![]() |
|
العلماء هم الدعاة
العلماء هم الدعاة د ناصر بن عبد الكريم العقل " تـمهيـد " إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . فإن الحديث عن الدعاة وعن العلماء ، أصبح في ظروفنا المعاصرة أمرا ضروريا . خاصة حينما انتشر مفهوم خاطئ عند الناس ، في هذا العصر ، وهو : مفهوم التفريق بين العالم والداعي ، وبين العلم والدعوة . وبين الفقه في الدين والفقه في الدعوة . وما نتج عن هذا المفهوم من ظواهر خطيرة في الدين ، وفي السلوك ، وفي الأفكار ، وفي المفاهيم ، وفي التعامل والمواقف ، والولاء والبراء . ومنشأ الموضوع في ذهني : أني رأيت كثيرا من الدعاة ، والحركات الإسلامية المعاصرة التي تتصدر الدعوة في العالم الإسلامي ، قد نشأ عندها هذا الفصام . وهذا التفريق المبتدع بين الداعي إلى الله - سبحانه وتعالى - وبين العالم ، أو بين المتصدي للدعوة إلى الله - أو المحترف للدعوة وبين العالم والشيخ . أو بين العلماء وطلاب العلم ، وبين الدعاة وأتباع الحركات الدعوية ، ونظرا لما لهذا الانفصام والخلل من عواقب وخيمة قد تؤدي إلي الافتراق المذموم ، فلابد من الحديث عن هذا الأمر على وجه النصح لا على وجه التشهير ، وسأتحدث في هذا الموضوع عن بعض المسائل ، لأن الموضوع متشعب وطويل ، ذو شجون . |
المسألة الأولى أ - مفهوم العلماء وسماتهم : فالعلماء المقصود بهم : العالمون بشرع الله ، والمتفقهون في الدين ، والعاملون بعلمهم على هدى وبصيرة ، على سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وسلف الأمة ، الداعون إلى الله بالحكمة التي وهبهم الله إياها : ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا والحكمة : العلم والفقه . فعلى هذا ؛ فالعلماء بهذا التعريف : هم الدعاة بداهة ، والعلماء هم ورثة الأنبياء ، والأنبياء هم الدعاة ، فأجدر من يتصدر الدعوة بعد الأنبياء - وقد انقضت النبوة وانتهت : هم العلماء وذلك : أولا : لأنهم ورثتهم . والأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا ، إنما ورثوا هذا العلم . والدعوة إنما تكون بالعلم ، فأهل العلم هم الدعاة . ثانيا : العلماء هم حجة الله في أرضه على الخلق ، والحجة لا تقوم إلا على لسان داعية بفقهه وبعلمه وبقدوته ، فعلى هذا ، فالعلماء هم أجدر الناس بالدعوة . ثالثا : العلماء هم أهل الحل والعقد في الأمة ، وهم أولوا الأمر الذين تجب طاعتهم ، كما قال غير واحد من السلف في تفسير قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ۖ (59) ) النساء قال مجاهد : هم أولوا العلم والفقه . وإذا كانوا هم أولوا الأمر فولايتهم للدعوة من باب أولى . رابعا : العلماء هم المؤتمنون على مصالح الأمة العظمى ، على دينها ، وعلى دنياها وأمنها ؛ ومن باب أولى أن يكونوا هم المؤتمنون على الدعوة وشؤونها . خامسا : العلماء هم أهل الشورى الذين ترجع إليهم الأمة في جميع شؤونها ومصالحها . وإذا كانوا يستشارون في جميع مصالح الأمة - في دينها ودنياها - فمن باب أولى أن يكونوا هم أهل الشورى في الدعوة وقيادتها . سادسا : العلماء هم أئمة الدين ، والإمامة في الدين فضل عظيم ، وشرف ومنزلة رفيعة ، كما قال تعالى : ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) ) السجدة , والإمامة في الدين تقتضي بالضرورة الإمامة في الدعوة . وما الدين إلا بالدعوة ، وما الدعوة إلا بالدين . . سابعا : العلماء