لطائف نورانية 8 ( اتقوا الله في حروف الأبجدية )
==================================
حسام الدين بهي الدين ريشو
===================

=
أتعجب كثيرا من الذين يشكلون من الحروف كلمات وعبارات أو أبيات شعرية تثير الغرائز تلميحا أو تصريحا وتحمر من قراءتها وجوه أهل الحياء
حتى كتبت منذ سنوات خاطرة أو ق. ق. ج . قلت فيها
( مررت بكتاب ذات يوم فرأيت الحروف جثثا هامدة على هوامشه . ولما سألت عن السبب قيل لي : لقد انتحرت هربا من معان لا تتفق مع شرفها ! )

فالحروف لمن لا يعلم ( كما يقول الشيخ الأكبر محي الدين ابن عربي ) أمة ٌ من الأمم التي خلقها الله مخاطبون ومكلفون وفيهم رسل من جنسهم وعالمهم أفصح لسانا وأوضح بيانا ولهم شريعة يتعبدون بها مصداقا لقول الله ( وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم ) 44 الإسراء
هم مراتب ومنهم خاصة الخاصة التي فوق العامة وهي الأحرف الأربعة عشر التي جاءت في أوائل السور :
( الألف واللام والميم والصاد والراء والكاف والهاء والياء والعين والطاء والسين والحاء والقاف والنون )
وتسمى الحروف النوارنية لأن لها نورا خاصا
وقد جمعها الإمام على ابن أبي طالب كرم الله وجهه في عبارة تقول ( من قطعك صله سُحَيْرًا )

ومنها خلاصة خاصة الخاصة وهو حرف ( الباء )
ألا ترى تكريم الله سبحانه وتعالى لهذا الحرف حيث بدأ به كل سور القرآن الكريم في قوله تعالى ( بسم الله الرحمن الرحيم )
ولما اقتضت حكمته أن يحجب ( بسم الله الرحمن الرحيم ) عن مفتتح إحدى السور ( سورة التوبة ) بدأها بحرف الباء رغم ذلك فقال ( براءة )

أما رئيس هذه الأمة .. أمة الحروف فهو حرف ( الألف ) لاحظ أنه ساري في كل حروف الأبجدية ( باء - تاء ثاء - دال - ذال -صاد .... وهكذا حتى الحروف التي لايظهر بها كالميم مثلا تجده مبطونا في الياء التي بين الميمين وهكذا . كما أن له نائبان هما حرفا ( الواو والياء ) والثلاثة يسميهم النحاة حروف العلة ...
لعلنا بعد هذا التوضيح نراجع أنفسنا في بعض مانكتب ولا نستخدمها في كلمات أو عبارات لا تتفق مع شرفها
ألم يستوقفنا قول الحق عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
( وما علمناه الشعر وما ينبغي له )69 يس
خص الله الشعر بنفي التعليم مع أن الكفار كانوا يتهمونه صلى الله عليه وسلم إضافة إلى ذلك بالسحر والكهانة ولم يقل الله ردا عليهم وما علمناه السحر أو الكهانة .. خص الشعر وحده لأنه ماكان يليق به ولا يصلح له لأنه صلى الله عليه وسلم صاحب رسالة وشريعة
لأن الشعر يدعو إلى تغيير المعنى المقصود لمراعاة اللفظ الذي تتحكم في قائله ( القافية والوزن ) فالشاعر مكبل بهما وأسير لهما
أما الشارع أو صاحب الرسالة فيكون اللفظ منه تبعا للمعنى الذي يريده ... بينما الشاعر كما أوضحنا يكون المعنى منه تبعا للفظ لأنه محكوم بالوزن والقافية فيحتاج إلى التحيل والتحايل لمعنى يأتي به لأجل ذلك اللفظ

وما سبق لا ينفي ماقيل عن الرسول صلى الله عليه وسلم ( إن من الشعر لحكمة )بمعنى أن الشاعر قد يقصد لفظا فيوافقه معنى من الحكمة
وكما هو معروف اللفظ قالب المعنى والمعنى قلب اللفظ وروحه .. وقد استمع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أكثر من شاعر كسيدنا حسان ابن ثابت أو كعب ابن زهير
والقاعدة أن حسن الشعر حسن وسيئه سيء

ذلك توضيح أردته لوجه الله ورسوله حفاظا على القيم النبيلة وهو أمر لن يلتفت إليه إلا أصحاب الذوق الرفيع والروائح الطيبة من لا يكتبون إلا وقد تصوروا أن أول من سيقرأ كلماتهم بناتهم وأخواتهم وبنات عمومتهن وخالاتهم .. ومن يؤمنون بأن الحياء نصف الإيمان

جعلني الله واياكم منهم
وهدانا لأحسن الأقوال في الإبداع أو الحياة العامة