![]() |
|
ما انفك أبي ينتظر!
ما انفك أبي ينتظر! تأهبت للنوم ولم تعد أنفاسها منقبضة.. تمددت على الفراش في غمرة ضوء شمعة باهتة. ضمت حقيبتها اليدوية إلى صدرها في حنو أثير. اندفعت الأحلام الشاحبة تتراقص أمام مقلتيها، تمطرها بوابل من رذاذ الذهب، وفيض من لجين تساقطا الليلة، وغمرا الثرى من تحت قدميها. أسندت رأسها إلى وسادة مهترئة لصق حائط مهترئ، وتحت سقف متداع. جعلت تتملى في ما جمعت عليه حقيبتها اليدوية! حولت ناظريها جهة اليمين، ونبست: "فلتقر عينا يا بكر الدار أخي.. غدا أو بعد غد ستلحق بركب من ستبحر بهم قوارب الموت جهة العالم الوردي الساحر .. هلل طربا يا بن أبي! فما عدت الليلة بخفي حنين.. استخلصت حلمك من جيوبهم طوعا، وتحت سكرة سعادة لا تلبث تنقشع كغيمة صيف.. وغير خاف عليك الموارد المعطاء! أو ما أغدقت أنا نظيرها من لحم ودم طازجين يا ابن أمي". أدارت رأسها يسارا حيث يضجع أبوها المسلول. لم يطق مسمعها سعاله الحاد.. حفزها ما هي عليه من ثمالة سكر، فانخرطت في نوبة بكاء.. لن أتوانى في استخلاص حلمك الجريح نقدا ودما.. غدا أو بعد غد.. انتظر يا أبي.. انتظر. من وحي بهاء طلعتها وسحر ما ينفث لسانها، سوت آلة فتك على مقاس قلاع آدمية مصفحة، ثعالب وضباع تهوى لحوم حواء مكفوفة البصيرة. وأمست هيام عروسا هائمة في وهج الأماسي الحمراء. على حين غرة استفزها دمها ولحمها المنهوبان في مواخير النخاسة، حيث تتكالب السباع منتفخة البطون من تخمة.. استبد بسائر جوارحها منطق الثأر. ربما صحت صحوة عاهر أضناها عبث الأقدار وطول السهر والانتظار.. جمعت أنفاسها المنهارة، نطقت عيناها بما يعتمل في طي ذاتها من سر مكين. فجأة ألفت نفسها توجه بنادق الدهاء تطيح بالرؤوس الصماء.. "جرعة قليلة من زعاف الموت كفيلة برد الاعتبار.. جديرة بتطهير دمائي الملوثة وجعلها نجيعا ورديا دافقا.. وأجمعت أمرها لتغرس سهامها في العقول الخرقاء، وتبقر بها البطون المنتفخة والمتسربلة بفساتين الغرور والاستعلاء. أخذتها سنة من نوم.. رأت نفسها تتفرد بأول قلعة أدمية مصفحة. ناولت الضبع السمين كأسا مزاجها لغم يذيب السمنة بالتقسيط. وإذ هم بإفراغها في جوفه أمسكت بساعده. صاحت ملء عقيرتها صيحة من داهمها مس أو عالجتها حالة صرع: ـ لا، لا تفعل.. ما يزال أبي ينتظر.. انتظر يا أبي !! واستفاقت من رحلتها على قبس الشمعة يأفل رويدا رويدا.. |
|
ما أبدعه من أسلوب... وما أعذبها من لغة...
الأستاذ محمد الغالمي: جعلتنا نرتشف القص عسلا مصفى. شكرا لجمال أفكارك، وبديع صياغتها في هذا النسج المنفرد. تحياتي. |
الأستاذ القدير محمد غالمي .. حملتني كلماتك بعيدا .. حيث صورة مأساوية لانثى قدمت نفسها وجبة رخيصة لبشر لا يحملون صفة الآدمية .. الفقر والغنى .. والعوز والعجز والحاجة والجشع واللا انسانية .. كلها أفكار تناولها نص قصير جزيل التعبير .. جدير بنا أن نقدره كل التقدير .. مودتي. |
حين يجتمع البؤس والانسداد وترتفع جدران اليأس وتنعدم نوافذ الأمل فتكون قوارب الموت هي الحل وحين نصور مجتمعاً لا يعرفه ذوي البطون إلّا في المواخير ولا يعرف العامة عن بؤسه الحق إلّا في الحكايات اليومية والقصص يعترينا الحزن من عجز يكبلنا أمام فئة لم يرحمها المتجمع ولا الوطن ولا نملك لها مخرج... أنثى تحمل هم الكون على كتفيها.. إبداع في الوصف يغري بالمتابعة... مصافحة أولى تقديري واحترامي |
السلام عليكم ورحمة الله قصة اقتبست من الواقع الشيء الكثير، فعندما تتجمع الأيادي القذرة للفقر والجهل والبعد الدين تلقي بصاحبها في غيابات المهالك. سعال آت من بواطن الحلم يجعل بطلتنا تتأنى في أخذ الثأر ... فمازالت تحتاج للعاب الذئب ففيه حسب اعتقادها الشفاء وتغيير الحال للأفضل. شكرا لك سيدي على القصة التي تعكس صورة مطابقة للواقع المرير. |
أحلام شاحبة وربما كوابيس اليقظة ، تلك التي تستبد بكل إنسانة أكرهها الزمان على مناطحة العوادي والإعصارات الهوجاء ، بطالة على عطالة ، بؤس و أمراض وقلة حيلة ، لا تغطية صحية ولا تغطية اجتماعية ، ماذا تبقى غير السفر عبر الرذيلة وبيع الهوى لمن احتكروا الحياة . هي الثورة في النفوس رغم خمودها تبقى حية ، لكن الخوف من الآتي أعظم مما يعاش ، مهما تعمق الاشخاص في الفساد تجدهم لا يحبونه ، لكن أين البديل عن هذه البلوى ، تجده يحصد الدراهم مقابل توقيع ورقة ، هي التي تعينه على استكمال التزاماته الكثيرة والتزامات كل عائلته ، متى أراد التعفف والرجوع ، سيمد يده للسؤال .
هي حياة اليوم يسهل انتقاد سلوكياتها ولكن ما أصعب إصلاح أسباب منابع الداء . أستاذي الفاضل لك جزيل الشكر على هذا النص الثري الذي ينقل بمصداقية ما ينخر المجتمع من ظواهر مؤلمة . |
اقتباس:
تحياتي لك.. م.غالمي |
اقتباس:
أسعدني انطباعك السليم حول النص القصصي.. وإني لأجدد تشكراتي لما وشحت به المتصفح.. كل التحايا لشخصك المحترم.. م.غالمي |
مؤلمُ أن بفتكَ الفقر بـ بقايا أنثى أرهقتها الحياة المريرة وتكالبت عليها وحوش الحيرة والضياع ..
أخي الكريم ~ محمد غالمي ألفُ تحيّة تقدير واحترام لـ شخصكَ وفِكركَ ~ |
الساعة الآن 06:55 PM |
|
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.