![]() |
السرقة الشعرية
السرقة الشعرية المحمود منها و المذموم المجلس الأول: جاء في كتاب (الصبح المنبي عن حيثية المُتنبي) للبديعي عن مسألة السرقة الأدبية ما سأنقله هنا بقليلٍ من التصرف. ( ... المقدمة الثانية:في السرقات الشعرية , و المحمود منها و المذموم ,و هيَ على خَمْسة عشرَ ضَرْبَاً: الضَرْبُ الأول: أنْ يَأخّذَ الثاني من الأولِ المعنى و اللفظ جميعاً , كقولِ الفرزدق: أتعدلُ أحْسابَاً لئاماً حُمَاتها = بِأحْسابنا ؟ إنِّي إلي الله راجِعُ و كقول جرير أتعدلُ أحْسابَاً لئاماً حُمَاتها = بِأحْسابكم؟ إنِّي إلي الله راجعُ قيل: جرير هو الباديء و الفرزدق هو الناقض. فتَخالفهما في لفظةٍ واحدةٍ , و هذا الضربُ مذمومٌ و المتأخرُ فيه ملوم. و من هذا الضرب قول أبي نواس الحكمَيَ : دارتْ على فتيةٍ ذَلَ الزَّمانُ لَهم = فما أصابهمُ إلا بما شاءوا أخّذَهُ مِنْ مَعْبَدٍ : لَهْفي على فتيةٍ ذَلَّ الزَّمانُ لَهمْ = فَمَا أصابهمُ إلاَّ بما شاءوا الضَرْبُ الثَاني: أنْ يَأخذ المعنى وَ أَكْثرَ اللفظ , و هذا الضَرْبُ يَنقَسِمُ إلي قسمين: مذمومٌ , و مَحمودٌ , فالأولُ كقولِ أبي تَمام : مَحَاسِنُ أصْنافُ المُغَنين جَمَّةٌ = وَ مَا قَصَباتُ السَّبْق إلاَّ لِمَعْبَدِ أخذهُ من قولِ بَعضَ المٌتَقدمين يمدحُ معبداً صاحب المغني : أجَادَ طُويسٌ و السُّريجيُّ بَعْدَهُ = و مَا قَصَباتُ السَّبْقِ إلاَّ لِمَعْبد و الثاني كقولِ أبي الشيص : أَجِدُ الملامة في هواكِ لذيذةٌ =حُبَاً لذكرك فَليلمني اللُّومُ أخذه أبو الطيب فقال: أأُحبُّه وَ أُحبُّ فيه ملامَةً = إنَّ المَلامَة فيهِ منْ أعدائهِ و تسمية هذا مبتدعاً أولى من تسميته سَرقة . وَ هَذانِ الضَرْبانِ يُسميان نسْخا. الضربُ الثالث: أنْ يَأخذ المعْنى , و يستخرج منه ما يشبهه , و هَذا مِنْ أدقها مَذْهَباً , و أحسناه صُورةً فمن ذلك قولُ الحَماسيُّ: لَقَدْ زادني حُبَّاً لنفسيَ أنني = بَغيضٌ إلي كلِّ امريءٍ غيرِ طائلِ أَخّذه المتنبي و استخرج منه معنىً شبيهاً به , فقال: و إذا أتتك مَذَمَّتي مِنْ ناقِصٍ = فَهيَ الشَّهَادةُ لي بأني فاضِلُ و منْ هذا الضَرْبُ قولِ أبي تمام : رَعَتْهُ الفيافي بعدَ ما كَانَ حقبةً = رعاها , و ماءُ الرُّضِ ينْهلُّ ساكِبُه أخذه البحتري , و استخرجَ منه ما يشابهه فقال: شيخانِ قد ثَقُل السلاحُ عليهما = و عداهما رأي السميعِ المُبْصِرِ رَكِبا القنا مِنْ بعدِ ما حَمَلا القنا =في عسْكَرٍ مُتَحاملٍ في عسْكرِ الضرب الرابعُ : أَنْ يأخذَ المُعنى مجرداً من اللفظ , و هذا لا يكادُ يأتي إلا قليلاً , و منه قول جرير: و لا يمنعْك مِن أَرَبٍ لحاهمْ =سواءٌ ذو العمامة و الخِمَارُ أخذه المتنبي فقال: و مِنْ في كفه منهم قناةٌ = كمن في كفه منهم خِضابُ الضرب الخامِس: أنْ يَأخذ المعنى و يسيراً من اللفظ , و ذلك من أقبح السرقات , و أظهرها شناعة