائج المداولات . و لن أنسى ما حييت خروج أحد أساتذتي وهو يتصبب عرقا بعد نقاش حاد حول مصير أحد التلاميذ الذي لم تكن نتيجته تسمح له بالانتقال إلى السلك الثانوي . لكن ثبات الأستاذ و بعض زملائه على موقفهم أنقذ التلميذ من الفصل عن الدراسة ، نظرا لسلوكه وتميزه في المواد الأخرى . أتذكر هذا كلما انعقد مجلس للأقسام في نهاية كل دورة دراسية ، و أرى كيف تملى النتائج على المدرسين ليدونوها بكل استسلام في مذكراتهم بدون نقاش – عفوا ، لا زالوا يحتفظون أحيانا بحقهم في منح أو رفض التنويه أو التشجيع أو لوحة الشرف أو التنبيه أو التوبيخ . و أتذكر ذلك أيضا كلما انهالت المذكرات تصلح ما هو غير صالح ، و تعيد إصلاح ما أصلح من قبل ، فتعدل وتبرمج و تخطط وتجرب وتنتقي غير عابئة بموقف المدرس و رأيه في ذلك ، مع أنه هو الأقرب إلى تلامذته و الأدرى بما يصلح ويفيد ما دام هو في معمعة التدريس و يتلظى بأتونها . كنت منذ يومين أتدارس الأمر مع أحد زملائي ، فابتسم وهو يطلعني على مطبوع خاص بـ"حسن سلوك الموظف" وواجباته في هذا المجال . فأبديت رأيي المؤيد لمثل هذا الأمر ، لكنه قاطعني قائلا : - تصور.. علينا بتوقيع المطبوع و الالتزام بما فيه ، هكذا وبكل بساطة ، مع أني أتحفظ على كثير مما ورد من تعليمات .. كدت أطرح سؤالا آخر ، لكن الجرس دق معلنا انتهاء فترة الاستراحة ، فنهض مبتسما وهو يقول : - لهذا السبب يكون الماضي أحسن من المضارع .. أحيانا . و لكن أين نحن كن ذلك الماضي الذي ولى ولن يعود ؟ |
القاعــة والذوق الرفيع تلبية لدعوة من أحد زملائي ، قمت بزيارة للإعدادية التي يعمل بها . و قدمني لباقي الأساتذة الذين رحبوا بي وقدموا لي الشاي و الحلويات ، وتبادلوا معي أطراف الحديث عن التدريس و شجونه فشعرت بأنس لا مثيل له . كان الجو رائعا ، و قضيت فترة الاستراحة أجيل النظر في أنحاء قاعة الأساتذة . كل شيء فيها كان متناسقا : الألوان و الرفوف و المزهريات . و غادرت المكان و أنا هائم في دنيا الخيال.. حقا أعجبني كل شيء ، لكني تساءلت في نفسي : ألا يمكن أن يتعدى ذلك إلى أشياء أخرى ؟قضيت معظم الليل أدون أفكاري ورؤيتي لما يمكن أن تكون عليه قاعة تليق بمدرسين تنعكس معنويتهم على مردودهم . و أضفت إلى ما عاينته هنا وهناك ، أمورا بدت لي سهلة التنفيذ و عزمت على عرضها على طاقم الإدارة والتدريس ، ملخصا ما دونته فيما يلي : 1- تأثيث القاعة بما يلزم من كنبات وبساط وكراسي لائقة . 2- تجهيز القاعة بكتب و جرائد و مجلات ثقافية . 3- اقتناء آلة لإعداد الشاي و القهوة . 4- تزيين القاعة بلوحات تشكيلية . 5- تنظيم سبورة الإعلانات و إحداث دفتر للملاحظات والآراء والاقتراحات . 6- جعل القاعة منتدى ثقافيا للمبدعين من الأساتذة في مجال القصة والرواية والشعر و التشكيل . سرح بي الخيال إلى أبعد من هذا، لكني كبحت جماح أفكاري و اكتفيت بما دونته ، في انتظار ردود الفعل على اقتراحاتي . |
أن أكون مدرسا أو ...لا أكون
