ثورة 23 يوليو .. المبادئ والنتائج
==============
حسام الدين بهي الدين ريشو
======

بداية يثار تساؤل : ماهي الثورة ؟


الثورة في جوهرها " علم تغيير المجتمع " وهي عملية تغيير جذري وشامل لكل اوضاع المجتمع القائمة سياسية كانت او اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية .
هي عملية هدم لكل عناصر السلطة في المجتمع القديم الذي تثور عليه لأن الجماهير تستشعر عدم قدرة النظام القائم على تحقيق غاياتها وفشله في ذلك وعجزه عن حل مشاكلها مع فساده .
والثورة بطبيعتها عمل شعبي وتقدمي
باختصار هي حركة شعب بأسره يستجمع قواه ليقوم باقتحام عنيد لكل الموانع والعوائق التى تعترض طريق حياته .

سؤال آخر :

مالفرق بينها وبين الانقلاب ؟

نؤكد من جديد أن الثورة كما أوضحنا حركة شعب بأسره وتتميز بالصفتين : شعبيتها وتقدميتها
أما الانقلاب فهو تغيير السلطة الحاكمة دون مساس بالأوضاع القائمة سياسيا واقتصاديا واجتماعيها يقوم به قله بهدف الاستيلاء على السلطة فقط

سؤال ثالث :

هل هناك خصائص تشترك فيها الثورات عامة ؟

أولا :
يلاحظ أن شعارات الثورات دائما متقاربة المضمون تدور حول :
1- إن الله وحده هو الدقيق المنزه عن الحطأ وهو العليم بكل شيئ
2- المثقف الذي يرضى عن العالم وعن نفسه لايمكن أبدا أن يسمى مثقفا
3- من كان السيد يوم كان سيدنا آدم يفلح الأرض وأمنا حواء تغزل
4- ماذا فعلت أنت لتحصل على كل هذه الثروات والامتياوات ؟ . إنك لم تتعب إلا في الخروج من بطن أمك .
5- ( كرين برنتون في دراسات تحليلية للثورات )

ثانيا : هناك مسلمة تاريخية أن العنف والقهر وسفك الدماء يصاحب الثورات ويرتبط بها ومن دراسة التاريخ نجد على سبيل المثال :
1- الثائر الفرنسي " روبيسير " قطع راس لويس السادس عشر
2- الثائر البريطاني " كرومويل " قطع راس ملك بريطانيا
3- لينين قطع رؤوس العائلة القيصرية كلها
4- حتى في التاريخ الاسلامي نجد أن :
5- ا – العباسيون قطعوا رؤوس الأمويين
6- ب- الأيوبيون قطعوا رؤوس الفاطميين
7- ج- العثمانيون قطعوا رؤوس المماليك
8- د- محمد على قطع رؤوس المماليك في مذبحة القلعة

لكن الثابت بالنسبة لثورة يوليو 1952 أنها لم تفعل شيئا من ذلك عند قيامها وأُطلق عليها " الثورة البيضاء " حتى أنه مع مغادرة الملك البلاد على يخت المحروسة توجه اليه بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة لآداء التحية العسكرية له
وإذا كان الشيئ بالشيئ يذكر فأنا أزعم ان ذلك راجع إلى التكوين الثقافي لشخصية جمال عبد الناصر والذي تكونت منه اخلاقه ومن هنا تبدو أهمية الثقافة والقراءة في تشكيل شخصية الانسان
في حديث صحفي له يقول عبد الناصر عن قراءاته منذ الصغر ولماذا قراها أو ماذا تعلم منها :
1- سيرة النبي محمد " ص " فقد استكشف بها الرحمة
2- - غاندى وكتاباته ومواقفه : لانها تؤمن بعدم العنف
3- -فولتير : لأنه كان هادئا ولم يلجا إلى استخدام القوة والعنف كبقية العماء الذين اعتادوا القتل وسفك الدماء
4- قصة مدينتين : قرأتها عدة مرات ورأيت كيف صور الكاتب بشاعة القسوة وأعمال العنف والارهاب التى سادت فرنسا في ذلك القوقت . لقد علمتنى هذه القصة شيئا مهما وهو أننا إذا شرعنا في القتل واراقة الدماء فإنه سيكون من الصعب حقن الدماء
5- - كتابات مصطفى كامل خاصة كتابه " المدافعون عن الاسلام "
6- كتابات عبد الرحمن الكواكبي خاصة " طبائع الاستبداد
7- رواية " عودة الروح لتوفيق الحكيم وكتابات طه حسين .

