منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   ما انفك أبي ينتظر! (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=10881)

محمد غالمي 03-31-2013 12:11 AM

ما انفك أبي ينتظر!
 
ما انفك أبي ينتظر!
تأهبت للنوم ولم تعد أنفاسها منقبضة.. تمددت على الفراش في غمرة ضوء شمعة باهتة. ضمت حقيبتها اليدوية إلى صدرها في حنو أثير. اندفعت الأحلام الشاحبة تتراقص أمام مقلتيها، تمطرها بوابل من رذاذ الذهب، وفيض من لجين تساقطا الليلة، وغمرا الثرى من تحت قدميها. أسندت رأسها إلى وسادة مهترئة لصق حائط مهترئ، وتحت سقف متداع. جعلت تتملى في ما جمعت عليه حقيبتها اليدوية! حولت ناظريها جهة اليمين، ونبست: "فلتقر عينا يا بكر الدار أخي.. غدا أو بعد غد ستلحق بركب من ستبحر بهم قوارب الموت جهة العالم الوردي الساحر .. هلل طربا يا بن أبي! فما عدت الليلة بخفي حنين.. استخلصت حلمك من جيوبهم طوعا، وتحت سكرة سعادة لا تلبث تنقشع كغيمة صيف.. وغير خاف عليك الموارد المعطاء! أو ما أغدقت أنا نظيرها من لحم ودم طازجين يا ابن أمي". أدارت رأسها يسارا حيث يضجع أبوها المسلول. لم يطق مسمعها سعاله الحاد.. حفزها ما هي عليه من ثمالة سكر، فانخرطت في نوبة بكاء.. لن أتوانى في استخلاص حلمك الجريح نقدا ودما.. غدا أو بعد غد.. انتظر يا أبي.. انتظر. من وحي بهاء طلعتها وسحر ما ينفث لسانها، سوت آلة فتك على مقاس قلاع آدمية مصفحة، ثعالب وضباع تهوى لحوم حواء مكفوفة البصيرة. وأمست هيام عروسا هائمة في وهج الأماسي الحمراء. على حين غرة استفزها دمها ولحمها المنهوبان في مواخير النخاسة، حيث تتكالب السباع منتفخة البطون من تخمة.. استبد بسائر جوارحها منطق الثأر. ربما صحت صحوة عاهر أضناها عبث الأقدار وطول السهر والانتظار.. جمعت أنفاسها المنهارة، نطقت عيناها بما يعتمل في طي ذاتها من سر مكين. فجأة ألفت نفسها توجه بنادق الدهاء تطيح بالرؤوس الصماء.. "جرعة قليلة من زعاف الموت كفيلة برد الاعتبار.. جديرة بتطهير دمائي الملوثة وجعلها نجيعا ورديا دافقا.. وأجمعت أمرها لتغرس سهامها في العقول الخرقاء، وتبقر بها البطون المنتفخة والمتسربلة بفساتين الغرور والاستعلاء. أخذتها سنة من نوم.. رأت نفسها تتفرد بأول قلعة أدمية مصفحة. ناولت الضبع السمين كأسا مزاجها لغم يذيب السمنة بالتقسيط. وإذ هم بإفراغها في جوفه أمسكت بساعده. صاحت ملء عقيرتها صيحة من داهمها مس أو عالجتها حالة صرع:
ـ لا، لا تفعل.. ما يزال أبي ينتظر.. انتظر يا أبي !!
واستفاقت من رحلتها على قبس الشمعة يأفل رويدا رويدا..

حامد الشريف 03-31-2013 11:30 AM


اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد غالمي (المشاركة 142384)
ما انفك أبي ينتظر!


