منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر النصوص الفلسفية والمقالة الأدبية (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=9)
-   -   القلوبُ المُعادة (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=2361)

عبدالأمير البكاء 11-25-2010 06:08 AM

القلوبُ المُعادة
 
القلوبُ المُعَادة
في سني الحصار الذي فرضته الولايات المتحدة الأمريكية على العراق في الثمانينات من القرن الماضي ، مُنع استيراد المواد الأولية لكافة الصناعات العراقية ، وكان من جملتها حبيبات البلاستك الملونة التي تستعمل في صناعة أكياس النايلون والأباريق والأحذية وأواني المطبخ والكراسي البلاستيكية ، فاضطـُّرت المعامل الى شراء التالف من هذه المصنوعات بالأطنان من الناس ، وجمعها بألوانها المختلفة في أفران ، ثم إعادتها الى مصنوعات مماثلة للأصلية ، فتسمى حينذاك بالمصنوعات ( المُعَاد) تصنيعها ! فتنزل الى الأسواق رديئة التصنيع ، قبيحة المنظر لاختلاط ألوان مكوناتها ، مشوهة الأشكال والأحجام ! ولن ينسى العراقيون تلك النكتة التي كانوا يتندرون بها في أيام الحصار،عن ذلك القروي الذي اشترى نعالا مُعادا _ أجلكم الله _ فسأله النعال مناديا له باسمه : فلان هل تعرفني؟ فقال كلا ، قال : لكنني أعرفك وأعرف علامات (جسدية ) كثيرة فيك ! فقال القروي : من أنت ؟! قال : أنا إبريق الماء الأزرق الذي كنتُ في حمامكم قبل سنة، فثقبتموني ورميتموني في الشارع ، فأخذني المارة مع خمسة من أقراني ! وباعوني الى معمل البلاستك ، فأعادني الى ما ترى !! ذكرتني هذه الحال حين مرَّ علينا نحن المسلمين عيد الأضحى المبارك مرور الكرام ! فلم نعد اليوم كما كان آباؤنا وأجدادنا حين يستقبلون العيد بالأفراح والتهاني النابعة من القلوب بصدق وعفوية، يستعدون له بشراء الحلوى والكيك والشموع والبخور ، ونستعد نحن الصغار بأول أيام العيد بارتداء الملابس الجديدة ، والفرحة لا تسعنا ونحن نقف أمام باب غرفة أبوينا صباح العيد لمباركتهما وتقبيل أيديهما ، واستلام اُولى ( العِيديات) النقدية منهما ، وحين تتابع زيارات الأقارب والأصدقاء على بيتنا ، تتضاعف أفراحنا ، لأن زيادة المهنئين لنا ، تعني زيادة في رصيدنا من النقود التي ستملأ جيوبنا ومحفظاتنا ، غير آبهين بما سيدفعه أبوانا لأولاد الأهل والأقارب من مبالغ كرد للجميل ، وإن كانت تلك المبالغ أكثر مما جنينا نحن من آبائهم !.. كنا نبالغ وأهلنا في العيد في رش العطور على ملابسنا ووجوهنا ، وكنا نعتني بتنظيف أسناننا أكثر من كل يوم ونمضغ ( حب الهيل ) في أفواهنا ، لأننا كنا نعلم جميعا أنْ سيكون تقبيلنا وعناقنا للزائرين طويلا وحميميا تتخلله (شمَّة ٌ) للخدود قوية ، تعبر عن تعانق القلوب قبل الأيدي والخدود ...ولم يكن نوع الأكل عند اجتماعنا على مائدة الغداء مهما ، بل كان المهم هو تلك الأحاديث الجميلة المفرحة ، والنكات المضحكة على المائدة ، ما يضطر بعضنا لترك المائدة من شدة الضحك والمزاح ،ثم نخرج بعدها جميعا للمتنزهات ومدينة الملاعب أو لزيارة معارفنا الذين لم تسنح لهم الفرصة لزيارتنا .
أما اليوم ، فالقلوب باتت قاحلة حد التصحر ، والنفوس تغربت رغم قربها ، وصارجهاز الموبايل البارد ، بديلا عن تلاقينا وتعانقنا الحار، فلا ينفك ذلك الجهاز اللعين يرن بنغمة الرسائل ، طيلة أيام العيد ، حاملا لنا الرسائل الممجوجة الغبية ، المكررة عباراتها و المنقولة من تهاني العيد السابق ، أو المأخوذة من دفتر الرسائل المنتشر على أرصفة شوارعنا ، فلا حرارة ولا انفعال في تعابيرها (الشعرية) التافهة ، التي تكاد في كل مرة تصفعني حين تـُرسل إلي ! أما إذا ما تكرم أحد المعارف فزارنا أو زرناه كإسقاط فرض أدبي أو ديني،
فإن التهاني والتبريكات خالية من الطعم والرائحة ، والعناق بات محذوفا فيما بيننا ، وبوسة العيد صارت باردة تافهة ومنزعجة من رائحة (البايسين !) المليئة بدخان التبغ الرديء!! أية قلوب ( مُعادة ) بتنا نحملها معاندين ؟ وأية محبة زائفة نجامل بها خواصنا ومعارفنا فيجاملوننا بالمثل راضين وعارفين ؟! وأي تزلف نشد الرحال به إلى المسؤولين والمتنفذين ، لنعايدهم مسرعين الى تقبيل عيونهم وأكتافهم وجباههم ، حتى إذا عاد العيد عليهم وهم خارج القرار ، فلا عيد ولا تزلف ولا تقبيل!! اللهم أعد لنا قلوبنا في مصنع رحمتك وعطفك ، واجلِ عنها دَرَنَ النفاق والدجل والرياء ، فإنك قلت مبتدءاً وقولك الحق : فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
فاكتب لنا ياسيدي رحمة منك تـُذهب بها عمى قلوبنا ، التي ترجو عطفك ورأفتك بنا ، ومَنـَّك علينا لأنك أنت أرحم الراحمين .


