![]() |
تبرّك الصحابة بالرسول صلى الله عليه وسلم في حياته
الحمد لله والصلاة على رسول الله , أما بعد : مما يدل على بركة أعضاء جسده الشريف - صلى الله عليه وسلم - ما روته عائشة - رضي الله عنها - ( أن النبي صلى الله عليه وسلم - كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث , فلما اشتد وجعه أقرأ عليه وأمسح عنه بيده رجاء بركتها ) . البخاري ومما ورد عن تبرّك الصحابة رضي الله عنهم بيده الشريفة صلى الله عليه وسلم ما ثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلّى الغداة جاء خدم المدينة بآنيتهم فيها الماء , فما يؤتى بإناء إلا غمس يده فيها , فربما جاءوه في الغداة الباردة , فيغمس يده فيها ) . أخرجه مسلم وما ثبت عن أبي جحيفة رضي الله عنه أنه قال : ( خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة إلى البطحاء فتوضأ ثم صلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين ) وفيه ( وقام الناس فجعلوا يأخذون يديه فيمسحون بها وجوههم ) قال : ( فأخذت بيده فوضعتها على وجهي فإذا هي أبرد من الثلج , وأطيب من رائحة المسك ) . أخرجه البخاري وكان الصحابة رضي الله عنهم يحرصون على تقبيل يده صلى الله عليه وسلم . كما أنهم يحرصون على مس أي موضع من جسده صلى الله عليه وسلم وتقبيله كلما أمكن ذلك للتبرك وغيره . ومن هذا ما روى أبو داود في سننه أن أسيد بن حضير رضي الله عنه بينما هو يحث القوم - وكان فيه مزاح - طعنه النبي صلى الله عليه وسلم في خاصرته بعود , فقال : أصبرني ( أقدني من نفسك ) قال : أصطبر قال : إن عليك قميصا ً وليس علي قميص , فرفع النبي صلى الله عليه وسلم فاحتضنه , وأخذ يقبل كشحه ( ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف ) قال : إنما أردت هذا يا رسول الله . |
تبركهم بما انفصل منه صلى الله عليه وسلم : - التبرك بشعر النبي صلى الله عليه وسلم : ثبت أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتبركون بشعر النبي صلى الله عليه وسلم وأنه قد أقرهم على ذلك , بل إنه صلى وزّعه عليهم . ففي صحيح مسلم , عن أنس رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى منى , فأتى الجمرة فرماها , ثم أتى إلى منزله بمنى ونحر ثم قال للحلاق ( خذ ) وأشار إلى جانبه الأيمن , ثم الأيسر , ثم جعله يعطيه الناس ) . وفي رواية ( فبدأ بالشق الأيمن , فوزعه الشعرة والشعرتين بين الناس , ثم قال بالأيسر فصنع به مثل ذلك , ثم قال : ( ههنا أبو طلحة ) فدفعه إلى أبي طلحة . قال النووي رحمه الله تعالى : ( من فوائد الحديث التبرك بشعره صلى الله عليه وسلم وجواز اقتنائه للتبرك به ) . شرح النووي لصحيح مسلم . وكان الصحابة رضي الله عنهم يحرصون على اقتناء شعرة الشريف عليه الصلاة والسلام ففي صحيح مسلم أيضا ً عن أنس رضي الله عنه قال : ( لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحلاق يحلقه , وأطاف به أصحابه , فما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد رجل . وقد ذكر النووي من أحكام هذا الحديث : ( تبرك الصحابة بشعر الرسول صلى الله عليه وسلم الكريم , وإكرامهم إياه أن يقع منه إلا في يد رجل سبق إليه ) . ولعل حرص الصحابة رضي الله عنهم على ذلك في حجة الوداع لإظهار مدى حبهم للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمهم له على مرأى جموع الحجاج . |
تبرك بريق النبي صلى الله عليه وسلم : في الصحيحين عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنها هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي حبلى بعبدالله بن الزبير قالت : ( فأتيت المدينة فنزلت بقباء , فولدته بقباء , ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه في حجره , ثم دعا بتمرة فمضغها , ثم تفل في فيه فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ... ثم حنكه بالتمرة ) . وجاء في صحيح البخاري في حديث صلح الحديبية أن عروة بن مسعود الثقفي رضي الله عنه قال عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : ( فوالله ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم , فدلك بها وجهه وجلده ... ) قال ابن حجر رحمه الله معلقا ً على فعل الصحابة رضي الله عنهم هذا ونحوه في هذه الغزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم : ولعل الصحابة فعلوا ذلك بحضرة عروة , وبالغوا في ذلك , إشارة منهم إلى الرد على ما خشيه من فرارهم , وكأنهم قالوا بلسان الحال : من يحب إمامه هذه المحبة , ويعظمه هذا التعظيم , كيف يُظن به أن يفر ّ عنه ويسلمه لعدوّه ؟ بل هم أشد اغتباطا ً به وبدينه وبنصره من القبائل التي يراعي بعضها بعضها بمجرد الرحم ) . - التبرك بعرق النبي صلى الله عليه وسلم : جاء في صحيح مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل بيت أم سليم فينام على فراشها وليست فيه قال : فجاء ذات يوم فنام على فراشها , فأُتيت فقيل ها : هذا النبي صلى الله عليه وسلم نام في بيتك على فراشك , قال : فجاءت وقد عَرِق واستنقع عرقة على قطعة أديم على الفراش , ففتحت عتيدتها ( الحقة يكون في طيب الرجل والعروس ) فجعلت تنشف ذلك العرق فتعصره في قواريرها ففزع النبي صلى الله عليه وسلم - فقال : ( وما تصنعين يا أم سليم ؟ ) فقالت : يارسول الله نرجو بركته لصبياننا , قال : ( أصبت ) . |