تأهبت للنوم ولم تعد أنفاسها منقبضة.. تمددت على الفراش في غمرة ضوء شمعة باهتة. ضمت حقيبتها اليدوية إلى صدرها في حنو أثير. اندفعت الأحلام الشاحبة تتراقص أمام مقلتيها، تمطرها بوابل من رذاذ الذهب، وفيض من لجين تساقطا الليلة، وغمرا الثرى من تحت قدميها. أسندت رأسها إلى وسادة مهترئة لصق حائط مهترئ، وتحت سقف متداع. جعلت تتملى في ما جمعت عليه حقيبتها اليدوية! حولت ناظريها جهة اليمين، ونبست: "فلتقر عينا يا بكر الدار أخي.. غدا أو بعد غد ستلحق بركب من ستبحر بهم قوارب الموت جهة العالم الوردي الساحر .. هلل طربا يا بن أبي! فما عدت الليلة بخفي حنين.. استخلصت حلمك من جيوبهم طوعا، وتحت سكرة سعادة لا تلبث تنقشع كغيمة صيف.. وغير خاف عليك الموارد المعطاء! أو ما أغدقت أنا نظيرها من لحم ودم طازجين يا ابن أمي". أدارت رأسها يسارا حيث يضجع أبوها المسلول. لم يطق مسمعها سعاله الحاد.. حفزها ما هي عليه من ثمالة سكر، فانخرطت في نوبة بكاء.. لن أتوانى في استخلاص حلمك الجريح نقدا ودما.. غدا أو بعد غد.. انتظر يا أبي.. انتظر. من وحي بهاء طلعتها وسحر ما ينفث لسانها، سوت آلة فتك على مقاس قلاع آدمية مصفحة، ثعالب وضباع تهوى لحوم حواء مكفوفة البصيرة. وأمست هيام عروسا هائمة في وهج الأماسي الحمراء. على حين غرة استفزها دمها ولحمها المنهوبان في مواخير النخاسة، حيث تتكالب السباع منتفخة البطون من تخمة.. استبد بسائر جوارحها منطق الثأر. ربما صحت صحوة عاهر أضناها عبث الأقدار وطول السهر والانتظار.. جمعت أنفاسها المنهارة، نطقت عيناها بما يعتمل في طي ذاتها من سر مكين. فجأة ألفت نفسها توجه بنادق الدهاء تطيح بالرؤوس الصماء.. "جرعة قليلة من زعاف الموت كفيلة برد الاعتبار.. جديرة بتطهير دمائي الملوثة وجعلها نجيعا ورديا دافقا.. وأجمعت أمرها لتغرس سهامها في العقول الخرقاء، وتبقر بها البطون المنتفخة والمتسربلة بفساتين الغرور والاستعلاء. أخذتها سنة من نوم.. رأت نفسها تتفرد بأول قلعة أدمية مصفحة. ناولت الضبع السمين كأسا مزاجها لغم يذيب السمنة بالتقسيط. وإذ هم بإفراغها في جوفه أمسكت بساعده. صاحت ملء عقيرتها صيحة من داهمها مس أو عالجتها حالة صرع:


ـ لا، لا تفعل.. ما يزال أبي ينتظر.. انتظر يا أبي !!

واستفاقت من رحلتها على قبس الشمعة يأفل رويدا رويدا..



[justify]
أخي الأستاذ محمد غالمي
جميلة هذه الكلمات وهذا الحوار الماتع الذي جسد حال كل فتاة دفعها فقرها وقلة حيلتها لتقديم جسدها رخيصاً في سوق النخاسة حتى يعبث يه من أتخمهم الغنى .
يالها من مفارقة عجيبة أحسنت تصويرها وقدمتها في قالب أدبي شهي جداً ؛ أن يجتمع الضدان فقرٌ مدقع وغنى فاحش ليصنعى لنا عربدة نعيشها في كل وطننا العربي !!!!
كل الشكر لك أخي على هذه الوجبة الدسمة جداً في عالم القصة القصيرة
دمت بود أخوك حامد الشريف
[/justify]

آية أحمد 03-31-2013 05:44 PM

ما أبدعه من أسلوب... وما أعذبها من لغة...

الأستاذ محمد الغالمي:
جعلتنا نرتشف القص عسلا مصفى.

شكرا لجمال أفكارك، وبديع صياغتها
في هذا النسج المنفرد.

تحياتي.

صفاء الأحمد 04-04-2013 10:59 AM

الأستاذ القدير محمد غالمي ..

حملتني كلماتك بعيدا ..
حيث صورة مأساوية لانثى قدمت نفسها وجبة رخيصة لبشر لا يحملون صفة الآدمية ..
الفقر والغنى .. والعوز والعجز والحاجة والجشع واللا انسانية .. كلها أفكار تناولها نص قصير جزيل التعبير .. جدير بنا أن نقدره كل التقدير ..

مودتي.