على السارق فمن ذلك قول البحتري: فوقَ ضعْفِ الصغار إن وُكِلَ الأمـ =ر إليهِ و دونَ كيدِ الكبارِ أخذه من قول أبي نواس: لَمْ يُجْفَ مِنْ كبرٍ عَمَّا يُرادُ به = مِنْ الأمور و لا أزْرى به الصغر و كذلك قول أبي تمام : قدْ قلصت شفتاهُ من حفيظته = فَخيلَ من شدة التعبيس مُبْتَسِما أخذه من ديك الجن: و إذا شئت أن ترى الموتَ في صـ =ورة ليثٍ في لبدتي رئبالِ فالقه غيرَ أنَّما لبدتاه = أبيضٌ صارمٌ و أسمرُ عالي تلقَ ليثاً قد قلُصَتْ شفتاهُ = فيرى ضاحكاً لِعْبسِ الصيالِ و من هنا أخذ المتنبي قوله: إذا رأيتَ نيوبَ الليث بارزةً = فلا تظنن أنَّ الليثَ مُبتسمُ لكنْ أبرزه في صورةٍ حسنة , فصارَ أولى به. الضربُ السادس: أَنْ يَأخذ المعنى فيقبله , و ذلك محمود , و يخرجه حسنه عن حدِّ السَّرقة , فمما جاء منه قولُ أبي تمام: كريمٌ متى أمدحه أمدحه و الورى = مَعي و إذا ما لمتُه لُمتُه وحدي أخذه منْ تأخر عنه فقال: مدحتهم وحدي فلما هجوتهم = هجوتهمُ و النَّاسُ كلهمُ معي الضَرْبُ السابعُ: أن يأخذ بَعْضَ المعنى فيقلبه , وهذا الضربُ محمودٌ , فمن ذلك قولُ أمية ابن أبي الصلت : عطاؤك زينٌ لامرئٍ إن حبوته = ببذلٍ و ما كلّ العطاء يَزِيْنُ و ليس بشينٍ لامرئٍ بذل جهده = إليكَ كما بعضُ السؤالِ يَشينُ أخذهُ أبو تمام فقال: تُدْعى عطاياه وفراً و هي إن شُهرتْ= كانتْ فِخاراً لمن يعفوه مؤتنفا ما زلتُ مُنتظراً أعجوبةٍ زَمَناً = حتَّى رأيتُ سؤالاً يَجْتني شَرَفا الضَرْبُ الثاَمنُ: أنْ يأخذ المعنى فيزيد عليه معنىً آخر , و هذا الضربُ لا يكونُ إلاَّ حَسَنَاً , ورد قولُ البحتري : ركبوا الفُراتَ إلي الفراتِ و أمَّلوا = جّذْلانَ يُبْدعُ في السَّماحِ و يُغْرِبُ أخّذَهُ مِنْ قولِ مُسْلمِ بن الوليد : ركبتُ إليه البحرَ في مؤخراته = فأوفت بنا مِنْ بعدِ بحرٍ إلي بحرٍ إلا أنَّه زاد عليه : جَذْلان يُبْدِعُ في السماحِ و يغربُ و كذلك ورد قول أبي نواس : ليس على الله بمستنكر = أنْ يجمع العالمَ في واحِدٍ أخذهُ من قول جريرٍ : إذا غَضِبَتْ عليك بنو تميمٍ = حسِبْتَ النَّاسَ كلهمُ غِضابا يحكى عنْ أبي تمامٍ : أنَّه دخَلَ على ابن أبي دُواد فقال له: أَحْسبُكَ عاتباً يا أبا تمامٍ , فقال: إنَّما يعتب على واحدٍ , و أنتَ النَّاس جميعاً , قال : من أين هذه يا أبا تمام ؟ فقال : من قول الحاذق أبي نواس , و أنشده البيت السابق . و في بيتِ أبي نواس زيادةٌ حسنةٌ قد ملكته رِقِّ هذا المعنى , و ذلك أن جريراً جعل النَّاسَ كلهم في بني تميم , و أبا نواس جعل العالم كلَّهُ في واحدٍ , و ذلك أبلغ. الضربُ التاسع: أنْ يأخذ المعنى فيكسبه عبارة أحسن من الأولى , و هذا هو المحمود الذي يخرجه حسنهُ عن باب السَّرِقة, و عليه قول أبي نواس: يدلُّ على ما في الضَّميرِ من الهوى = تقلبُ عينيه إلي شخصِ من يهوى أخذَهُ المتنبي , فأجادَ حيثُ قال: و إذا