هم أهل الذكر ، والذكر بالعلم والدعوة ، كما قال تعالى : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (7)) الأنبياء . فعلى هذا هم أهل الدعوة إلى الله تعالى . ثامنا : العلماء أفضل الناس كما قال تعالى : ( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ (11) ) المجادلة وأفضل الناس هو الداعي إلى الله . تاسعا : العلماء هم أزكى الناس ، وأخشاهم لله ، كما قال تعالى : ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ (28)) فاطر . وإذا كانوا هم كذلك ، فهم الأجدر أن يكونوا هم الدعاة على هذه الصفات ، وهم الأجدر أن يكونوا هم القادة والرواد في الدعوة . عاشرا : العلماء هم الآمرون بالمعروف ، الناهون عن المنكر بالعلم والحكمة ، إذا فالعلماء هم الدعاة . حادي عشر : العلماء هم شهداء الله الذين أشهدهم الله على توحيده ، وقرن شهادتهم بشهادته - سبحانه- وبشهادة ملائكته ؟ وفي هذا تزكيتهم وتعديلهم ، فقال تعالى : ( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ (18) آل عمران . ومن كانوا كذلك فهم المؤتمنون على الدعوة ، وهم الأولى بقيادتها وريادتها . هذا على وجه العموم ، فالعلماء هم أهل هذه الخصال . ولا يلزم أن تتوفر كل هذه الخصال في كل عالم ، فالكمال لا يكون إلا لله - سبحانه- لكنهم في الجملة - أي العلماء- لا شك أنهم المتميزون بهذه الصفات الجديرون بها . بطلان دعوى خلو الأرض من العلماء القدوة : والعلماء لا يمكن أن تخلو الأرض منهم ، وهذا دفعا لدعوى قد يدعيها بعض الجهلة ممن ينتسبون للدعوات والحركات المعاصرة وغيرهم وهي زعم بعضهم : أنه لا يوجد علماء قدوة ، أو أن العلماء الذين يمكن الاقتداء بهم : مفقودون ، أو أنهم يتهمون بمطاعن تسقط اعتبارهم ، أو نحو هذا من الدعاوى التي لا تجوز شرعا - بل هي مخالفة للواقع ، ومخالفة لصريح النصوص ، فإن الله - سبحانه وتعالى - تكفل بحفظ هذا الدين ، وتكفل بحفظ طائفة من الأمة تبقى ظاهرة منصورة ، أمرها بين - وهذا لا يمكن أن يتأتى إلا بأهل الحجة والقدوة . وهم العلماء ، والصفات التي ذكرتها تتوفر في كل مكان ، وكل وقت بحسبه - قوة وضعفا- لكن لا يمكن أن يخلو كل الزمان وكل المكان في الأرض من العلماء- كما ذكرته- إلى قيام الساعة . |
ب - مفهوم الدعاة :
أما بالنسبة للدعاة : فقد عرفنا أن العلماء هم الدعاة ، لكن تنزلا للمصطلحات والألفاظ ، فإنا نقول : الدعاة هم : الداعون إلى الله ، على بصيرة . والبصيرة هي اتباع هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الفقه في الدين . وأول من تتوفر فيه هذه الصفات - لا شك أنهم العلماء ، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، أمر أن يقول بأن سبيله : الدعوة إلى الله على بصيرة ، ولا تأتي البصيرة إلا بالعلم والفقه في الدين ، قال تعالى : ( قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) . يوسف ولا شك أن أتباع الأنبياء بالأولى هم العلماء . |