الواقع المصري قبل الثورة :

المجتمع المصري قبل الثورة كان مجتمعا طبقيا تحكمه المجموعة التى تملك مصادر الثروة والسلطة فهناك :

1- الغزاة الاجانب والاحتلال البريطاني الذي يحتل الأرض وتنتشر قواعده العسكرية المدججة بالسلاح الذي يرهب الوطن والمواطن ويحطم مقاومته

2- - الملك والأسرة المالكة الدخيلة التى تحكم بالمصلحة والهوى وتفرض المذلة والخنوع وتملك كل شيئ ؛ فالملك " ذاته مصونة لا تُمس " وكان الاقطاعي الأكبر ورث عن أبيه 15 ألف فدان وزادها إلى 48 ألف فدان وسيطر على 45 ألف فدان من أرض الأوقاف في مقابل 11 مليون معدم في الريف ؛و16 أسرة فقط من كبار الملاك تتحكم بالتبعية له في كل شيئ وتحتكر خيرات الأرض ولا تترك لملايين الفلاحين العاملين عليها غير الهشيم الجاف المتخلف بعد الحصاد

3- كأن رأس المال يمارس ألوانا من الاستغلال للثروة المصرية بعدما استطاع السيطرة على مقاليد الحكم وترويضه لخدمته
وضاعف من خطورة ذلك أن كثيرا من القيادات الحزبية استسلمت للإغراء بمنحها امتيازات طبقية وتم استخدامها بعد ذلك في خداع الجماهير تحت وهم الديمقراطية المزيفة
وكان المجتمع المصري بطئ النمو وصل لحالة من الركود خلال 40 عاما ( 1913 – 1953 )

3- وحدث نفس الشيئ مع الجيش فعملت الطبقات المسيطرة والجهاز الحكومي الذي يتبعها وكانت مهمته خدمة مصالح هذه الطبقات المستغِلة على اضعاف الجيش من ناجية ومحاولة صرفه عن تأييد حركة النضال الوطنى


أهداف ثورة يوليو :

في هذا الجو من المصاعب والمخاطر والظلام قامت الثورة معلنة دليل عملها الذي نحتته من مطالب النضال الشعبي :
1- في مواجهة جيوش الاحتلال كان المبدأ الأول :
القضاء على الاستعمار واعوانه من الخونة المصريين
2- في مواجهة تحكم الاقطاع الذي يستبد بالأرض ومن عليها كان المبدأ الثاني :
القضاء على الاقطاع
3- في مواجهة تسخير موارد الثروة لخدمة مصالح مجموعة من الرأسماليين كان المبدأ الثالث :
القضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال على الحكم
4- في مواجهة الإستغلال والاستبداد الذي كان نتيجة لكل ماسبق كان المبدأ الرابع
إقامة عدالة اجتماعية
5- في مواجهة المؤامرات لإضعاف الجيش واستخدام ماتبقى من قوته لتهديد الجبهة الداخلية المتحفزة للثورة كان المبدأ الخامس :
إقامة جيش وطنى قوي
6- في مواجهة التزييف السياسي الذي حاول أن يطمس معالم الحقيقة الوطنية كان الهدف السادس :
إقامة حياة ديمقراطية سليمة

ولم يتوقف الأمر على ذلك فقد راحت القوى الشعبية صاحبة المصلحة في الثورة من خلال تحالف قوى الشعب العاملة تطور هذه المبادئ السته وتحركها بالتجربة والممارسة والتفاعل الحي مع التاريخ نحو برامج تفصيلية تضمها غايات ثلاث :
1- الحرية : للوطن والمواطن
2- الاشتراكية : عن طريق تحقيق مجتمع الكفاية والعدل ومنع استغلال الانسان للانسان عن طريق الكفاية في الانتاج والعدالة في التوزيع وتذويب الفوارق بين الطبقات
3- الوحدة العربية : في مواجهة حرص الغرب والقوى الاستعمارية على تجزئة الأمة ليسهل السيطرة عليها