خامرَ الهوى قلب صَبٍّ = فعليه لكلِّ عينٍ دَليلُ الضَرْبُ العاشرُ: أنْ يأخذَ المعنى , و يَسْبكه سَبْكاً موجزاً , و ذلك من أحْسَنِ السَّرِقاتِ , فمن ذلك قولُ بعض المتقدمين: أمن خوف فقر تعجلته = و أخرت إنفاق ما تجمع فصرت الفقير و أنت الغني = و ما كنت تعدو الذي تصنع أخذه المتنبي: و من ينفق الساعات في جمع ماله = مخافة فقرٍ فالذي فعلت هو الفقرُ الضرب الحادي عشر: أن يكونَ المعنى عاماً , فيجعله خاصاً , أو بالعكس , و هذا من السَّرِقات التي يُسامح فيها صاحبُها , و منه قول الأخطل: لا تنه عن خلقٍ و تأتي مثلهُ = عارٌ عليك إذا فعلت عظيمُ أخذه أبو تمام: أألوم من بخلت يداه و أغتدى =للبخلِ تِرباً ؟ ساء ذاك صُنْيعا الضرب الثاني عشر: أن يزيد المعنى بياناً مع المساواة في أصلهِ , و منه قول أبي تمام: هو الصنع إن يعجلْ فنفعٌ و إن يرثْ = فلَلرَّيثُ في بعض المواطنِ أنفعُ أخذه المتنبي فأوضحه بمثال ,فقال: و من الخير بطء سيبك عني = أسرعُ السحب في المسير الجهام الضرب الثالث عشر: و هو اتحاد الطريق , و اختلاف المقصد , فمن ذلك قول بعضهم: كأنه غنّى لشمس الضُّحى = فنقطته طرباً بالنجوم أخذه أحمد أفندي الشاهيني , فقال و أحسن غاية الإحسان: و قائلة و الشمس أعني و قد رأتْ = قروحاً على خدٍّ يفوقُ على الوردِ أما تغتدي تُهدي لحبك عُوذةً = فقلتُ هل تغني الرقى من أخي الوجد فجاءته ولهى بالنجوم تمائماً = فأدهشها حتَّى نُثرنَ على الخدِّ و علماء الأدب يسمون هذا الضربَ سَلْخا. الضربُ الرابعُ عشر: قَلب الصورة الحسنة إلي صورة سيئة , و هذا الضرب يسمى مسخاً , فمما ورد منه قول ديك الجنِّ: نحن نعزيك و منك الهدى = مستخرجٌ و الصبر مستقبل نقول بالعقلِ و أنت الذي = نأوي إليه و به نعقلُ إذا عفا عنك و أودى بنا الدَّ= هرُ فذاك المحسنُ المُجمِلُ أخذه المتنبي فقال: إن يكن صبر ذي الرزية فضلاً = تكن الأفضلَ الأعزَّ الأجلاَّ أنتَ فوقَ أنْ تعزى عنِ الأحـ=باب فوق الذي يعزيك عقلا و بألفاظك اهتدى فإذا عَزَّ=اكَ قال الذي قلتَ له قَبلاَ الضرب الخامس عشر: قلب الصورة القبيحة إلي صورة , حسنة و لا يسمى هذا الضرب مسْخاً , إن سموه , لأنه محمود , و المسخ مذموم , فمن ذلك قول المتنبي: إني على شغفي بما خُمرها = لأعفُّ عما في سراويلاتها أخذه الشريف الرضي فقال: أحِنُّ إلي ما تضمن الخُمْر و الحلى = و أصدِفُ عمَّا في ضمانِ المآزرِ و ههنا ضربٌ آخر : و هو أن ينقل المعنى من غير اللغة العربية إليها , و هذا يجري مجرى الإبتداع كقول المرحوم البوريني: يقولون في الصُّبح الدُّعاء مؤثِّرٌ = فقلتُ نعمْ , لو كان ليلي له صبحُ و كذلك قوله: و انظر إلي وَرَق الغصونِ فإنَّها = مشحونةٌ بأدلة التوحيد فإنه نقله من اللغة الفارسية . . . ) انتهى كلامه رحمه الله تعالى. |
الساعة الآن 04:11 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.