كثيرة هي أسئلة تلامذتي حول الدراسة وطرق التدريس و المناهج التربوية ، حتى إني لأعجز عن تذكرها كلها و أجد حرجا في الإجابة عن بعضها . لكني لن أنسى ما قاله لي يوما أحد النجباء الصامتين دوما حين اطلع على بعض مقالاتي و قصصي ببعض الجرائد أنتقد فيها تصرفات بعض المدرسين الغير مسؤولة : - إني لأعجب يا أستاذ من تحاملك على الأساتذة ، و أنت واحد منهم . في ملاحظة تلميذي جواب عن سؤال . أي أني لا أستطيع التحامل على مدرسين و أنا أنتمي إلى إليهم . وفي هذه الحالة ، لا يمكن تسمية نقد أو ملاحظة .. تحاملا . لم أثر هذا الموضوع مجددا مع تلامذتي رغم ما استشفت في عيونهم من لهفة لسماع الجواب عن سؤال زميلهم ، لأني وببساطة آنف أن يخوضوا في حديث يمس المدرس و أنا أعلم باندفاعهم وما يحدث في بعض الأسر من شحن لقلوبهم البريئة . لكنهم تمكنوا من الاطلاع على مقال لخصت فيه رأيي بوضوح وقلت : 1- إني أرثي لمدرس يفتقر إلى أدنى أساليب التدريس ، ناهيك عن أسباب العيش الرغيد . ويتقبل على مضض كل تعيين مجحف أو نقل جائر تعسفي إلى أقصى البقاع حيث يفتقد كل شيء وينزل الشخص فيها إلى دون مرتبة الإنسان . و يتحمل بصبر نزوات المخططين و أساليبهم في المكر و الخداع المنبعث من مكاتب غارقة في بحار الكسل و الغيبة و النميمة و الدسيسة . و يجاهد في صمت تجاهل الآخرين لحقوقه و اكتفائهم بإحصاء هفواته و عدد تغيباته و تأخراته و شواهده الطبية . 2- و أستهجن كل متطفل على حقل التربية والتعليم ، ليكشف عن مطامعه ويستغل براءة الصغار ، غير مميز بين غني وفقير . فيلزم البعض بالأتاوات ، والبعض الآخر بالساعات الخصوصية ، فينال الحظوة من ينالها و يستسلم الباقي لمصيره . و أستنكر من يفرغ عقده المكبوتة على زهرات بريئة . و أرثي لمن يساهم –عن وعي أو غير وعي – في التفرقة بين المدرسين ، حتى صرنا نخشى أن يكون لكل مدرس حزبه ونقابته. لم أسأل تلامذتي عن رأيهم ، لكني فوجئت بهم – و أحد الظرفاء يذكرني باطلاعهم على المقال – صامتين وفي أعينهم شيء من التقدير والإكبار .. أردت أن أبدد الصمت الذي ران على الفصل لكن... دق الجرس! |
أحجز -بشغف- مقعدا بالصف الأول لمتابعة هذه الروائع و لن أرضى بغيره بديلا كوني أفكر منذ أيام في تدوين يومياتي:o أيضا لي عودة للتعليق على بعض المقاطع المستفزة حقا مودتي |
اقتباس:
أنتظر بكل شغف يومياتك لأستمتع بقراءتها . دمت بكل الود . |
اسمح لي أن أسجل إعجابي بكل ما يخطه قلمك
ودعنى طالبة من طالباتك تنتظر أستاذهااا ؟؟ أنتظر جديدك بكل شغف تحياتي وتقديري |
الأستاذ رشيد متابعة مستمرة ليوميات مدرس سألوذ بالصمت كي أستمتع بعبير أزهارك دمت بكل خير |
اقتباس:
نورت كعادتك متصفحي . دامت لك المحبة . |
اقتباس:
سأحترم صمتك ، لأني أعلم أنه صمت يحوي الكثير مما يثلج الصدر و يطرب الفؤاد . كل الشكر و الامتنان لاهتمامك و تشجيعك الدائبين لي . لك مودتي التي لا تبور . |
و لأننى طالبة يسعدنى أن أتابع يوميات معلم مخلص لعمله مثلك , قد أكون مثل طلابك و سيكون عليك مواجهة أسئلتى الصعبة و المحرجة :). |
الساعة الآن 06:14 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.