جـ - والدعوة : هي السعي لنشر دين الله - عقيدة وشريعة وأخلاقا ، وبذل الوسع في ذلك ، ويتحقق هدف الدعوة إلى الله بالعلم والعمل والقدوة ، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والإصلاح والاستقامة والإخلاص والتجرد ، وهذه الأركان أكثر ما تتوفر في العلماء . إشكالات مفترضة ، وجوابها : وهنا لا بد من الاستدراك ، قبل أن أفصل في بعض النقاط المهمة في المسائل التي تلي ، حيث قد يرد سؤالا عند بعض الناس : أولا : هل يعني هذا أنه لا يدعو إلى الله إلا عالم ؟ بالطبع لا ، بل على كل مسلم عرف شيئا من الدين ، وتبصر به : أن يدعو إليه بعد التبصر ، وفقه المسألة التي يدعو إليها . وإنما أقصد أن الذي تتوجه إليه النصوص الشرعية ، والذي عليه عمل السلف . أن قيادة الدعوة ، وريادتها ، وتوجيهها لا بد أن يكون من العلماء ، وفي العلماء ، وأقصد : أن العلماء لا بد أن يتصدروا الدعوات في كل أمر ذي بال ، ولا بد أن نجعلهم هم القادة ، وهم المرجع ، والموجهين في الدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى - ولا يكونوا مجرد مستشارين عند الحاجة كما يفعل كثير من (أصحاب الدعوات) . فالعلماء لا بد أن يكونوا هم المتصدرين للدعوة ، وإن لم يكن الأمر كذلك ، فإن في الأمر خللا لا بد من استدراكه ، وخطأ لا بد من تصحيحه ، بل إن لم يكن الأمر كذلك فإن الدعوة ستنحرف لا قدر الله وتعصف بها الأهواء . ثانيا : ربما يقال : إن العلماء لم يرفعوا راية للدعوة : فأقول : هذا الإشكال لا يصح ، لأنه نابع عن قصور في النظرة للعلماء ، فالمنصف يجد أن العلماء - في الجملة - قاموا بما يسعهم من واجب التبليغ ونشر العلم والنصح للأمة والولاة والعامة ، كل منهم حسب ما يستطيع ، وحسب ما يرى من أساليب يتأدى بها الواجب ، ويجب أن لا نتوقع منهم الإشادة ب جهودهم أو الدعاية لأنفسهم . ذلك أن الأصل في أهل العلم : (أنهم يسعى إليهم لأخذ العلم عنهم ، ولا يسعون إلى الناس ) . والأصل في أهل العلم : أن يكون لهم سمت أساسه التواضع ، وأن يكون لهم حق على الأمة ، كما أن الأصل في العلماء : أن لا يرفعوا فوق رؤوسهم رايات ، ولا يرفعوا شعارات ، ولا يطلبوا الانتماءات إليهم ، ونحو ذلك مما هو من لوازم بعض الدعوات المعاصرة . فالعلماء يُقصدون ، ويجب أن يلتف حولهم عامة الناس ، وطلبة العلم بخاصة . رفع الرايات والشعارات للدعوات من قبل من لهم شأن في الأمة - ليس من هدي السلف ، فمن رفعه الله بالعلم والتقوى وجب على الأمة أن ترفع قدره . وأقصد : إن إخضاع العلم للدعاية أو للشعارات أو الانتماءات لم يكن من خصال السلف ، بل هو من خصال أهل الأهواء والفرق ، أما أهل السنة : فهديهم السنة والجماعة - وهي ليست شعارا يرفع ، إنما هي سبيل المؤمنين ، وصراط الله المستقيم وسنة سيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم - . |
المسألة الثانية : بيان أن الأصل في الكتاب والسنة وما اتفق عليه جمهور سلف الأمة ، وهو هديهم ، أن العلماء هم الدعاة ، وأن الدعاة - أصلا - هم العلماء ، وأن غيرهم تبع لهم ، فكما أسلفت : كل طالب علم وكل مسلم عليه أن يدعو إلى الله بقدر وسعه ، وعلى بصيرة في الأمر الذي يدعو إليه - وكل ذلك مشروط بالتبعية لأهل العلم ، لأنهم هم قادة الأمة ، وهم من أهل الحل والعقد فيها - وهم جماعتها . |
المسألة الثالثة : في الحديث عن هذه الظاهرة التي أشرت إليها ، وهي : الفصل بين العلماء ( أي علماء الشرع : أهل الفقه في الدين ) وبين الدعاة ، أو بين العلم والدعوة (أي طلب العلم الشرعي والدعوة) ، وهذا الفصل - مع الأسف - تركز في أذهان كثير من المسلمين في هذا العصر ، لأسباب كثيرة- سأذكر شيئا منها فيما بعد . بل إن هذا المفهوم الخاطئ لم يتركز في الأذهان فقط ، بل صار له أثر في الواقع أي فيما تعيشه الدعوات ، وما يعيشه كثير من الدعاة في كثير من