أريد قبل مغادرة هذا المحور الخاص بأهداف الثورة أن أعود إلى الهدف السادس الخاص بإقامة حياة ديمقراطية سليمة ... ولماذ جاء أخيرا ؟
ليست صدفة أن هذا المبدأ جاء في نهاية المبادئ السته لأن كل مبدأ سبقه كان يمهد له لأنه من المسحيل أن تتحقق الديمقراطية قبل القضاء على الاستعمار والاقطاع وسيطرة رأس المال على لحكم واقامة العدالة الاجتماعية لأن الديمقراطية عملة واحدة ذات وجهين سياسي واجتماعي وبغير الوجهين معا تصبح عملة زائفة لأن حرية رغيف الخبز ضمان لا بد منه لحرية تذكرة الانتخاب

هل أنجزت الثورة أهدافها ؟

رغم التحديات الكثيرة داخليا وخارجيا نستطيع أن نقول أنه تم تحقيق :
1- الحكم الجمهوري بديلا عن الحكم الملكي
2- تحقيق الاستقلال الوطنى وذلك ليس امرا هينا بالنسبة للوضع قبل الثورة .. فلم يعد القرار المصري يوضع بمعرفة السفير البريطاني في قصر الدوبارة .. فقد تم انجاز التحرر الكامل منه وطرد المستعمر واتخاذ طريق مستقل عن قطبي الصراع في ذلك الوقت ضمانا للاستقلال الكامل دون تبعية
3- تصفية التناقضات الرئيسة الاجتماعية عن طريق :
ا- تجريد التحالف الرجعى من أسلحته خاصة أسلحة السلطة والثروة والقيم المتخلفة
ب- وحل الصراع الطبقي سلميا بتصفية أدواته المشار اليها دون المساس بالأفراد
ج – الحوار المفتوح بين القوى الشعبية صاحبة المصلحة في الثورة وايجاد صيغة ديمقراطية للحركة الجماعيرية والشعبية هي صيغة تحالف قوى الشعب العاملة وكانت صيغة جديدة بديلا عن تعدد الاحزاب تضم ( المال – الفلاحون – الجنود – المثقفون – الرأسمالية الوطنية )
4- تحرير الاقتصاد الوطنى من التبعية وتسخير الامكانيات لخدمة الانسان وتحرير لقمة العيش وضمانها بتذويب الفوارق بين الطبقات وعدالة التوزيع
ولم يكن الاصلاح الزراعي والـميمات بغرض اعادة توزيع الثروة فقط ولكن لمنع عودة سيطرة رأس المال على الحكم وزيادة عدد الملاك وتحرير الصوت الانتخابي وأكدت ذلك بإشراك العمال في مجالس الادارة وضمان نسبة 50 في المائة من المقاعد للعمال والفلاحين في المجالس النيابية والشعبية وتحديد ساعات العمل وتطبيق نظام التأمينات الاجتماعية ومنع الفصل التعسفي وتحقيق مجانية التعليم

أخيرا :

أود أن أختم مشيرا إلى أن جمال عبد الناصر قبل كل شيئ كان انسانا وليس ملاكا وكان يعمل في ظروف صعبة وبين ضغوط هائلة وكان من الطبيعي أن يصيب ويخطئ
لكن ظل علمه مرفوعا بيده وارادة مصر بقيادته حتى مع نكسة يونيو قوية لم تنكسر
ونا تبدو أمامي مكانة نابليون مثلا :
فقد خسر نابليون في روسيا أمام استرايجية " ميخائيل كوتوزوف " ثم تمت هزيمته في معركة " ووترلو " أمام ولنغتون وبلوخر
لكنه حتى اليوم معزز مكرم في وطنه بمثواه الأخير

كما تبدو أمامي جنازة جمال عبد الناصر كأكبر جنازة عرفها التاريخ .. ووداع الشعب له بنشيد لا يعرف أحد حتى اليوم من كتبه أو من لحنه :
الوداع ياجمال ياحبيب الملايين .... ......الوداع
ثورتك ثورة كفاح عشتها طول السنين.... الوداع
إنت عايش في قلوبنا ياجمال الملايين ..... الوداع
إنت ثورة إنت جمرة نذكرك طول السنين .الوداع
إنت نوارة بلدنا واحنا عذبنا الحنين ......... الوداع
إنت ريحانة زكية لأجل كل الشقيانين ...... الوداع
الوداع ياجمال ياحبيب الملايين .............. الوداع