تبركهم بما لبسه أو لمسه أو فضل منه صلى الله عليه وسلم : - التبرك بثياب النبي صلى الله عليه وسلم : جاء في صحيح البخاري عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : ( جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ببردة , فقال سهل للقوم : أتدرون ما البردة ؟ فقال القوم : هي شملة , فقال سهل : هي شملة منسوجة , فيها حاشيتها , فقالت : يا رسول الله أكسوك هذه فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجا ً إليها فلبسها , فرآها عليه رجل من الصحابة فقال : يا رسول الله ما أحسن هذه فاكسنيها , فقال : ( نعم ) فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم - لامه أصحابه فقالوا : ما أحسنت حين رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أخذها محتاجا ً إليها , ثم سألته إياها , وقد عرفت أنه لا يُسأل شيئا ً فيمنعه , فقال : رجوت بركتها حين لبسها النبي صلى الله عليه وسلم - لعلي أُكفن فيها ) . وثبت في الصحيحين أن الرسول صلى الله عليه وسلم عند وفاة ابنته زينت رضي الله عنها , أعطى اللائي يغسّلنها إزاره , وقال : ( أشعِرنها إياه ) . قال النووي رحمه الله تعالى : معنى ( أشعرنها إياه ) : اجعلنه شعارا ً لها , وهو الثوب الذي يلي الجسد , سمي شعارا ً لأنه يلي شعر الجسد ثم قال : ( والحكمة في إشعارها به تبريكها ) . شرح النووي لصحيح مسلم . - التبرك بمواضع أصابع النبي صلى الله عليه وسلم : جاء في صحيح مسلم في حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه ( فكان يصنع للنبي صلى الله عليه وسلم طعاما ً , فإذا جيء به إليه سأل عن موضع أصابعه , فيتتبع موضع أصابعه ) . - التبرك بفضل شرب النبي صلى الله عليه وسلم : في الصحيحين عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بشراب , فشرب منه , وعن يمينه غلام وعن يساره أشياخ , فقال للغلام : ( أتأذن لي أن أعطي هؤلاء ؟ فقال الغلام : لا والله , لا أوثر بنصيبي منك أحد ) . فال : فتلّه ( القاه ) رسول الله صلى الله عليه وسلم - في يده . |
التبرك بماء وضوئه صلى الله عليه وسلم : جاء في الصحيحين عن أبي جحيفة رضي الله عنه أنه قال : ( خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم - بالهاجرة , فأتي بوضوء فتوضأ , فجعل الناس يأخذون من فضل وضوئه فيتمسحون به ) . وأما المقصود بفضل وضوئه صلى الله عليه وسلم فقد قال ابن حجر رحمه الله تعالى : ( كأنهم اقتسموا الماء الذي فضل عنه , ويحتمل أن يكونوا تنالوا ما سال من أعضاء وضوئه صلى الله عليه وسلم . وجاء في صحيح البخاري في حديث صلح الحديبية أن عروة ابن مسعود الثقفي رضي الله عنه قال عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : ( وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه ) . بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد الصحابة رضي الله عنهم أحيانا ً إلى شيء من هذا وساعدهم فيه . ففي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : ( دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح فيه ماء فغسل يديه ووجهه فيه ومج ّ فيه , ثم قال : ( اشربا منه , وأفرغا على وجوهكما ونحوركما , وأبشرا ) فأخذا القدح , ففعلا ما أمرهما به رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادتهما أم سلمة رضي الله عنها من وراء الستر : أفضلا لأمكما مما في إنائكما , فأفضلا لها منه طائفة ) . وفيهما أيضا ً عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني وأنا مريض لا أعقل , فتوضأ وصب علي ّ من وضوئه فعقلت ) . تلك نماذج لتبرك الصحابة رضي الله عنهم بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته , وسأفرد مبحثا ً تاليا ً خاصا ً بالتبرك بآثاره صلى الله عليه وسلم بعد وفاته . المرجع : ( التبرك أنواعه وأحكامه ) تأليف الدكتور : ناصربن عبدالرحمن بن محمد الجديع , الأستاذ المشارك بكلية أصول الدين بالرياض , جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية . |
اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وارزقني محبته والسير على سنته بفضلك وكرمك يا أرحم الراحمين |
الساعة الآن 05:44 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.