بلاد العالم الإسلامي وكما أسلفت كان التفريق بين العلماء والدعاة من سمات أهل البدع ، حيث إنهم اتخذوا رؤوسا جهالا . والداعية عندهم - أعني أهل الأهواء والبدع - هو من يخضع لأهوائهم ، ويلتزم بها ، ويقول بمقولاتهم وينشرها وينتصر لها ، ولو لم يفقه من الدين شيئا . ونجد هذا جليا في الفرق الأولى : كالخوارج ، فإن دعاتهم ليسوا العلماء الأكابر ، لا فيهم ولا من غيرهم ، بل بضاعتهم في الفقه والعلم قليلة وعلى غير طرق سليمة ، بل أجهل الناس وأقلهم أحلاما ، وهكذا المعتزلة ، والقدرية ، وأهل الكلام ، وسائر الفرق على هذه السمة - غالبا - على تفاوت بينهم . فهؤلاء - أي أهل الافتراق - هم الذين يفصلون بين الدعوة وبين الفقه في الدين ، لأنهم - أصلا - يقل فيهم الفقه في الدين . وأكثر زعمائهم ودعاتهم إنما يمتازون بالولاء لفرقتهم ، وبالولاء للمقولات التي هم عليها ، ولا يفقهون من الدين إلا القليل ، ومنهم من لا يفقه شيئا . وأغلب دعاة هذه الفرق والذين نشروها في الأقاليم الإسلامية قديما من العوام ومن الجهلة أو الذين لهم أهداف وأغراض شخصية أو شعوبية ، أو عصبيات ، ويسيطر عليهم الجهل المهلك . |
المسألة الرابعة أن هذه الخصلة - مع الأسف - سمة ظاهرة ، بدأت تظهر في كثير من الدعوات المعاصرة ، وكثير من الحركات الإسلامية - وهي في خارج هذه البلاد أكثر ، لكن لا يسعنا إلا أن نتكلم عنها لأسباب : أولها : أننا لا بد أن نحمل هموم جميع المسلمين في كل بقاع الأرض وهذا واجب شرعا على كل داعية ، فعلى كل عالم أن يحمل همَّ المسلمين لا في إقليم واحد ، بل في جميع بقاع الأرض . والمسلمون ؛ الأصل فيهم أنهم أمة واحدة ، ومقتضى النصح والإشفاق عليهم . بيان ما فيهم من خير وتشجيعهم عليه . وبيان ما فيهم من أخطاء ، والتنبيه عليهم ، ونصحهم بالعدول عنها . ومن هذا المنطلق سأتوقف عند ذكر بعض ظواهر الخطأ في هذا الموضوع ، في بعض الحركات الإسلامية خارج هذه البلاد . |
وثانيها : أن بعض هذه الظواهر - أي الفصل بين العلماء والدعاة - بدأت تظهر عند طوائف من الشباب - عندنا - ، وبعض المفكرين ، وبعض المثقفين ، لسبب أو لآخر ، فمن هنا كان لا بد من الكلام عن أوضاع الدعوات المعاصرة ، بمجملها ، في جميع العالم الإسلامي ، وليس في بلد واحد ، لأنها يستمد بعضها من بعض . أعود إلى هذه الخصلة - أو هذه السمة التي وقع فيها كثير من الدعاة والدعوات المعاصرة ، وهي : (أن الدعاة عندهم غير العلماء والداعية غير العالم ) ، وهذا المفهوم بدأ ينمو في أذهان بعض الناس - مع الأسف - وقد تأصلت هذه المفاهيم حتى في أعمال الدعاة ، وفي حركاتهم ، وفي مواقفهم ، وفي مناهجهم ، فصاروا يفصلون بين العالم ( الشيخ ) وبين الداعية ، وأدى ذلك الفصل إلى عواقب وخيمة . فالداعية عندهم : هو من ينشط في الدعوة والحركة ، لتحقيق مراد أصحابها ، أو لتحقيق أهدافها ، أو يواليها ويرفع شعارها ، ويجمع الناس حوله على هذا الشعار . هذا هو الداعية عند كثير من الدعوات المعاصرة ، بصرف النظر عن علمه وفقهه ، بل الغالب أنه يكون من قليلي الفقه وقليلي العلم الشرعي . والمشايخ بمفهوم هؤلاء - القاصر- ليسوا دعاة ، ولا يصلحون لأن يسهموا في الدعوة أو أن يدخلوا في إطارها أو نطاقها ، لأنهم فيهم وفيهم ! وبسبب هذا الفصل ظهرت أمور ، سنشير إلى شيء منها . |