آمال بوضياف 04-04-2013 02:18 PM

حين يجتمع البؤس والانسداد وترتفع جدران اليأس وتنعدم نوافذ الأمل فتكون قوارب الموت هي الحل وحين نصور مجتمعاً لا يعرفه ذوي البطون إلّا في المواخير ولا يعرف العامة عن بؤسه الحق إلّا في الحكايات اليومية والقصص يعترينا الحزن من عجز يكبلنا أمام فئة لم يرحمها المتجمع ولا الوطن ولا نملك لها مخرج...
أنثى تحمل هم الكون على كتفيها..
إبداع في الوصف يغري بالمتابعة...
مصافحة أولى
تقديري واحترامي

فاتحة الخير 04-07-2013 08:54 PM

السلام عليكم ورحمة الله


قصة اقتبست من الواقع الشيء الكثير، فعندما تتجمع الأيادي القذرة للفقر والجهل والبعد الدين تلقي بصاحبها في غيابات المهالك.
سعال آت من بواطن الحلم يجعل بطلتنا تتأنى في أخذ الثأر ... فمازالت تحتاج للعاب الذئب ففيه حسب اعتقادها الشفاء وتغيير الحال للأفضل.

شكرا لك سيدي على القصة التي تعكس صورة مطابقة للواقع المرير.

ياسر علي 04-14-2013 05:26 PM

أحلام شاحبة وربما كوابيس اليقظة ، تلك التي تستبد بكل إنسانة أكرهها الزمان على مناطحة العوادي والإعصارات الهوجاء ، بطالة على عطالة ، بؤس و أمراض وقلة حيلة ، لا تغطية صحية ولا تغطية اجتماعية ، ماذا تبقى غير السفر عبر الرذيلة وبيع الهوى لمن احتكروا الحياة . هي الثورة في النفوس رغم خمودها تبقى حية ، لكن الخوف من الآتي أعظم مما يعاش ، مهما تعمق الاشخاص في الفساد تجدهم لا يحبونه ، لكن أين البديل عن هذه البلوى ، تجده يحصد الدراهم مقابل توقيع ورقة ، هي التي تعينه على استكمال التزاماته الكثيرة والتزامات كل عائلته ، متى أراد التعفف والرجوع ، سيمد يده للسؤال .
هي حياة اليوم يسهل انتقاد سلوكياتها ولكن ما أصعب إصلاح أسباب منابع الداء .
أستاذي الفاضل لك جزيل الشكر على هذا النص الثري الذي ينقل بمصداقية ما ينخر المجتمع من ظواهر مؤلمة .

محمد غالمي 04-14-2013 09:13 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حامد الشريف (المشاركة 142395)



[justify]
أخي الأستاذ محمد غالمي
جميلة هذه الكلمات وهذا الحوار الماتع الذي جسد حال كل فتاة دفعها فقرها وقلة حيلتها لتقديم جسدها رخيصاً في سوق النخاسة حتى يعبث يه من أتخمهم الغنى .
يالها من مفارقة عجيبة أحسنت تصويرها وقدمتها في قالب أدبي شهي جداً ؛ أن يجتمع الضدان فقرٌ مدقع وغنى فاحش ليصنعى لنا عربدة نعيشها في كل وطننا العربي !!!!
كل الشكر لك أخي على هذه الوجبة الدسمة جداً في عالم القصة القصيرة
دمت بود أخوك حامد الشريف
[/justify]
[/center]

الأخ العزيز حامد الشربف. كل الشكر لشخصك الكريم على ما أبديت من الرأي السديد، والتحليل العميق الذي لا يتأتى إلا للقارئ المتميز.. وما رسمته واقع ماثل تتلظى من حر نيرانه كل من وقعت بين مطرقة العوز وسندان الانتهازية والاستغلال..
تحياتي لك..
م.غالمي

محمد غالمي 04-14-2013 09:16 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة آية أحمد (المشاركة 142414)
ما أبدعه من أسلوب... وما أعذبها من لغة...

الأستاذ محمد الغالمي:
جعلتنا نرتشف القص عسلا مصفى.

شكرا لجمال أفكارك، وبديع صياغتها
في هذا النسج المنفرد.

تحياتي.

الأخت العزيزة آية.. حياك المولى
أسعدني انطباعك السليم حول النص القصصي.. وإني لأجدد تشكراتي لما وشحت به المتصفح..
كل التحايا لشخصك المحترم..
م.غالمي

أمل محمد 04-14-2013 09:27 PM

مؤلمُ أن بفتكَ الفقر بـ بقايا أنثى أرهقتها الحياة المريرة وتكالبت عليها وحوش الحيرة والضياع ..

أخي الكريم ~ محمد غالمي

ألفُ تحيّة تقدير واحترام لـ شخصكَ وفِكركَ ~


الساعة الآن 06:55 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team