عذرا سادتي لورود بعض الألفاظ التي أجلكم عن سماعها عني ،وألفت أنظاركم الكريمة الى أن استعمال الضمير( نا ) لم أقصد به
الجمع في المخاطبة ، بل النسبة الأكبر والأعلى من أفراد مجتمعنا
تحياتي مع المودة

ريم بدر الدين 11-25-2010 12:59 PM

فيما يتراءى لنا ان الزمن تغير
و لو استعدنا شريط الذاكرة لوجدنا اننا فقدنا الكثير من بهجة الاشياء و بكارتها و طعم المتعة بها
كانت تكبيرات العيد كفيلة بزرع البهجة في نفوسنا لايام طوال و رائحة القهوة المرة التي تصنعها عمتي منذ فجر العيد و التي تتغلغل رائحتها في حنايا بيتنا العربي القديم، ملابسنا المعلقة على باب الخزانة من الخارج و كأننا لا نمتلك الصبر لنفتح الباب و نخرجها ...ساحو العيد ، بائع الفول النابت و الحلوى و صاحب الارجوحة و سائس الخيل و نفاذا آخر ليرة من عيدياتنا التي منحها لنا الاهل و الاقارب و العودة عند المغيب و قد نال منا التعب نصيبا و ننام موفوري الفرح في انتظار اليوم الثاني و الثالث من العيد
ليس الان هذا كله موجودا حتى اولادنا لا يستمتعون بالعيد كاستمتاعنا به و نحن في عمرهم
ربما نحن السبب الرئيسي ... صرنا نقضي على التقاليد بطريقة غير شعورية و بات الطفل لا يعيد لوحده بل نصطحبه الى مكان ارقى من ساحة العيد الى المولات و مدن الملاهي الملحقة بالمطاعم الفخمة و تحت رقابتنا او نسافر به الى محيط لا يعرفه لكي نقول اننا عيدنا في مكان مختلف
العيد الان لا يختلف عن الايام العادية الا انه عطلة لا نذهب فيها للعمل و لا يذهب اولادنا الى المدارس و نمارس النفاق الاجتماعي و الرياء بأعلى مستوياته من خلال الرسائل القصيرة او حتى ان التقينا فيكون من اجل ان يباهي احدنا الاخر بما يملك و ما استجد من ترف في حياته
ليس هذا الامر فقط للعيد و انما لكل مناسباتنا الاجتماعية من زواج وولادة وموت و احتفالات
من تغير ليس الزمن و من العيب ان نلقي عليه باللائمة من تغير هو نحن .. شيء في نفوسنا انكسر و هذا أقل ما يقال عنه فبرأيي انه تحطم و الحل ليس مستحيلا لكنه صعب التحقيق .. صعب علينا ان نعود لبساطتنا و جذورنا ... صعب علينا ان نستعيد تلك الانسانية الى ما يفترض ان تكون عليه فأدوات عصرنا مغرية بالرغم مما نجد فيها من سحق لانسانيتنا
أ. عبد الامير البكاء
موضوع في غاية الاهمية و عرضه كان رائعا
تحيتي لك دوما

عبدالأمير البكاء 11-25-2010 02:10 PM

الأستاذة ريم بدر الدين الرائعة

لقد أتممتِ ما كان ناقصا في مقالتي التي كنتُ أرجو من كتابتها أن ينتبه الناس الى خطر التباعد والتباغض وانشغالهم بجمع المال على حساب إلفة أجيالنا القادمة التي

أصبح الموبايل والستلايت والنت ديدنها على حساب التلاقي والمودة التي ننشدها فيهم ما دمنا نحن قد خسرناها في السنوات العشر الماضية ....تحيتي لك ودمت بخير

ساره الودعاني 11-25-2010 06:19 PM



صدقت أستاذ عبد الامير

الفرح في العيد أصبح يمتهن الصمت

وان تكلم فانة يحكي لغة الببغاوات

أجلك الله الذي كرمتنا باسمه..

عبدالأمير البكاء 11-26-2010 09:35 AM

الأخت الكريمة سارة المتألقة

إن أزمة الحب التي نحياها اليوم ، ما هي إلا نتاج انشغالنا بهمومنا الحياتية ، وتغليب

المصلحة الخاصة على العامة ، ما أدى الى انجرار القلوب نحو ما ينفعها وينفذ رغباتها

فضاعت علينا متعة الفرح بأيام أعيادنا التي تساوت مع أيامنا الرتيبة الأخرى.


دمت يا سارة أختا عزيزة غالية

عمر مسلط 11-29-2010 01:43 PM

أخي / عبد الأمير ...

... هو شيءٌ من تقلب الزمان والأنفس والمكان ...

... هو تيه الروح ... وافتقاد بوصلة الأشياء ...

... عندما يُصبح الماضي هوية مفقودة ...


... ويصبح الحاضر عنواناً للضياع ...

عبدالأمير البكاء 11-29-2010 06:30 PM

أخي العزيز عمر

هي أمنيات وأحلام كانت تراودنا ونحن صغار بأنْ كلما تقدم بنا العمر زادت المحبة والإلفة الروحية

فإذا بالأيام ترينا عكس ما توقعنا.... دمت أخا كريما وحبيبا


الساعة الآن 05:39 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team