المسألة الخامسة : من نتائج الفصل بين العالم وبين الداعية : بسبب فصل بعض الدعاة بين الشيخ (العالم) وبين الداعية ، ظهرت أمور سلبية نراها جلية في كثير من الدعوات الإسلامية ، من هذه الأمور : أولا : اتخاذهم رؤوسا جهالا ، - أغلبهم - لا يفقهون من الدين إلا ما يحلو لهم . وغاية ما يملك بعضهم من العلم ، إنما هو مجرد أفكار وثقافات أشتات ، زاد كثير منهم مجرد العواطف والحركة ، حتى كاد أن يكون مصطلح الداعية عندهم من ليس بعالم ، وأن العالم ليس بداعية . وأحيانا يقولون : فلان داعية - أي ليس بعالم - وفلان شيخ من المشايخ - أي ليس بداعية ! وهذا وقوع فيما حذر منه الرسول - صلى الله عليه وسلم - من اتخاذ (رؤوسا جهالا ) يفتون بغير علم ، فيضلوا ويضلوا فيما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما : اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم ، فضلوا وأضلوا ) البخاري ومسلم . |
ثانيا : قلة وجود العلماء والمشايخ ، والمتفقهين في الدين ، المتضلعين في العلوم الشرعية بينهم ، في أكثر الدعوات المعاصرة مع أن وجود أهل العلم المتفقهين في الدين شرط من شروط الدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى - خاصة في الدعوات الكبرى ، التي ينضوي تحت لوائها جماعات وفئام من الناس ، فهذه لا ينبغي أن يفقد فيها العالم ، أو أن يكون العالم فيها مغمورا ، أو لا يتصدر الدعوة . ثالثا : قصور النظرة في فهم قدر العلماء والمشايخ ، وبمنزلتهم عند كثير من أتباع هذه الدعوات . فمن هنا وجد من بعضهم اتهام للعلماء بالقصور أو التقصير أو قلة الوعي ، أو أي نوع من أنواع التنقيص لتبرير عدم صلة الدعاة بالعلماء . بل إن بعض الدعاة يرفع نفسه ودعوته على حساب الكلام في أعراض العلماء ، وهذا الأمر- وإن كان كشفه مؤلما- لكن لا بد من ذكره ، ولا بد من السعي لعلاجه . رابعا : توريط بعض شباب الأمة بالانتماء للشعارات والقيادات الدعوية ، وليس لأهل العلم والعلماء ، بل أصبح الانتماء للشعار والجماعة الدعوية أكثر منه للسنة والجماعة وأهل العلم . خامسا : فصل الشباب عن مشايخهم وعن علمائهم ، ومن ثم حجبهم عن النظرة الشرعية الشمولية للدعوة إلى الله- سبحانه وتعالى - وغاياتها ومناهجها ، وحجبهم عن الاهتداء بهدي أئمة السنة قديما وحديثا . بل إن بعض الجماعات تربي شبابها على جوانب من مناهج السلف تخدم أهدافها ، أو تخدم الجماعة وشعاراتها ، وتغفل الجوانب الأخرى والسنة والعلم وسير أهل العلم ، وهذه من أساليب أهل الأهواء وأهل البدع ، يأخذون من الأئمة ما يحلو لهم من قول أو فعل ، ويتركون الباقي . وهذا خلل في النظرة وخلل في المنهج . سادسا : نتج عن الفصل بين الدعاة والعلماء : كثرة الشعارات والأهواء والانتماءات والافتراقات والعصبيات للجماعات أو للأشخاص مع العلم بأن الأمة لا يجمعها على السنة والخير إلا علماؤها ، ومهما بالغت الفرق ، أو مهما بالغت الجماعات والدعاة في أي مكان وفي أي زمان للسعي إلى جمع المسلمين دون الاسترشاد بأهل العلم ، ودون أن يجعلوا العلماء قادة وموجهين ومرشدين وأئمة للدعوات ، فإن الشمل لن يجتمع . نعم لن يجتمع شمل الأمة إلا بالالتفاف حول علمائها ، مهما بلغت الدعوات من السعي إلى وسائل الجمع وأساليبه . وهذا الخلل سبب رئيسي في كون الجماعات تتنافر ولا تتفاهم ، وتفترق وتفرق أكثر مما تجتمع وتجمع . . وواقعها شاهد على ذلك . |
الساعة الآن 01:27 AM |
|
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.